الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء : عدد سكان العالم سيصل 8.9 مليار نسمة بحلول 2035    رئيس قناة السويس: قرار تخفيض الرسوم مدروس وهذا حجم الخسائر في 18 شهرا    النائب عاطف مغاوري: لا لطرد مستأجري الإيجار القديم من ملاك جدد اشتروا بأبخس الأثمان لبناء الأبراج    شريف عامر: جفاء وتوتر في العلاقة بين اسرائيل وامريكا    حسام البدري يكشف حقيقة فسخ تعاقده مع أهلي طرابلس وعودته للدوري المصري    غلت أيدينا، لجنة التظلمات تحمل الأندية مسؤولية تداعيات أزمة مباراة القمة 130    تعليم دمياط يرفع حالة الاستعداد القصوى لامتحانات نهاية العام الدراسي    السجن المشدد 10 سنوات ل13 متهما لسرقتهم سيارة بها 790 تليفون محمول بالإسكندرية    أحمد سامي يكشف دور لجنة مصر للأفلام في تبسيط إجراءات تصوير الأعمال الفنية العالمية    راغب علامة يطرح أغنية «ترقيص» | فيديو    إسبانيول ضد برشلونة.. شوط أول سلبى فى موقعة حسم لقب الليجا    سباك يحتجز ابنته ويعتدي عليها جنسيًا لمدة 10 أيام في الحوامدية    قطع الكهرباء عن 15 منطقة في بنها للصيانة (الموعد والمناطق المتأثرة)    تشويش إلكتروني وعاصفة جيو مغناطيسية.. خبير يحذر من تداعيات الانفجارات الشمسية بهذا الموعد    أسامة كمال فى ذكرى "النكبة": "كل سنة والعالم ناسى" مساء dmc    تامر حسنى يطرح أغنية المقص مع رضا البحراوي من فيلم ريستارت.. فيديو    «الحمل Tiktok» و«الأسد YouTube».. اعرف إنت أبليكيشن إيه على حسب برجك    وزير التعليم يتخذ قرارات جريئة لدعم معلمي الحصة ورفع كفاءة العملية التعليمية    وفد اللجنة الأولمبية يشيد بتنظيم بطولة إفريقيا للمضمار    "ملف اليوم" يسلط الضوء على غياب بوتين عن مباحثات السلام مع أوكرانيا بتركيا    أمين الفتوى: التجرؤ على إصدار الفتوى بغير علم كبيرة من الكبائر    البحيرة: الكشف على 637 مواطنا من مرضى العيون وتوفير 275 نظارة طبية بقرية واقد بكوم حمادة    استعدادا للامتحانات، أطعمة ومشروبات تساعد الطلاب على التركيز    خبير دولي: روسيا لن تتراجع عن مطالبها في أوكرانيا.. والموارد تلعب دورًا خفيًا    بمشاركة واسعة من المؤسسات.. جامعة سيناء فرع القنطرة تنظم النسخة الثالثة من ملتقى التوظيف    «ملامح من المنوفية» فى متحف الحضارة    المركزى للتعبئة العامة والإحصاء يناقش عدد السكان 2027 مع تحالف العمل الأهلى    ما حكم الأذان والإقامة للمنفرد؟.. اعرف رد الإفتاء    هل يجوز الزيادة في الأمور التعبدية؟.. خالد الجندي يوضح    جدول مواعيد امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة مطروح لجميع المراحل (رسميًا)    شكرًا للرئيس السيسي.. حسام البدري يروي تفاصيل عودته من ليبيا    طريقة عمل القرع العسلي، تحلية لذيذة ومن صنع يديك    دايت من غير حرمان.. 6 خطوات بسيطة لتقليل السعرات الحرارية بدون معاناة    ضبط سيدة تنتحل صفة طبيبة وتدير مركز تجميل في البحيرة    تعزيز حركة النقل الجوى مع فرنسا وسيراليون    لابيد بعد لقائه نتنياهو: خطوة واحدة تفصلنا عن صفقة التبادل    تيسير مطر: توجيهات الرئيس السيسى بتطوير التعليم تستهدف إعداد جيل قادر على مواجهة التحديات    تحديد فترة غياب مهاجم الزمالك عن الفريق    محافظ الجيزة: عمال مصر الركيزة الأساسية لكل تقدم اقتصادي وتنموي    إحالة 3 مفتشين و17 إداريًا في أوقاف بني سويف للتحقيق    الأهلي يبحث عن أول بطولة.. مواجهات نصف نهائي كأس مصر للسيدات    تصل ل42.. توقعات حالة الطقس غدا الجمعة 16 مايو.. الأرصاد تحذر: أجواء شديدة الحرارة نهارا    لانتعاش يدوم في الصيف.. 6 إضافات للماء تحارب الجفاف وتمنحك النشاط    موريتانيا.. فتوى رسمية بتحريم تناول الدجاج الوارد من الصين    "الصحة" تفتح تحقيقا عاجلا في واقعة سيارة الإسعاف    أشرف صبحي: توفير مجموعة من البرامج والمشروعات التي تدعم تطلعات الشباب    "الأوقاف" تعلن موضع خطبة الجمعة غدا.. تعرف عليها    رئيس إدارة منطقة الإسماعيلية الأزهرية يتابع امتحانات شهادة القراءات    خطف نجل صديقه وهتك عرضه وقتله.. مفاجآت ودموع وصرخات خلال جلسة الحكم بإعدام مزارع    إزالة 44 حالة تعدٍ بأسوان ضمن المرحلة الأولى من الموجة ال26    فرصة أخيرة قبل الغرامات.. مد مهلة التسوية الضريبية للممولين والمكلفين    شبانة: تحالف بين اتحاد الكرة والرابطة والأندية لإنقاذ الإسماعيلي من الهبوط    فتح باب المشاركة في مسابقتي «المقال النقدي» و«الدراسة النظرية» ب المهرجان القومي للمسرح المصري    جهود لاستخراج جثة ضحية التنقيب عن الآثار ببسيون    تعديل قرار تعيين عدداً من القضاة لمحاكم استئناف أسيوط وقنا    وزير الخارجية يشارك في اجتماع آلية التعاون الثلاثي مع وزيري خارجية الأردن والعراق    جدول مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    مؤسسة غزة الإنسانية: إسرائيل توافق على توسيع مواقع توزيع المساعدات لخدمة سكان غزة بالكامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغنوشي..مفكر إسلامي أم سياسي حركي حديث؟(2 3)
نشر في محيط يوم 11 - 02 - 2015

أواصل محاورة أفكار الشيخ(راشد الغنوشي)ورغم استعطافي للقراء الكرام عدم شخصنة الأمور،إلا أن هناك من يصر بحسن نية أوسوء طوية،علي النزول بالفكري لمستوي العقد النفسية،منصبا من نفسه(فرويد)آخر،مفتشا في عقليّ الباطن ومتجاهلا أفكاري الظاهرة والمعلنة.ولكنني استمر في نهجي، وتحاور هذه الحلقة الاسهامات الفكرية للشيخ(راشد الغنوشي)فهو مقل في الكتابات الفكرية العميقة،لأنه يعتقد أن الكتابات السياسية بطابعها الصحفي والتعليمي أكثر فعالية في الإنتشار والحشد.لذلك، يمكن أن نعتبر أن الكتاب الفكري الوحيد،هو :"الحريات العامة في الدولة الإسلامية"، والصادرعن مركز دراسات الوحدة ببيروت1989م.أمّا بقية الإصدارات فهي لا تتعدي مجرد كراسات عن الحركة الإسلامية،ليس بسبب حجمها ولكن لمحدودية القضايا المطروحة.ومن بينها علي سبيل المثال:"الحركة الإسلامية في تونس"، عن دار القلم بالخرطوم1991،و"الحركة الإسلامية والتغيير" عن المركز المغاربي للبحوث والترجمة بلندن2001م.ومقالات في دوريات مثل:"قراءات سياسية"و"الإنسان"،وصحف مغاربية.وبالتأكيد لايمكن مقارنة نتاجه "الفكري"بمحمد عابد الجابري، أو حسن حنفي، أو محمد أركون، أو جورج طرابيشي، أو رضوان السيد أو حتي محمد عمارة،ويوسف القرضاوي.فقد شغلته السياسة عن الفكر والتأمل والكتابة،وأخذت الكثير من تفكيره ووقته.
يتطلب البحث عن مدى إسهام(الغنوشي)التجديدي،البحث عن النشاة الأولي للحركة الإسلامية التونسية.فقد كان (الغنوشي)شديد الإعجاب والتأثر بحركة(الإخوان المسلمين).لذلك سرعان ما أنفصلت عنه حركة(الإسلاميين التقدميين)عام1982م أي بعد ثلاثة أعوام فقط من التأسيس.ولأنه كما يُقال وبضدها تتميز الأشياء،لابد من التوقف عند الفكريين. فقد كان الخلاف الأساسي حول أولوية الحركية أم الفكروية؟ فقد كان واضحا أن المجموعة التي انشقت عن(الغنوشي)كانت أميل لما يسمي (مدرسة التربية) وللثقافي والفكري أكثر من التنظيمي والسياسوي.ويكتب بيانهم التأسيسي المعنون(المقدمات النظرية للإسلاميين التقدميّين.لماذا الإسلام؟وكيف نفهمه؟)مجذّرا حقيقة الوضع:" الأزمة أعمق من مجرد استعارة أشكال في التنظيم والتربية أو استهلاك غير واع لأدبيات(الإخوان).لقد أخذت النقاشات تمتدّ وتغوص إلي أن لامست الفكر الديني السائد منذ قرون.ومن هنا جاء التركيز علي نقد (الخطاب السلفي) حاضرا وماضيا وتحميله مسؤولية التردي الفكري والسياسي.والسلفية التي انُتقدت تبدأ من نقد مرجعية الحركة الإسلامية المعاصرة(حسن البنا،سيد قطب،المودودي) لتصل تاريخيا إلي المدرسة الأشعرية والسلسلة الموصولة بالشيخ أبن تيمية".(ص13).ويرون إعادة الإعتبار للأفغاني ومحمد عبدة والكواكبي،مضيفين:"هذه الرموز التي حاول الأدب الإخواني دفنها والتشكيك في قيمتها التاريخية ومشروعيتها في الإصلاح،بالرغم من أنها لم تقطع تماما مع الفضاء السلفي،وإن أضفت عليه أبعادا تحديثية هامّة".(نفس المصدر السابق).
قدمت حركة(الإسلاميين التقدميين) نفسها كحركة بديلة ل(حركة الإتجاه الإسلامي)بزعامة الغنوشي،تكون مغايرة في فكرها ونظرتها لمنهج التغيير،وأساليبها في التنظيم،وكيفية إدارتها للعمل السياسي".(الجورشي،2010:200).ويؤكدون علي:" أولويّة العقلي والثقافي سواء في فهم آليّات الأزمة أو في بلوغ تحديث اجتماعي واقتصادي وسياسي للمجتمع والدّولة".وفي نفس الوقت ينبهون إلي أن:" الحديث عن أولوية العمل الثقافي في مشروع التغيير لا يعني إسقاط النضال السياسي من الحساب أو التقليص من أهميته،وإنما يعني أن السياسة إذا انفصلت عن الأخلاق ولم تعد تعبر عن مشروع نهضوي،اصبحت هدفا لذاتها بدل أن تكون وسيلة لتشريح الواقع وإعادة توزيع السلطة من جديد علي القوى الحية والعاملة بالبلاد،عندها تتحول إلي
نشاط حزبي يهدف إلي خدمة مصالح الحزب قبل مصالح الشعب،وتصبح السياسةاحترا فا بالمعنى اللينيني".(نفس المصدر السابق،ص201).فالمسألة ليست افتعال التناقض بين السياسي والثقافي،ولكنها دعوة لفهم السياسي من جهة والثقافي من جهة ثانية،معالبحث عن صيغة جدلية تؤسس لعلاقة بينهما لصالح المجتمع المدني.(نفس المصدر السابق).
أخذوا علي الفكر الذي تأثر به (الغنوشي) وتبناه،العيوب التالية :"...كانت الملامح الأولي نصيّة إلي حد كبير،أخلاقية إلي درجة التبسيط والإخلال،غارقة في الماضوية واللاتاريخية إلي درجة غير خافية، مبتورة الصلة بالواقع الشعبي والسياسي،وعاطفية إلي حدّ التوتر،سطحية من حيث الرصيد والوضوح الاستراتيجي".(ص7).وفي نفس الوقت،بيّنوا ملامح تميز حركتهم،بينما هي غائبة لدي(الغنوشي)وحركة النهضة.ومن البداية يضفون علي خطابهم النسبية والاستعداد الدائم للمراجعة كلّما عجز عن تفسير ظاهرة أو فقد القدرة علي التعبئة والاقناع- حسب قولهم.ويجملون مواصفات الخطاب الإسلامي التقدمي،في:الإسلامية والمستقبلية،الوعي التاريخي،وضرورة الاختلاف ومشروعّيته،أوليّة العامل الثقافي،التنوير والعقلانية،تجديد التراث،الخروج من التبسيط والتعميم،الفهم المقاصدي للنصوص.(المنطلقات..ص50-52).
من الاسهامات الفكرية للإسلاميين التقدميين والتي تظهر تقليدية أو ضعف الغنوشي الفكري، الخلاف حول فهم النص القرآني وتفسيره.فقد ركز "الإسلاميون التقدميون" علي "الفهم المقاصدي للنصوص".ويقولون في المقدمات النظرية:"يري الإسلاميّون التقدميون أن تفسير نصوص الوحي تحتاج إلي تكامل عدّة علوم وخبرات.إلّا أنّ ما يميز هذا التفسير هو الفهم المقاصدي الذي يتناول النصوص في سياقها التاريخي وظروف تنزيلها من أجل ربطها بخصوصيات مرحلتها ورؤيتها بصفة متكاملة من أجل اكتشاف مؤشراتها العامة التي تمثل مقاصد الوحي فالنصوص لا تفهم في فراغ بل من خلال واقع اجتماعي وتاريخي محدّد".(ص52).بينما يتمسك (الغنوشي) بالفهم التقليدي للنصوص حين يرفض الفهم المقاصدي ،رغم تحفظه علي موقف القدماء،ويكتب:" التطور يجب أن يتم في إطار المعلوم من الدين بالضرورة،فما هو ثابت نصا يقينيا، ماهو يقيني في مورده واضح في معناه من النصوص لا نملك أمامه إلا التسليم".(مجلة"تونس الشهيدة"،السنة الثالثة،العدد35،يوليو1996).ويقول بأنه يمكن أن نُطبق بعضه الآن؛لأن ظروف التطبيق غير متوفرة،ولكن لا نستطيع أن نحوله عن اتجاهه.ألّا نحس بلمحة من فهم القرآن المكي والمدني عند الاستاذ محمود محمد طه؟ويواصل:" ولا فائدة من ضرب الأمثلة القليلة في هذا الصدد للتدليل علي فساد هذا المنهج،لأن البديل أن نعطي عقولنا إمكانية التحرر من النص بتخريج مقاصدي..هذا في النهاية يلغي سلطة النص،يلغي سلطة الوحي".أورده (الجورشي) ايضا،وعلق عليه:"...عرضهم لنقد شديد من خصومهم الذين اتهموهم بإلغاء النصوص وتعطيل الأحكام.ونظرا لخطورة التهمة التي تتضمن تكفيرا صريحا،كانوا يؤكدون في كتاباتهم وحواراتهم علي أن تجاوز النص من خلال النص منهجية قرآنية،تمت ممارستها عن طريق النسخ".(ص219).
يتعامل (الغنوشي) مع قضية المرأة علي مستوى العموميات والخطابية.فهو لم يقدم خطابا إسلاميا تأصيلا يتجاوز أو يدعم دينيا مجلة الاحوال الشخصية .فهو وحزبه لا يستطيعون رفضها مباشرة وصراحة،فقد تحولت لمرجعية وطنية حداثية،يصعب الوقوف ضده،رغم وجود قطاعات داخل حزب النهضة تتحفظ عليها.إذ لم تكن للغنوشي والجماعة،رؤية واضحة.ويكتب(الجورشي)وهو من المؤسسين:" ولدت الحركة الإسلامية التونسية محافظة جدا في معالجاتها لقضايا المرأة،رغم انتسابها لبلد تقدم اشواطا واسعة في مجال تغيير أوضاع المرأة من حيث تعليمهن ومشاركتهن في الحياة العامة،وتمكينهن من حقوقهن الأساسية عن طريق إصدار مجلة جديدة للأحوال الشخصية لا تزال تشكل نموذجا تسعي له بقية النساء في العالمين العربي والإسلامي".(2010:109)ويأخذ علي الحركة الطابع الأخلاقوي،فقد تم التركيز في تناول قضايا المرأة التونسية " علي كل ما يتعلق بمظهرها وما شاب سلوك بعض الشرائح النسائية من تفسخ أو"تحرر"مبالغ فيه".(نفس المصدر السابق).وشددت الجماعة حينئذ علي مسائل الحياء والحجاب ومحاربة الاختلاط ومنع المصفاحة بين الذكور والإناث وتحريم الزينة والاهتمام بالشؤون المزلية.
في سؤال عن السلفية،يرد(الغنوشي):"أنا لست مصرا كما ذكرت علي استعمال هذا المصطلح،إذا كان أسيرا لجملة من الاوهام والمعاني الخاطئة المناقضة للتجديد.لأن هذا المصطلح لم يرد في الكتاب ولا في السنة،ولا الزمت به الشريعة.وإنما نحته مفكرون مسلمون،للتمييز ،أو للدلالة به علي خط أو تيار الاصلاح والتجديد انطلاقا من الاصول".(حوار قصى،ص44).أترك للقارئ أن يحكم :كيف يتعامل"مفكر مجدد" مع المصطلحات والمفاهيم،والتي هي مادة ومكونات الفكر؟
استوقفني سؤال السيد(لودز):ماهو الإسلام الذي نريده للشعوب العربية؟وكم منه نريد في السياسة والحياة اليومية؟ وقد وجد الرد هو والاستاذ(خالد دفع الله)في دستور(الغنوشي)مؤسس على نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بوصفه واحدا من أركانه،وحذف الشريعة كأحد مصادر التشريع،كما حددت نصوص الدستور الفصل بين الدولة والدين، وتعزيز حقوق المرأة. وأيضا ردا على قتل السياسيين المعارضين وضعت عقوبة جنائية تجرم التكفير الشائع بين السلفيين والجهاديين. وتنازله عن العديد من القواعد والمرتكزات التي وسمت توجهاته الدينية مثل إباحة الخمر والإحتفاظ بأدوات الترويج السياحي والمساواة بين الرجل والمرأة.والسؤال:ماذا تبقي من مقومات الدولة الإسلامية؟ولماذا يأخذ مثل هذه النظام صفة إسلامي وما الذي يميزه عن أي نظام علماني ليبرالي آخر؟ويطلق الباحثون علي مثل هذه التوجهات الجديدة،مرحلة "مابعد الإسلاموية"حيث تخلت حركات الإسلام السياسي عن كل "ثوابتها"المميزة لها،بل حتي تسمياتها التي تنسبها للإسلام.فالآن لا نجد أيّ حزب إسلامي يضيف لإسمه صفة إسلامي أو مسلم.وتنتشر من تركيا حتي المغرب،أحزاب(العدالة والتنمية)مرورا بالحرية والعدالة،والمؤتمر الوطني أو الشعبي، والعدالة والبناء،والنور...الخ.فهذه تنازلات رآها الإسلاميون ضرورية للإندماج في أي عملية ديمقراطية داخلية،حتي ولو فقدوا خصوصيتهم.ومن أجل الوصول لهذه الصيغة اختار(الغنوشي)بالذات توفيقية مستعصية ومتأزمة،وهي تعاني من عدة تناقضات وأزمات.فهو يحاول رفع تناقض ثنائيات متوازيات وفي الهندسة المتوازيان لا يلتقيان أبدا.فمن البداية يحاول توظيف منهجين مختلفين من حيث الطبيعة والمضمون،ويكتب(أبو اللّوز عبدالحكيم) أنه "يبدأ باستخدام الاستقراء والتحليل العقلي،أي نظام نقدي وعلمي وموضوعي،حتي إذا بلغ منطق الاختلاف حدا لا يمكن مواصلة التوفيق معه" لجأ للتسليم بالحقائق الإيمانية والباطنية".وذلك لأن توفيقية(الغنوشي)لا تسير بالتحليل العقلي إلي نهايته المنطقية بل تقيدها الحدود الاعتقادية الدينية.(كتاب :إشكالية الدين والسياسة في تونس،القاهرة،مكتبة رؤية،2011،ص390).
تعتبر التوفيقية هي الاختيار المنهجي المفضل لدي المجددين الإسلاميين.ولكنها تتعامل مع الحداثة كأدوات ووسائل واجراءات،بعد تفريغها من مضامينها الفلسسفية.ونلاحظ هذا الموقف مع كل منتجات الحداثة بالذات مع الديمقراطية.وهذه هي الطريقة التي تعامل بها(الغنوشي)مع المفاهيم الحديثة.فهو لم يتقيد بمعانيها حسب إطارها المرجعي الأصلي،فأخرجها من سياقها التاريخي والدلالي بقصد توظيفها بحرية لخدمة مشروعه السياسي.ويقول(أبواللّوز):" مما يمكن اعتباره توترا بين صفة الباحث-المنظر،وبين صفة السياسي في شخصية الغنوشي".(نفس المصدر السابق).ويصادف هذا التناقض في محاولة التوفيق بين الخصوصية والعالمية،وبين الروحي والمادي.وقد فشل تماما في التوفيق بين الأفكار الإسلامية والمفاهيم الغربية،رغم كل التنازلات والتحايل.
في النهاية،تشهد (حركة النهضة) هذه الأيام، صراعا يهدد وجودها،وذلك بعد استقالة(الجبالي)أمينها العام السابق،ورئيس وزراء الترويكا السابق وعدد من القيادات التاريخية.وأردت الصحف خبر انسحاب القيادي(اللوز)بأن حثفي بيانه الغنوشي أن يتحمل مسؤوليته كاملة لوقف التجاوزات.وقال مراقبون إن بيانيْ (اللوز وشورو) فيهما تلويح واضح بالانسحاب ما لم يعمد الغنوشي إلى وقف "التفلّت" الذي يمارسه المكتب التنفيذي بما يعنيه من التفاف على قرارات مجلس الشورى. لكن المراقبين لفتوا إلى أن الغنوشي نفسه هو من تتجه له سهام النقد والاحتجاج لتجاوزه مؤسسات الحركة، والتصرف وكأنها غير موجودة، وهذا هو السبب الحقيقي لاستقالة الجبالي الذي أسرّ لمقربين منه أن وجوده لم يعد ذا فائدة مادام القرار يؤخذ دون استشارته هو والقيادات التاريخية.(14/12/2014).
تعقيب إجباري:
لم يطق الاستاذ(خالد موسى دفع الله)صبرا حتي تكتمل حلقات موضوع(الغنوشي)كما يقتضي العرف الصحفي،وكما تقتضي الموضوعية التي ينصحني بها.كما أن الاستاذ(خالد)لجأ لعنوان "دكاكيني" يتعارض مع رصانته وأتمني ألا يلحق به فيروس الصحافة السودانية الهابط.والرجل أعدّه من الكرام والنبلاء الذين أختلف معهم،واتمني ألّا يسحب من رصيده بطيش وعشوائية.
أولا:استهل مقاله باستشهاد كثيف الخبث واللؤم رغم شخصيته التي أعرفها،وهذا نصه:"فقال عزمي بشارة إن سعيد عقل هو إنسان صغير ولكنه أنتج أدبا كبيرا".هناك فهمان واحتمالان،إن كان يقصد الجانب الفيزيقي المادي،فأنا فعلا صغير الجثة أو الجسم:مائة وخمسة وخمسون سنتم وكم وسبعين كيلو غرام.أمّا لو قصد الجانب المعنوي والأخلاقي،فالحمد لله لي فقط قلب ضخم وعظيم تكفي إنسانيه لأنسنة عضوية مؤتمرين:وطني وشعبي تعاني من انيميا الإنسانية،لو وزعها.وأنا أفخر بقيمتي لأنني لم اتزحزح من مواقفي وقناعاتي ومبادئي ،رغم أنني لا ولم يسندني حزب أو طائفة ولا قبيلة ولا نظام ولا امتيازات سفارة.هذه أعلي قيمة لأيّ إنسان،أن يمسك بجمرة الحق أو ما يراه حقا.وعندنا مثل سوداني يقول:الرجال ما بيقيسوها تياب. وبالمناسبة أين(عزمي)الذي تستشهد به هذا في جغرافية المواقف الفكرية والسياسية؟
ثانيا:للأستاذ(خالد)طريقة أقرب إلي عمل الحواة في التهرب من الرد المباشر.لم يستطع دفع تهمة الفظاظة وعدم احترام الناس عن شيخه(الترابي).فالتوي قوله:بأن الغنوشي من مدرسة الترابي.طيب مالو؟ ممكن يكون من مدرسته في السياسة والفكر،ولكن يختلف عنه في الأخلاق والسلوك.هل لك أن تقارن بنفسك بين الرجلين في هذا المضمار؟ ثالثا:يتحدث الاستاذ(خالد)عن فشل التجربة الترابية في السودان وكأنها مجرد حادثة مرور أو سقوط في مادة في اختبار في امتحان نهائي.أرجو أن يحترم الإسلاميون عقولنا مرة واحدة ويقدموا تقييما واحدا يخضع للموضوعية التي يعيروننا بغيابها في أحكامنا.وهذا سبب كراهيتي العقلانية وليس الغريزية للإسلاميين:عدم الشجاعة في قول الحقيقة وتحمل المسؤولية.
رابعا:أبحث باجابة حتي لو بلا أو نعم،واتعهد بالتخلي عن كل الإنحيازات والتعصب:
- هل يمكن أن تعطيني مثالا واحدا لمفكر لاستخدم الدبابة والسلاح في نشر أفكاره؟
- هل لديك مثال لمفكر يكذب جهارا:أنت تمشي القصر وأنا أمشي السجن؟
- هل سمعت بمفكر وفقيه قانوني يرفع له شخص ساقه المبتورة من التعذيب في بيوت الأشباح.ويرد بأنه أنذلك نتيجة مرض،عوضا عن أن يفتح تحقيقا لدرء تهمة.ويحدث ذلك في بلد ديمقراطي ويجلس إلي جواره ملحقه الإعلامي الذي صار يعطي الدروس في الديمقراطية ويلعن من لم يدعموا ديمقراطية(مصر).هؤلاء ياسيدي المفكرون الإسلاميون ومواقفهم من التعذيب والقمع حين يكون في صالح دولتهم الربانية.
- باختصار ما هي القيم التي تري أن المفكر لابد أن يتحلي غير تلك التي نصحتني بها؟
أهتم بالرد علي الاستاذ(خالد موسى دفع الله)لأنه في النهاية عقل سداني بغض النظر أين يقف؟شرط أن يشفيه الله من الوثوقيات والدوغمائيات وعبادة الأشخاص،وأن يأخذ مما ينصح الناس به.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.