فتحت عيني من النوم.. ونظرت أمامي إلي المرآة. فوجدته ينظر إلي وجهي وعلي شفتيه شبح ابتسامة باهتة أشفقت عليه من لحظة. من هذا الغريب الذي لا أعرفه ؟! عجوز. علامات العمر واضحة. تقول إنه ضعيف ومرهق. كأنه جاء من سفر طويل شاق. نالت منه الدنيا وحفرت آثارها علي جسده وروحه. وعندما تساءل ∀ أين عمري ∀. أدرك أن العمر قد ذهب. وأن ما يذهب لا يعود. والمرء لا يعيش إلا عمرا واحدا. لا يتكرر مرة ثانية بتفاصيله. ولحظتها سقط في دوامة محيرة. ماذا فعلت بعمري. وهل عشت ما تمنيت. هل تحققت أحلامي؟ وهل كانت لي أحلام أصلاً ؟! قال لي العجوز الذي في المرآة إنه غير نادم علي ما جاء في حياته. لكنه غير راض عن الأوقات والأحداث التي خدعته فيها طيبة قلبه وحسن نيته كان مخلصاً مع الآخرين. لكنه لم يجد الوفاء من بعضهم. وكان هذا البعض أحياناً في شدة القسوة. فجاء وذهب تاركاً خلفه جروحا وندوبا لم يشف أغلبها فهل هذا معقول ؟! ومن مكانه في المرآة ترك رأسه تسقط علي صدره في وهن. وقال لي في صوت كأنه جاء من بعيد. إنه يشعر أن الحياة بدأت تنسحب من جسده رويداً رويداً. وأنه من ضعف إلي ضعف ليس فيه الحياة سوي أنفاسه تتقطع يوماً بعد يوم. وأنه لم يشعر بذلك طوال حياته. وأنه هو لم يعد هو. بل انسان آخر يدعو إلي الأسي والشفقة. وقال لي : أرأيت.. هذا هو أنا الآن ؟! ومضي عجوز المرآة يقول لي : لقد بدأت أفقد طعم الدنيا والأشياء حتي الطعام والنوم. معظم الوجوه حولي غريبة عني. مهما بدا من قربها مني. أنظر اليهم وأسأل نفسي : أين القريب ؟ أين الحبيب ؟ من الصادق ومن الكاذب. هذه وهؤلاء ليست وليسوا دنياي القديمة التي عشتها في أكثر حياتي. كانت للورود رائحة وللصدق وهج ولطيبة القلب معني. أنا يا ابني شفت كل شيء في هذه الدنيا. عرفت الحلو والمر. ضحكت قليلاً وبكيت أكثر. أعطيت الناس من قلبي. فطعنني منهم من طعن. في نفس قلبي. أنا يا حبيبي شق الأطباء صدري مرة تلو مرة. ووقف الله مع القلب الضعيف المريض. وكما ذقت القسوة أنعم الله عليً بالرحمة ! وقال لي العجوز في المرآة : ولا تظن أنني خائف من الموت. أعلم أنه قادم لا محالة. لا يؤرقني سوي سؤال أين وكيف تأتي النهاية. الموت يا حبيبي سوف يكون رحمة لي. ونهاية رحلة شاقة متعبة. واستسلام تام لايماني بالله. هو الخالق. هو من يعطي ويأخذ من يريد. ومتي يريد ! نظرت إلي العجوز في المرآة ورثيت لحاله وعندما استدرت مغادراًَ إياه سمعت العجوز يقول لي : لا تنس.. أن تكتب وصيتي هذه !