انتشرت ظاهرة "الفساد" في الآونة الأخيرة بصورة كبيرة في الدول العربية خاصة وان العديد منها تعيش فترة انتقالية وبالتالي من الطبيعي أن يكون هناك تزايد في معدل الفساد بها، حيث إنها باتت تؤثر على مفاصل الدول وأمنها القومي، ولكن المسئولين لم ولن يستسلموا أمام هذه الظاهرة، حيث نجد هيئات مكافحة الفساد من أكثر الأنظمة نشاطاً للحد منها. وفي محاولة تونسية لتسليط الضوء على الفساد المتواجد في تونس وكيفية مواجهته داخل الدولة وتراجع تونس بنقطتين لدى منظمة الشفافية الدولية، استضاف برنامج "نقطة حوار" امس الثلاثاء، على قناة "تونس الوطنية" عدد من المسئولين والمهتمين والقائمين على مكافحة الفساد، فبين أسبابها وطرق مواجهتا كان محور الحلقة. وفي بداية الحلقة تم عرض تقرير يوضح تراجع دولة تونس مركزين في تقرير منظمة الشفافية الدولية، حيث إنها كانت في المركز رقم 77 وتراجعت إلى المركز 79 وهذا ما يمثل تراجع تونس في مجال مكافحة الفساد. وتعليقاً على هذا، أكد سمير العنابي رئيس الهيئة الوطنية التونسية لمكافحة الفساد أن الفساد هو ظاهرة متواجدة في كل دول العالم ولكن هذا لا يعني أنه لابد أن يتم التسليم به في تونس وهذا لأن الفساد يمس الأمن القومي للدولة وينتهك الكثير من الحقوق الفردية، بالإضافة إلى أنه لا يمكن أن يتم القضاء على الفساد بصفة منفردة ولكنه يتطلب تكاتف من قبل العديد من الجهات. «معدل الفساد» وأضاف العنابي أن مكافحة الفساد لابد أن تتم من خلال مؤسسات ومنظمات مستقلة وليست حكومية وهذا الأمر صعب الآن في تونس نتيجة القوانين التي تخضع لها الدولة، وفيما يتعلق بتراجع تونس في ترتيب منظمة الشفافية هو أمر غير هام وما يهم الدولة الآن هو معدل هذا الفساد. وأورد العنابي أن الفساد ليس هو رشوة مالية فقط بل هناك العديد من أنواع الفساد التي تنتشر بين المواطنين وهي غير معلومة، ومن الدول التي استطاعت أن تتغلب على الفساد المستشري بها هي دولة سنغافورة حيث إنها كانت معروفة بمعدل الفساد المرتفع بها ولكنها الآن استطاعت أن تتغلب على هذا الفساد. وأشار رئيس الهيئة إلى أن العبرة في مكافحة الفساد هي تطبيق القوانين المتواجدة في الدولة وليس اصدار القرارات فقط، لذلك لابد أن تكون هناك نظرة شاملة حول طرق مكافحة الفساد داخل الدولة، بالإضافة إلى أنه لابد أن تكون هناك إستراتيجية في الدولة وتكون تشاركية بين العديد من الأطراف لمحاربة هذا الفساد. القطاع الخاص .. شريك وضحية وفي محاولة في وضع الأسباب والمسئولين عن انتشار هذه الظاهرة، ذكر يوسف القرطبي المسئول بمركز الحوكمة للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات أن القطاع الخاص هو شريك للفساد وضحية الفساد في تونس، حيث إنه ساعد على تكوين الفساد داخل الدولة، لذلك لابد أن يتم إتباع الطرق الحديثة لمواجهة هذا الفساد وذلك من خلال وضع منظومة تسمح بتحليل وتحديد عمليات الفساد. وأضاف القرطبي أن هناك دور كبير للمجتمع والأسرة في توعية الأفراد بالقيم الاجتماعية الجيدة التي تجعل الفرد لا يمارس الفساد في الدولة في الكبر، مبيناً أنه لابد أن يكون هناك إجماع على أن الفساد يضر الدولة بشكل كبير ولابد من محاربته. ومن جانبه، أشار اشرف العوادي رئيس منظمة "انا يقظ" إلى أن منظمات المجتمع المدني الآن تقوم بعمل تقارير موازية للتقرير الدولي الصادر عن منظمة الشفافية الدولية بشان معدل الفساد ومكافحته في تونس وسيتم الإعلان قريباً عن هذا التقرير، وتونس الان تعيش فترة انتقالية وبالتالي من الطبيعي أن يكون هناك تزايد في معدل الفساد بها. وأضاف العوادي أن الدولة التونسية في حاجة سريعة إلى بحث قضايا الفساد والعمل على حلها بشكل سريع، كما أن هناك تقارير تشير الى أن السبب في الفساد هو صاحب العمل والزملاء المتواجدين في هذا العمل، وهناك انتشار للفساد داخل الوظائف العمومية. وأكد على أن الحلول الجذرية لظاهرة الفساد تتمثل في الوسائل التربوية التي يتم تكريسها في نفوس الافراد. «ظاهرة قديمة» وفي رأي اقتصادي لتأثير هذه الظاهرة، أكد الخبير الاقتصادي محمد الجراية على أن الفساد هو ظاهرة قديمة وتونس ليست هي الدولة الوحيدة التي يتواجد بها الفساد، حيث إن العديد من الدول التي تكون في طور النمو تعاني من انتشار الفساد بها بشكل كبير، وللفساد العديد من الأشكال والأنواع ومنها الفساد المالي وهو عبارة عن حصول الفرد على أموال مقابل خدمة بدون اي وجه حق. وأضاف الجراية أن الفساد والبيروقراطية المتواجدة بالدولة تلقي بظلالها على معدلات الاستثمار والفرص الخاصة بها في الدولة. وعلى نفس الصعيد صرح أنور بن خليفة كاتب الدولة لدى رئيس الحكومة، بأن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تقوم بالعديد من المشروعات والإجراءات وذلك من أجل مكافحة الفساد المتواجد في الدولة، ويتم الآن النظر إلى كافة التوصيات التي تخرج عن منظمات المجتمع المدني وذلك من أجل وضع الخطط الخاصة بمحاربة الفساد. وأضاف بن خليفة أن العقد الذي تم توقيعه بين الحكومة التونسية ومنظمة الشفافية الدولية هو عقد مجحف لأنه يفرض الكثير من الضغوط على الحكومة في عملها.