استبعد خبراء سياسيون أن تكون دعوة القاهرة السوريين للحوار، بديلاً عن المحادثات التمهيدية التي دعت موسكو لعقدها نهاية يناير الجاري، وذلك لإيجاد حل للأزمة السورية المستمرة منذ نحو 4 أعوام. واتفق الخبراء على أن بحث القاهرة دعوة السوريين للحوار، بمثابة اللقاءات التوفيقية للمعارضة السورية، التي تسبق مباحثات تمهيدية في موسكو، والتي في حال نجاحها يمكن أن تفضي لمفاوضات مباشرة بين النظام السوري والمعارضة في موسكو. وبعد أقل من أسبوع من اقتراح روسيا لقاء ممثلين عن مختلف أوساط المعارضة السورية الداخلية والخارجية في موسكو نهاية الشهر الجاري، قبل لقائهم المحتمل مع ممثلين عن النظام السوري، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إنه يبحث دعوة ممثلي المعارضة والنظام للحوار في القاهرة. وتزامن الدعوتين، فتح الباب أمام تساؤل بشان ما إذا كانت القاهرة تنسق مع موسكو أمر استضافة السوريين، أم إنها ستشكل بديلاً عن المباحثات التمهيدية التي دعا لها ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي. وقال دبلوماسي مصري مطلع لوكالة "الأناضول" التركية، إن "القاهرة تشرف على محاولة إتمام لقاءات توفيقية بين أطياف المعارضة السورية، قبيل الذهاب إلى مباحثات موسكو التمهيدية، ولا يوجد حتى الآن ما هو أكثر من ذلك"، رافضاً في الوقت نفسه التعقيب على حديث الرئيس المصري بشأن دعوة النظام السوري والمعارضة للقاهرة. وأضاف الدبلوماسي الذي اشترط عدم ذكر اسمه: "القاهرة لم تمانع استقبال أطياف المعارضة المختلفة، وأن يعقدوا اجتماعات فيما بينهم للتشاور، قبل الانخراط في مباحثات تمهيدية قد تفضي بهم في حال التوافق إلى المفاوضات المباشرة مع النظام، ونحن نفعل ذلك من منطلق حرصنا على حل الأزمة السورية". وفي السياق نفسه، قال جواد الحمد، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن "غير حكومي": إن "تصريحات مصر بشأن إمكانية دعوة النظام السوري والمعارضة، تعبر عن استعداد القاهرة المبدئي للمساهمة في حل الأزمة السورية، من خلال لقاءات توفيقية، ولا يوجد أية مؤشرات أن تكون القاهرة بدلا عن موسكو، في المباحثات التمهيدية". وأضاف الحمد: "روسيا هي الأقدر على الضغط على النظام السوري من أي دولة عربية، وكل من موسكووالقاهرة تدرك ذلك، وإذا كانت روسيا تريد الاستضافة ووافقت المعارضة والنظام، فيجب أن نشجع هذه المبادرة، وبالتالي فإن القاهرة تسعى للقاء تمهيدي بين أطياف المعارضة ويكون توفيقي، ولا أعتقد أن الرئيس المصري كان يقصد ما هو أبعد من ذلك". ولفت الخبير السياسي، إلى أن "علاقة النظام السوري بموسكو جيدة، بخلاف أي دولة أخرى، وهو ما يرجح بقاء موسكو الراعي لأي مفاوضات ممكنة بين النظام السوري والمعارضة"، مضيفاً أن المسار الدولي في حل الازمة يعتمد على إيرانوروسيا. في الاتجاه نفسه، قال طلال العتريسي، مدير مركز الدراسات الإستراتيجية بلبنان، للأناضول إن "اللقاء لن يكون بديلاً عن المباحثات الروسية، وإنما قصدت به القاهرة جمع المعارضة التي لم تتوحد بعد، لبلورة موقف المعارضة، قبل الذهاب لمباحثات موسكو التمهيدية، حتى يكون اللقاء في روسيا مجديا أكثر، إلى جانب تفهم روسيا لموقف مصر، ورغبتها في دعمها في ظل حكم السيسي". وأضاف العتريسي: "من المفترض إلا ننشغل بمسألة ما إذا كان هناك تنسيق بين القاهرةوموسكو أو لا، لأن الأهم هو اختبار ما إذا كانت المعارضة تستطيع تشكيل وفد موحد قبل الذهاب إلى المباحثات التمهيدية بموسكو، أو لا، وهو ما يتم اختباره في لقاءات القاهرة التوفيقية". وخلال الجزء الثاني من حوار أجراه مع رؤساء تحرير 3 صحف مملوكة للدولة هي (الأهرام والأخبار والجمهورية)، نشرته أمس الأول الثلاثاء، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي: "موقف مصر في المنطقة ووزنها ووضعها، يوفر لها فرصة جيدة من خلال قبول أطراف الأزمة أو الصراع لدورها، لدينا فرصة حقيقية وقبول لدى أطراف الأزمة كلها سواء المعارضة أو النظام (السوريين)، ونبحث دعوة ممثلي المعارضة والنظام للحوار في القاهرة". ومن جانبه، قال بدر جاموس، عضو الهيئة السياسية للائتلاف السوري المعارض، للأناضول إن "الائتلاف لم يسمع أي أفكار من الجانب المصري، أو أطروحات بخصوص لقاء يجمع بين المعارضة والنظام في القاهرة، لكننا في الوقت نفسه ندعم أي جهود حثيثة لوقف نزيف الدم، لكن يجب أن تكون هذه الجهود على أساس بيان (جنيف 1)". وأضاف جاموس: "أي مفاوضات تستند إلى جنيف سنكون إيجابيين في التعاطي معها، وإذا كان هناك أي دعوة من القاهرة سوف نستمع لها، ونتابع ما الذي تستند إليه، فقرارنا بالذهاب إلى أي مباحثات سواء في القاهرة، أو في موسكو، سيكون مرهوناً بأسس مؤتمر (جنيف 1)". وكان جاموس، قد أعلن في تصريحات أخرى مساء أمس الأربعاء ل"الأناضول"، إن القنصل الروسي العام في اسطنبول، اليكسي يرخوف، سلم الائتلاف، خمس دعوات رسمية للمشاركة في المحادثات التمهيدية التي تخطط موسكو لعقدها نهاية يناير المقبل، وذلك لإيجاد حل للأزمة السورية المستمرة منذ نحو 4 أعوام. وتعد روسيا من أبرز الداعمين لنظام بشار الأسد، عسكرياً ومادياً، كما استخدمت حق النقض (الفيتو) عدة مرات بمجلس الأمن لمنع صدور أي قرار يتضمن عقوبات أو إدانة للنظام السوري على "الجرائم والمجازر" التي تتهمه المعارضة وعواصم عربية وغربية بارتكابها خلال محاولة قمع انتفاضة شعبية اندلعت قبل نحو 4 أعوام. يشار إلى أن فكرة إجراء لقاء في موسكو يجمع المعارضة السورية ونظام الأسد، طُرحت في صيف 2014، ومنذ ذلك الوقت تقوم وزارة الخارجية الروسية بشكل منتظم، بتقديم معلومات حول إجراءات عملية لعقد ذلك اللقاء. يذكر أن بيان مؤتمر "جنيف 1" الذي عقد بإشراف دولي في يونيو 2012، نص على وقت العنف وإطلاق النار، والإفراج عن المعتقلين، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، وضمان حرية تنقّل الصحفيين، والتظاهر السلمي للمواطنين، وتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات. إلا أن الخلاف على مصير بشار الأسد في مستقبل سوريا، هو ما عطل تنفيذ أي من تلك المقررات، وأفشل جولتين من مفاوضات "جنيف 2" التي عقدت مابين يناير وفبراير الماضيين، في التوصل لحل سياسي للأزمة. ومنذ منتصف مارس 2011، تطالب المعارضة السورية، بإنهاء أكثر من 44 عاماً من حكم عائلة الأسد، وإقامة دولة ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة. غير أن النظام السوري اعتمد الخيار العسكري لوقف الاحتجاجات، ما دفع سوريا إلى معارك دموية بين القوات النظامية، وقوات المعارضة، حصدت أرواح أكثر من 191 ألف شخص، بحسب إحصائيات الأممالمتحدة. ودخل إلى معادلة الصراع في سوريا العام الماضي تنظيم "داعش" الذي يعلن أن نظام الأسد هو عدوه الأول، في حين تتهمه المعارضة بتشويه صورة الثورة والتعامل مع النظام.