نجح مؤتمر الفتوى الذي عقد في القاهرة مؤخرًا إلى حد كبير في إلقاء الضوء على فوضى الإفتاء بالعالمي العربي والإسلامي، وعمل علي تحديد الداء ولكن لم يضع الدواء ربما لأن الموضوع أكبر بكثير من مؤتمر ومؤسسة ولكن علينا أن نبدأ من الآن لوضع حلول كثيرة لمشكلات الإفتاء في العالم الإسلامي. في تقديري نجح مؤتمر الإفتاء في طرح مشكلات عديدة منها قضايا في غاية الأهمية منها فقه الأقليات والتطرف في الفتوي، وبين الجهود الإفتائية في محاربة التطرف، ومواجهة التعصب المذهبي في الفتوي، ومراعاة تغير الفتوي وتغيير الجهات الأربع في النوازل، وقضية التجديد في الفتوي . لقد طرح المؤتمر في وجهة نظري بعض القضايا الهامة وذات الطابع التي تمس واقعنا وتعالجه بقوة، منها قضية البحث عن الفتوي وبيان الحكم فيها بعد وقوع المصيبة والمخالفة الشرعية وهذا ما قدمة د محمد إبراهيم الحفناوي حول مراعاة تغير الفتوي باختلاف الجهات الأربعة وأكد أن الفتوى قبل الابتلاء بالفعل تختلف عن الفتوى بعد الابتلاء بالفعل . لأن كثيرًا من المسلمين يبحث عن الحكم الشرعي في المسألة بعد قيامة بالفعل، وكثيرًا من الجماعات الإرهابية تقوم بعمل الجريمة وتبحث عن المبرر لها بعد ذلك من الشرع والدين . كما قدم د عمرو الورداني أمين الفتوي بالدار ومدير إدارة التدريب فيها ورقة مبدعة عن تجديد الإفتاء، وقد كان واثقًا من نفسة وقدم ورقة في غاية الأهمية واضح أنه بها جهد بحثي مبذول، حيث حذر المفتين من تحولهم إلى المفتي الباحث أو ما قاله بنص "استبحاث المفتين"، ومما قاله التجديد في الفتوى يعني التنمية والوصول إلى حياة الناس، التجديد هو الفريضة الغائبة، ومما صرح به أن المفتي يحتاج إلى 120 مهارة، المفتين الحاليين يستخدمون من هذه المهارات قدر 15 إلى 20مهارة فقط، ومما قاله أيضًا أن الدولة السياسية في العصر الحديث الحاكم فيها مدير لمصالح الشعوب وغارس للقيم وحراستها، وليس بخليفة والإصرار على تقديم الحاكم على أنه خليفة يظلم هذا المنصب الجليل، الفتوى هي تاريخ الشعوب وهي السجل الباقي لمعرفة أحوال الناس . والمراقب لأوضاع دار الإفتاء خلال العامين الماضيين يجد أنها أطلقت مجموعة من المشاريع والمبادرات المهمة التي تصب في محاربة الفكر الإرهابي المتطرف بصورة علمية ورصينة؛ فأطلقت المرصد التكفيري، والذي يتابع ويرصد ويحلل كل ما تخرجه الجماعات المتطرفة من فكر شاذ وفتاوى تكفيرية، تفكك الأفكار الإرهابية وتقوم بتقديم طرح فقهي مختلف يميل إلى الوسطية والاعتدال، ربما كان في البداية بصورة بسيطة لكنه سرعان ما تطور وصارت الردود رصينة وعلمية وفق منهج دقيق، ولم تقف الدار عند هذا الأمر بل أصبحت تطلق بين الفينة والأخرى تقارير لمحاربة الفكر الإرهابي الضال، بجانب النشرات الأخرى كنشرة "إرهابيون" و"بصيرة" وغيرها بجانب مواقع على شبكة التواصل الاجتماعي مثل "داعش تحت المجهر" ومواقعها الأخرى ذات اللغات المتعددة. خرجت الدار مؤخرًا بمجموعة من المبادرات الهامة مثل : أولًا: إنشاءُ أمانةٍ عامةٍ لدُورِ وهيئاتِ الفتوى في العالم. ثانيًا: إنشاءُ مركزٍ عالميٍّ لإعدادِ الكوادرِ القادرة على الإفتاءِ عن بُعدٍ. ثالثًا: إنشاءُ مركزٍ عالميٍّ لفتاوَى الجالياتِ المسلمةِ بهدفِ إعادةِ المرجعيةِ الوسطيةِ في الفتوى. رابعًا: إنشاءُ ميثاقِ شرفٍ للفتوى يضعُ الأُطُرَ القانونيةَ والإجرائيةَ للتصدِّي لفوضَى الفتاوى. خامسًا: تنفيذُ مشروعٍ علميٍّ لتحليلِ وتفكيكِ وتفنيدِ الفتاوى التكفيريةِ والشاذة. فكرة إنشاء أمانة عامة للإفتاء يعيد إلى الأذهان فكرة المجامع الإسلامية الكبيرة التي تضم كوكبة من كبار علماء الأمة ويعيد فكرة إجماع فقهاء العصر في مسألة من المسائل ومعضلة من المعضلات، لكي يحسموا بعض المستجدات من الأحداث ويكيِّفونها تكييفًا شرعيًّا يخرج في صور فتاوى أو دراسات وأبحاث توضح للناس ما أشكل عليهم؛ في ظل حالة من الفوضى تعتري مجال الفتوى، والتي يترتب عليها أذى كبير للأمة لا يقف عند الحد المعنوي بل يطال أمن وأمان الأمة، وتزهق به الأرواح. لكننا مازلنا ننتظر مزيد من المجهودات التي نحتاجها لنسد الثغرات في هذا المجال وخاصة مع نشوء منصات إعلامية وترسانات تكنولوجية تفوق قدرات بعض الدول في الدعوة للإرهاب وتشكيل وعي الشباب نحو أفكار التكفير ومنظومة التطرف المعاصرة.