التنظيمات تعلم الناس الحركة .. والعلماء يعلمونهم الحركة والبركة والنعمة والحمد والذكر نفتقد ثقافات عصرية مهمة ك" الإنسان قبل البنيان والوعي قبل السعي " أزمة الأرهاب الحقيقية ليست في الفضاءات الإلكترونية بل في ميكانيزمات التفكير المغروقون في الإفتاء التراثي يضيعون الواقع ويوسعون التراث نحتاج تدريس مناهج وعلوم السلف لا الوقوف عند مسائلهم الإفتاء قدمت للعالم الإسلامي أفضل من تولوا شئون الفتوى الحاكم الفرد في الدولة المعاصرة ليس مسئولا عن عموم المسلمين لسنا علماء سلاطين .. وأيهما أفضل أن يتقرب الحاكم إلى عالم دين أم لا يقرب أحدا الاجتهاد ليس فقط في المعاملات ولكن في العقود الاجتماعية أيضا طرح مؤخرا د عمرو الورداني أمين الفتوي بدار الإفتاء المصرية ومسؤول إدارة التدريب عددا من القضايا الهامة والشائكة كان من بينها كيفية تجديد الخطاب الديني ، وتفكيك ما سماه بالأطروحات الإرهابية ، و كيفية حل مشكلة الفتاوي الشاذة . كما أكد الورداني أن الفتوى ليست مجرد سؤال يلقي في جعبة المفتي وفقط وإنما صنعة ومهارة تحتاج إلي دربة ودراية بالعلوم الفقهية والشرعية, مشيراً إلى أن لكل مهنة خصائصها المميزة زمهاراتها الواجب توفرها تتوفر فيمن يشتغلون بها. كما تناول في حوار أجرته شبكة الإعلام العربية "محيط " معه مواقف المسلمين المعاصرين من مفهوم الخلافة ومسؤلية الحاكم ، وكيفية التعامل مع أفكار الغلو والتطرف. وإلي التفاصيل : يحتاج العاملون بالفتوى إلى مهارات خاصة مختلفة كثيرا عن باقي العاملين في المجال الدعوى مثلا ، فهل لك أن تخبرنا عن بعضها ؟ باختصار .. مفهوم التجديد في علوم الإفتاء ، يقوم بالأساس علي قاعدة المهنية والصنعة ، إذ لابد ان يدرك المفتي أنه يتعمل مع صنعة ، بمعني أنه ليس تجديد تصنيفي ، وما أقصده يصب في " الجدارات والمهارات " وإن لم يصب في هذا الاتجاه فهو عمل مهدر. ماذا تقصد بالمهارات والجدارات ؟ المهارات هي ركن أساسي من الصنعة ومن المهنة وهناك كلام يتعلق بالمفاهيم والقيم والاتجاهات بالطبع ، لذلك نجد بعض أهل الصنعة يطالب بميثاق شرف مهني او معجم للمفاهيم يتعلق بالمعرفة ولكن القضية الأهم عند المفتي هي المهارات التي تؤدي إلي المعرفة ولتوضيح الاتجاهات وكل هذا يسمي "الصنعة" . وهل ترى ضرورة مجتمعية للاشتغال بها ؟ نعم ..الإفتاء هي من أهم المهن التي نحتاجها فهى تكريس للهوية ، كونها تتعامل مع حاجات العصر ومستجداته ، وتداوي كثير من الأمور التي لا يعالجها خطباء الجمعة ، ووعاظ المساجد. وأستطيع أن أجزم أن الموضوعات التي يتعرض لها المفتي بمثابة حقنة في وريد المجتمع ، وهو يتوقف عند حد الفتوى و يترك التطبيق للمستفتي ، لان الفتوي غير ملزمة، وأساس الأمر هي صلة العبد بربه . وفي رأيك ما اهم المهارات التي تنقص المفتي المعاصر ؟ كيفية الترجيح مثلا، فالمفتي يتتبع أجزاء الصورة والمواقف والمشاهد ثم يقوم بتركيبها وهو ما نطلق عليه "فهم الواقعة" ولكن الخطر الحقيقي الذي يواجه المفتي - حتي وإن كان يتمتع بتلك المهارة - هو تنميط الصورة أي استدعاء صور مماثلة سابقة التجهيز والحكم بناء علىها وهذا ما جعل الناس يتأففون من التراث. وأعطيك نموذجا عندما تعرض علي المفتى مسالة يقول لا أريد أن تحكي لي أنا اعرف الصورة ويستدعي صورة في ذهنه ويضعها أمام عينيه ولا يري تفاصيل الصورة المعروضة عليه في الأساس وهذا يسمي بالتنميط ، الذي يوقع المفتي في إثم شرعي كبير . هل تقصد بذلك أن الإغراق في الفتاوي التراثية وتلبيسها وااقعا جديدا لا يحتملها ؟ إلي حد ما ، فالمفتى من هذا النوع يحمل فتواه ما لا تطيق وما لا تحتمل حتي يتفسخ ، وهو امر مرفوض ، التراث محمل بما يكافئه وبما يليق به ، فلا يجوز تحميله مسائل أخرى لا تخصه . وما يوجد في التراث هو المناهج ، والمناهج تجعل الفقيه المعاصر يفكر بطريقة الفقيه الأول ، وهناك فرق بين أن يفكر بما يفكر الفقيه الأول وأن يحكم بحكمه ، نريد مناهج العلماء ولا نريد أن نقف عند مسائلهم . ونحن نسمي استدعاء الصور الذهنية القديمة واستبدالها بالصورة المعروضة تضييع للواقع وتوسعة للتراث . هل هذا النموذج موجود فعلا في مصر؟ مؤسسة دار الإفتاء بها جهود ضخمة جدا، وأنا مسؤول التدريب بها ، ونحاول ترشيد الإفتاء بقدر الإمكان وعندما لاحظنا التغير النفسي لبعض العاملين بالفتوى والمتصدين لها بالإضافة إلى نوعية المستفتين أقمنا دورة للتعامل مع نوعية من المستفتي اطلقنا عليه "المستفتي الصعب" الذي يمارس الحدة في التعبير والغلظة في القول ، وهذا الصنف كثر وجوده في الفترة الأخيرة كثيرا وهل تعزي تلك الحدة التي أصبح المستفتين عليها إلى مشاكل مجتمعية يعيشونها أو متغيرات سياسية أو غير ذلك مما أثر على نفسياتهم ؟ نحن نتعامل مع كثير من الأصناف لكي نصل بالعملية الإفتائية إلي الجودة المطلوبة ورفع الكفاءة الإفتائية ، نقوم بالتدريب المستمر في هذا الإطار، ونتعامل معه بنفس المهارة والوعي. لكن ما الذي يوقع المفتي في ما أطلقت عليه في بعض أبحاثك " استبحاث المفتين" ؟ المفتي يقف عند الحكم قم يتحول إلي باحث وهو ما أطلقت عليه بالفعل "استبحاث المفتي" ولا ينتقل إلي إصدر الفتوي فلا ينزل النص علي الواقعة التي بين يديه فيترك كل ما يجب ان يقوم به ، ويعرض المكتوب في علوم الفقه وفقط ، ولا يطبقها علي الواقعة وهذا نراه عند كثير من المفتين اليوم . هل لدار الأفتاء المصرية فضل في تخريج دفعات من المفتين في مختلف البلدان الإسلامية ؟ نعم عندنا من المفتين في كثير من بلاد العالم الإسلامي ، والذين تدربوا معنا في الدار ، منهم مفتي كازخستان علي سبيل المثال . ويوجد في بعض الدول من تدربوا في الدار وهم الأن في منصب نائب المفتي او مساعد المفتي . كيف يمكن أن ينظر الفقيه المعاصر للحاكم والخليفة والنظام السياسي المعاصر ؟ الحقيقة يجب أن نعترف أنه كان يجب أن يلاحظ الفقيه المعاصر هذه القضية منذ زمن طويل ،وهناك فارق بين أمرين يخصان الحاكم الأن ، الأول: وهو تكييف وظيفة الحاكم ،وثانيا استنباط الأحكام لتي تتعلق بممارسته بمهامه . أما تكيفات الوظائف والأفعال والمهام فقد حدث لها تطور كبير في عصرنا إذ تغير شكل الدولة القديمة "الخلافة " وانتقلت من الدولة الأم إلي " القطرية " محددة السلطة والكيانات وهي تختلف بشكل واضح عن دولة الخلافة السابقة وأصبح لها أحكام مختلفة. وهنا لا أتكلم عن فلسفة السلطة والحاكمية والتي تختلف عن الدولة القطرية ، وكان يجب ان يلتفت إلي هذا المفهوم الفقيه المعاصر في التعامل معها من الناحية الحكمية علي ضوء قاعدة وضعها الخطيب الشذليبي "الواقع لا يرتفع " . الواقع يقول أن الدولة القطرية ليست دولة الخلافة فهي دولة محدودة السلطة ومعني الدولة القطرية كما عرفها الساسة هي محدودة السلطة محدودة الجغرافيا لها حدود في البر والبحر والجو . لكن السلطة والكيان في دولة الخلافة اكثرا إتساعا وهذا الأمر كان يجب ان ينتبه إليه الفقهاء المعاصرون ولا يصح للفقيه أن يتجاهله او لا يلتفت إليه . لأن تعامل الصغير معاملة الكبير فساد في التصور ، وجزء من فساد التصور يؤدي لتغير في المهام ، قبل ان نتكلم علي من هو الحاكم ومن هو الخليفة ويجب ان نتكلم عن حدود السلطة في الإسلام ،هذه الحدود شكلت المسؤولية فلا الحاكم الأن مسؤول عن المسلمين حول العلم ككل ولا يصح أن نطلق عليه الخليفة . حدثنا عن حدود مسؤوليات الحاكم في الدولة "القطرية" ؟ الحاكم الآن ليس مسؤولا عن مسلمي العالم ، ومساحة مسؤوليته عن المسلمين في غير بلادك تلاشي ، لو أن المسلمين فكروا في ذلك لحلوا كثيرا من مشكلاتهم حول العالم كما هو الحال في أشكال المعاملات والعلاقات الدولية ولا تبقي المسالة كذلك في تقييم مجموعات التطرف المطالبة بمسؤوليات الحاكم علي أنه الخليفة . أما النظام الدولي الحديث وكثير من الدول الإسلامية لم تنخرط في الشكل الدولي الحديث ولم تتعامل معه علي انه واقع. اما الخلط بين مفهوم الخلافة والدولة القطرية وهو نمط جديد من أنماط الحكم وان يكون ملتزما بأمن واستقرار اوطانه عبر التزام بينه وبين الحاكم بعقد . لذلك فقد انعقد بين المسلم والحاكم عقد جديد يختلف عن العقد القديم بمعني أن يبيع الإنسان مسؤوليته العامة إلي خليفة يتولي تدبير أمور باجتهاده ، وأن يتولي الحاكم مسؤولية الناس لأنه رمز للمجتمع ، أما الآن فلا توجد مسؤولية عن عموم المسلمين وسقط العقد القديم وهو عقد الخلافة . لكن لماذا انتقلت الفكرة الخاصة بالخلافة لجموع المسلمين بغير حقيقتها ؟ مفهوم الخلافة انتقل من حديث الرسول "خلافة ثم ملكا عاض ثم خلافة علي منهاج النبوة ، وليست هي خلافة النبوة ، خلافة النبوة الأخيرة لن تتكرر لأن النبي ليس موجودا والحاكم المعصوم غير موجود . اما الخلافة الحديثة فتأخذ شكل الاتحادات الفيدرالية والكونفيدرالية وهذا لا يتأتى إلا لو فهمنا العصر بشكله الجديد ، والله أمرنا أن نجيب الناس عندما يسؤلون فقال "فسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون " الاية . وهذا فهمه الأئمة الأوائل فقالوا : فأحدث الناس من الأقضيات بقدر ما احدثوا فقال شريح أحدث الناس فأحدثت وهناك مقولة " تُحْدَثُ للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور" منسوبة إلي الخليفة: عمر بن عبد العزيز، فقال له الناس أنت قلت قولا جديدا في الفقه وأتيت جديدا نتج عنه فقه مكافئة للعصر وهذا ما أدي إلي صنع الديوان كما حدث في عصر سيدنا عمر ، وكما حدث في عقد الاستصناع في عصر التابعين وعقد الوفاء في بيعة الجمالون "الجمالية " هنا في مصر . ويتصور بعض العلماء ان العقود المستحدثة تكون فقط في المعاملات ولا تكون في العقود الاجتماعية ، فمطلوب من العلماء التعامل مع هذه العقود علي أنها نوازل. لماذا لا يتكلم العلماء المعاصرون في هذا المسائل ؟ لأنهم لم يعملوا علي التجديد ، الناس تظل تهدم الجزئيات ولا تهدم الكليات ، لم يتعاملوا مع البناء الهيكلي فقط كان لابد ان يتعلموا مع مناهج البحث سواء الجزئي أوالكلي . فالعلماء وضعوا قواعد كلية منها " الإنسان قبل البنيان" ، " الطفولة توقف الأحكام " و"الوعي قبل السعي " . لكننا ما زلنا ندور في فلك فقه الماضي ؟ علم تقعيد الفقه توقف منذ زمن ، والآن لا يوجد فهم حقيقي للبعد الحضاري في تعاملاتنا الفقهية، والعالم له وظيفة حضارية ووظيفة مجتمعية بجب ألا تتحول الوظيفة الاجتماعية إلي وظيفة إدارية فلا يفهم الفهم الإدراكي في العلوم الفقهية إلا من يملك الوظيفة المجتمعية ذات البعد الحضاري. لماذا لا يتعلق الشباب حاليا بالمراجع الدينية والشرعية ويتعلقون بالمناهج الحركية والتنظيمات السرية ؟ أحد أهم أسباب عدم تعلق كثير من الشباب بالعالم هو عدم قيامهم بوظيفتهم الحضارية فلو قاموا بهذه الوظيفة لسدوا الطريق علي المدعين والكاذبين والمتطرفين . الجماعة والتنظيم تعلم الحركة ولكن العالم يعلم الحركة والبركة والنعمة والحمد والشكر والذكر . لكن البعض يتهم العلماءالحاليين بأنهم علماء سلاطين ؟ هل الأفضل للسلطان أن يستشير عالم أم لا يقترب منه أي عالم ، المؤسسات عندنا كبيرة والدولة مسلمة ، فهل تفرض علي ان أعادي دولة أعتقد انها مسلمة وفي يديها مصلحة المسلمين ، هذا امر غير مقبول . كيف نتعامل مع فتاوى الإنترنت والفضاءات الإلكترونية المختلفة ومدي تأثيرها على وعي عموم المسلمين ؟ لا بد أن نكّون نحن مكينزمات تفكيرسليمة ، ما تم زرعة لا بد ان نتخلص منه ، هناك توجه كبير لشغل المسلم عن التنمية والحضارة وتحويله من حياة الحضارة إلي حياة الصراع وانا أعتبره امر مقصود جدا في هذه السنوات . ولا اقول من السلام إلي الصراع ، السلام كلمة أوسع من عكسها الحرب ، والأزمة ليست متعلقة بواسئل التواصل الاجتماعي ولكن هي بالأساس أزمة في ميكانيزمات التفكير . كيف نصل إلي عمق الأفكار المتطرفة ونفككها ؟ لابد من التواصل مع الشباب ، ويجب أن نتنبه لدوافع هذا الفكر ، عن طريق الجلوس مع من قاموا بالمراجعات الفكرية ومحاولة النفاذ لأفكارهم ومعرفة كيف يفكرون وهذا أمر في غاية الأهمية . و هو ما يسمي "بالحل الشامل" وهذا بالطبع يكون بشكل متوازي مع عامل الردع لمن يمارس العنف ولكن يجب أن نتجه أولا للقواعد من الناس ولا أظن أن أحدا في المجتمع يقول باننا نستطيع أن نتخلص من كل هذه القواعد ، هناك مهام أساسية تتعلق بالمخدوعين والمغرر بهم ولا يحدث ذلك إلا بجملة من الإجراءات . وما هي ؟ اولا : تحديد أاكن إقامة هؤلاء وأين يتجمعون سواء في العالم الافتراضي أو علي الأرض في أي تجمع سكني . ثانيا : إذا ثبت أنهم لا ينتهجون العنف ولا يميلون لإراقة الدماء وقتها نواجه الفكر بالفكر وهذا لا يتأتي إلا برصد القضايا التي تتعلق بافكارهم مثل تطبيق الشريعة ، علاقة العالم بالسلطان ، سقف العالم مع المجتمع ، ثم نرصد الفكرة الرئيسة في كل هذا ونقدم شاملة، وننتقل من الفكرة الرئيسة إلي المنهج ، فضلا عن المتابعة الدورية والمستمرة لمحاورة ومناقشة هؤلاء .