يحتفل العالم اليوم "الجمعة" باليوم الدولي لمكافحة الفساد،حيث اعتمدت الجمعية العامة في أكتوبر 2003،اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد وطلبت إلى الأمين العام أن يكلف مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بتولي مهام أمانة مؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية ، وفي 9 ديسمبر عام 2003 أعلنت الأممالمتحدة الاحتفال باليوم الدولي لمكافحة الفساد من أجل إذكاء الوعي بمشكلة الفساد وبدور الاتفاقية في مكافحته ومنعه ، وفي ديسمبر عام 2005 دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ. وتعرف منظمة الشفافية العالمية الفساد بأنه إستغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة، أما البنك الدولي فيعرف الفساد بأنه "إساءة إستعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص". ماهو الفساد فالفساد يحدث عادة عندما يقوم موظف بقبول أو طلب ابتزاز أو رشوة لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمنافسة عامة،كما يتم عندما يعرض وكلاء أو وسطاء لشركات أو أعمال خاصة بتقديم رشاوي للاستفادة من سياسات أو إجراءات عامة للتغلب على منافسين وتحقيق أرباح خارج إطار القوانين المرعية. ويمكن للفساد أن يحدث عن طريق استغلال الوظيفة العامة من دون اللجوء إلى الرشوة وذلك بتعيين الاقارب أو سرقة أموال الدولة مباشرة . ومن خلال هذا التعريف يمكن تبين آليتين رئيسيتين من آليات الفساد أولهما آلية دفع الرشوة والعمولة إلى الموظفين والمسئولين في الحكومة وفي القطاع العام والخاص مباشرة لتسهيل عقد الصفقات وتدبير الأمور،أما الثانية فهي الرشوة المقنعة في شكل وضع اليد على المال العام والحصول على مواقع متقدمة للأبناء والأصهار والأقارب في الجهاز الوظيفي،وهذا النوع من الفساد هو الأكثر انتشارا في البلاد العربية. وإذا إتجهنا إلى الفساد السياسي لرأينا أنه أخطر بكثير إذ انه مرتبط عادة بتفصيل قوانين إنتخابات وتمويل حملات إعلامية تضمن لبعض السياسيين الاستيلاء دون وجه حق على مناصب حكومية رفيعة لا يستحقونها،لانعدام المواهب القيادية فيهم. 400 مليار دولار سنويا خسائر الفساد وذكرت منظمة الشفافية الدولية في تقريرها السنوي 2011 ، إن حجم الخسائر التي تلحق بالاقتصاد العالمي نتيجة انتشار ظاهرة الفساد بأشكالها المختلفة يقدر بأكثر من 400 مليار دولار سنويا،كما أوضحت أيضا أن ظاهرة الفساد أصبحت من المظاهر الرئيسية التي تهدد جميع أشكال التطور التي يشهدها الاقتصاد العالمي، وتؤثر سلبا في اقتصاد الدول وسعيها نحو تحقيق أعلى معدلات النمو،مشيرا إلى أن الفساد في العديد من دول العالم ينطلق أحيانا من ضعف السلطة السياسية أو نتيجة إغفال تطبيق القوانين. وأعطى ذلك التقرير إهتماما خاصا للفساد في البلدان النفطية،مشيرا إلى أن الدولة التي تعتمد على الثروات الطبيعية تحتاج إلى بناء معايير خاصة بالشفافية. كما يجب على تلك الدول إعطاء معلومات مفصلة عن تلك الثروات في مختلف مراحل الانتاج والتصدير،حيث يدلل مقياس الشفافية العالمية من خلال علامات ،الدرجة الأعلى (10) تعني الاقل فسادا والاقل (1) للاكثر فسادا في نظام من عشر نقاط. وتظهر النتائج أن سبع من كل عشرة بلدان هي دون مستوى 5 نقاط على 10 وتصل النسبة إلى تسعة بلدان من كل عشرة في الدول النامية، وهو ما يدل على مدى انتشار الفساد في البلدان النامية أكثر من غيرها ، حيث احتلت نيوزيلندا المرتبة الأولي في التصنيف من حيث أقل الدول فساداً من بين 182 دولة ، تليها في الترتيب الدول الاسكندنافية (الدنمارك ، السويد ، فنلندا )، ثم سنغافورة،وفي أوروبا حيث تواجه الأزمة المالية نسبها التقرير للفساد والتهرب الضريبي حيث نالت ايطاليا المرتبة 69 في التصنيف تليها تركيا واليونان، وصنفت الولاياتالمتحدة في المركز ال 24 بعد فرنسا، كما تأتي الصين في المركز ال 75 فيما تعد روسيا /4ر2 نقطة/ بين أسوأ الدول على اللائحة حيث احتلت المركز 143. وأوضح التقرير أن الصومال وكوريا الشمالية تتقاسمان المركز ال 182 /آخر مركز في هذا التصنيف /حيث تعتبران الأكثر فسادا مع 0ر1 درجة . بلدان الربيع العربي تحتل مراتب متدنية في مقياس الفساد فيما احتلت بلدان الربيع العربي مراتب متدنية في مقياس الفساد الذي وضعته المنظمة،وشغلت مصر المركز ال112 عالميا، وال11 على مستوى الشرق الأوسط فى مؤشر الفساد لعام 2011،متراجعة 14 مركزا عن ترتيبها عام 2010، وحصلت على 9ر2 درجة من 10، متساوية مع الجزائر. وجاء في التقرير أن قطر احتلت المرتبة الأولى على مستوى الشرق الأوسط وحصلت على المركز ال 22 عالميا بدرجة 2ر7، تليها الإمارات فى المركز ال28 عالميا بدرجة 8ر6، ثم إسرائيل فى المركز 36 بحصولها على 8ر5 درجة،تليها البحرين وعمان والكويت والأردن والسعودية وتونس والمغرب، فى المراكز ال46، 50، 54، 56، 57، 73، 80 على التوالى ، وجاءت إيران فى المركز ال120، تليها سوريا فى المركز ال129، ثم لبنان فى المركز ال134، ثم اليمن فى المركز ال164، ثم ليبيا فى المركز 168، واحتلت العراق ذيل القائمة على مستوى الشرق الأوسط، وجاءت فى المركز ال175، بحصولها على 8،1 درجة. وأكدت منظمة الشفافية الدولية، فى تقريرها الذي يرصد معدلات الفساد فى 182 دولة، أن الفساد لايزال يقض مضاجع العديد من البلدان حول العالم، فى ظل فشل بعض الحكومات فى حماية المواطنين من الفساد،سواء كان ذلك متمثلا فى إساءة استخدام الموارد العامة،أو الرشوة أو سرية صنع القرار. وذكرت المنظمة إن الاحتجاجات حول العالم التى غالبا ما فجرها انتشار الفساد وغياب الاستقرار الاقتصادى، تظهر بوضوح أن المواطنين يشعرون بأن قادتهم ومؤسساتهم العامة لا تتمتع بالقدر الكافى من الشفافية المساءلة، وأن معظم بلدان الربيع العربى احتلت النصف الأدنى من المؤشر، محرزة أقل من 4 درجات. وأصدرت المنظمة تقريرا حول الشرق الأوسط قبل نشوء الربيع العربى،أكدت فيه إن المحسوبية والرشوة والمحاباة متأصلة بعمق فى الحياة اليومية،لدرجة أن قوانين مكافحة الفساد القائمة لها أثر ضئيل،وأن بلدان منطقة اليورو التى تعصف بها أزمة الديون والتى تعزى فى جزء منها إلى فشل السلطات العامة بمعالجة قضيتى الرشوة والتهرب الضريبى، اللتين تعتبران من الدوافع الرئيسية لهذه الأزمة،فسجلت أدنى الدرجات بين بلدان الاتحاد الأوروبى على المؤشر. وقالت رئيسة منظمة الشفافية الدولية هوغيت لابيل" شهدنا هذا العام ظهور قضية الفساد على لافتات المتظاهرين الأغنياء منهم والفقراء، مؤكدة أنه ينبغى على القادة سواء كانوا فى أوروبا التى تعصف بها أزمة الديون، أو فى العالم العربى الذى يبدأ مرحلة سياسية جديدة، أن يستجيبوا إلى المطالب الداعية إلى حكومة أفضل . وذكرت المدير العام لمنظمة الشفافية الدولية كوبس دى سواردت أن عام 2011 شهد حركة تنادى بقدر أكبر من الشفافية، حيث أخذ ذلك زخما لا يمكن مقاومته، وطالب المواطنون حول العالم بمساءلة حكوماتهم، مشيرة إلى أن الدرجات المرتفعة التى أحرزتها البلدان على المؤشر تظهر أن الجهود التى يتم بذلها على مر الوقت والرامية إلى تحسين الشفافية، قد تكون إذا ما تم الحفاظ عليها ناجحة ومثمرة بالنسبة إلى شعوب تلك البلدان . الفساد الجريمة الأكثر خطرا ويعتبر الفساد الجريمة الأكثر خطرا من بين الجرائم التي تنال من قيم العدالة وسبل تنمية وتطور المجتمعات المعاصرة ، ويعد العامل الأكثر تخريبا وتدميرا للمجتمعات الفقيرة والنامية وسبب مباشر في ضياع فرص التقدم و الرفاهية الإجتماعية ، وكذلك إحباط التنمية وفي زيادة الفقر،ويفقد الفساد الناس الثقة بمسئوليهم ومن هم بمناصب إدارية ومالية،وقد أشارت بحوث المنظمات الدولية كالأممالمتحدة ومنظمة الشفافية الدولية إلى عمق الدمار الذي ألحقه الفساد بإقتصاديات الدول النامية وفي دوام أسباب المرض والجهل والفقر والجريمة،ولذلك تكون النزاهة هي عماد التنمية وشرطها الأكثر أهمية. إن الفساد جريمة يصعب في كثير من الأحيان إثباتها من خلال الوسائل التقليدية ، وذلك لإحتياط الفاسدين بعدم تركهم دليلا ماديا وراءهم يشير إلى تورطهم في هذه الجرائم،فهي تتم في أغلب الأحيان بعيدا عن أعين الناظرين ، و إزاء ذلك يسعى فقهاء القانون إلى إيجاد أنظمة قانونية جديدة تتسم بالفعالية والمرونة في التطبيق تكفل الحد من هذه الظاهرة الخطرة.