موقع أثري يختزل تاريح الحقبة الملكية والاستعمارية في البلاد، ويشكّل إحدى الموارد الهامة للخزينة العامة، غير أنّ الهلع الذي خلّفه انتشار "إيبولا" في الغرب الافريقي كان له كبير الأثر على عدد الوافدين من السياح. تحتضن "بورتو نوفو" العاصمة السياسية لبنين، وإحدى أكبر مدن امبراطورية "داهومي" السابقة، متحفاً أثرياً يحمل اسم "هونمي"، يضمّ ثروة حضارية تستقطب اهتمام آلاف السياح حول العالم. لكن ومع انتشار فيروس "إيبولا" في منطقة الغرب الأفريقي، فقد المتحف جزءا مهما من زواره خلال النصف الثاني من عام 2014، وهو ما انعكس سلبا على إيرادات قطب سياحي هام في البلاد، يشكّل مصدرا أساسيا للعملة الصعبة. المتحف عبارة عن قصر ملكي قديم يقع على بعد حوالي 40 كلم، شرق كوتونو العاصمة الاقتصادية للبلاد، ويستعرض التسلسل الزمني للحروب التي خاضها 18 ملكا و6 رؤساء تعاقبوا على حكم البلاد خلال الحقبة الزمنية الفاصلة بين 1729 و1976. ويتميّز هذا القصر بهندسة معمارية راقية، تترجم ذوقا وحسّا عاليين وخبرة في مجال المعمار المستوحى من زخرف "ياروبا" و"إلا إيفا" النيجيرية. أمّا الجدران، فيعكس سمكها تدابير الحيطة التي كان يتّخذها الملوك المتعاقبين عليه، تحسّبا لغارات الأعداء. ويغطي متحف "هونمي" مساحة جملية تقدّر بهكتارين ونصف، محاطة بجدران سميكة مشيّدة من الطوب الباهت، تطوّق مبنى مركزيا ضخما واثنين من المعابد: "بيتون" و"ياهو". وفي الداخل، تتراءى للمرء محكمة واثنين من السجون، ودور علوي، ومجموعة من البنايات مشيّدة بذات الحنكة والجمال المعماري النادر، والتي كانت، في الحقب الغابرة، موجّهة للاستخدام من قبل الأسياد، وهو ما يفسّر ملامح الترف التي كانت تنبض من كلّ أجزاء هذه الزاوية من المتحف. وإلى كلّ ذلك، تضاف قاعة المحكمة المخصّصة للملك، والتي حوّلها المسؤولون الحاليون عن المتحف إلى مركز إدارته. أمّا المبنى المركزي، والذي يمسح حوالي ألف و500 متر مربّع، فيروي لوحده جزء معتبرا من تاريخ ذلك المكان، بنفس ريشة الفنان المعماري الموهوب، ارتفعت جدران سميكة تفصل بين الساحة المركزية وعدد من الأروقة الجانبية. ففي هذا المبنى، توجد ساحة الملكات والديوان الملكي والمكان المخصّص لاسترخاء الملك والملكة الأم، إلى جانب ساحة الشعب المخصصة لتتويج الملك الجديد وتقديمه للجماهير، وغيرها من الأماكن المخصّصة لعقد اجتماعات الملك مع وزرائه أو لاستقبال بعض خاصّته من الحاشية. وباستعراضها لأبرز المحطات التاريخية للمتحف، قالت مديرة المتحف "ميراي آميدي غبانهونمي"، إنّه عقب إلغاء تجارة الرقيق في 1848، وخصوصا إثر انهيار المماليك خلال الفترة الاستعمارية، تمّ التخلّي عن القصر الملكي، وهو ما جعل لون جدرانه يتغيّر، وفقد توهّجه بفعل مرور الزمن والإهمال. وأضافت السيدة ذات ال 50 عاما، في تصريح للأناضول، أنّ الأمر "تطلّب القيام بأشغال كبرى لإصلاح القصر وإعادته إلى حالته الأصلية، وهذه الأشغال استمرت من 1986 إلى 1988، وذلك بفضل تمويل مشترك بين الميزانية الوطنية للبنين ووكالة التعاون الفرنسية، من أجل الحصول على النتائج التي نراها اليوم.. وبهذه الطريقة أيضا تمكنا من تحويل القصر الملكي القديم ببورتو نوفو إلى متحف، فتح أبوابه للعموم في الخامس من فبراير شباط 1988". المتحف يستعرض في شكل سلس، تفاصيل ونمط عيش سكان بنين، وهو بذلك يحاكي بطاقة هوية للعمق الثقافي والحضاري للبلاد، حيث يضم حوالي 230 قطعة أثرية عالية القيمة، كانت في السابق تغري السياح من مختلف مناطق المعمورة بزيارة هذا الموقع التاريخي، ممّا ضاعف من مداخيل البلاد بالعملة الصعبة. لكن، ومع ظهور الحمى النزفية "إيبولا" منذ مارس/ آذار الماضي، وارتفاع حصيلة ضحاياها إلى 7 آلاف في منطقة غرب افريقيا، وفقا لأحدث تقارير منظمة الصحة العالمية، تراجع عدد السياح الوافدين على متحف "هونمي" بشكل ملحوظ، خصوصا خلال السداسية الثانية من العام المنقضي. "غبانهونمي" أوضحت، في هذا السياق، أنّه "بالنسبة لأشهر أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) من عام 2014، لم يتجاوز عدد السياح المحليين والدوليين ال 817، بإيرادات إجمالية لم تتعدّى ال 845 دولار"، لافتة إلى أنّ الوضع يستدعي التحرّك عاجلا من قبل السلطات المعنية من أجل التوعية بعدم وجود الوباء في البلاد. وتابعت "متوسّط دخلنا الشهري في حدود ال 165 ألف فرنك افريقي (حوالي 306.5 دولار)"، مؤكّدة أنّ النيجريين والفرنسيين والأمريكيين هم أبرز زوار المتحف. ولمواجهة تدنّي إيرادات المتحف، ارتأت سلطة الإشراف التخفيض في عدد الموظّفين العاملين به، ف "متحف هومني حكومي، ولا يوجد تحت إشرافي سوى 5 موظفين مكلّفين بالقيام بجميع المهام التي يتطلّبها موقع أثري مماثل"، بحسب مديرة الموقع، والتي أعربت عن أسفها الكبير للتدهور التدريجي الذي يشهده المتحف. أضرار جزئية لم تنجح بأي حال في التقليص من توهّج متحف "هونمي" في بنين. موقع أثري لازال يلعب، رغم الصعوبات، دوره في تغذية نهم السياح بزاد ثقافي وتاريخي قلّما وجد في تلك المنطقة الافريقية، وتعزيز الانتماء لسكان يفخرون بتاريخ يكتنفه الكثير من السحر والجمال والغموض أيضا.