"الدباغة".. مهنة يرجع أصلها إلى العصر العثماني، وأُطلق على العاملين بها مصطلح "الدباغين"، وكانت تضم منطقة "مجرى العيون" بالقاهرة أكثر من 350 مدبغة، يعمل بها ما لا يقل عن 40 ألف عامل، فتقلص عددها حاليا إلي ما لا يزيد عن 50 مدبغة، يعمل بها ما لا يزيد عن ألفي عامل. وبينما تعتزم الحكومة المصرية نقل "الدباغين" من المنطقة الأثرية إلى منطقة "الروبيكي" التابعة لمدينة بدر، أجرت شبكة الإعلام العربية "محيط" هذا الحوار مع أقدم دباغ في منطقة مجرى العيون، خالد السيد، ليوضح لنا طرق تصنيع الجلود حتى تظهر بالحالة النهائية التي نجدها عليها، وتطورات المهنة وصناعة الجلود، والطرق التي يجب أن تتبعها ربه المنزل في دبغ الجلود في منزلها، فإلى تفاصيل الحوار: ما هي مراحل تطورات صناعة الدباغة في مصر؟ بدأت الدباغة في مصر بطرق بدائية للغاية حتى وصلت إلى ما هي عليها الآن، من صناعة "شنط" وأحذية وسجاد، وأصبحت فناً من الفنون، ومن أهم الصناعات في مصر، وإن كانت توجد بعض المناطق في مصر مازالت تستخدم الطرق البدائية كأسوان والأقصر على سبيل المثال. من أين تجميع الجلود المستخدمة في الدباغة؟ الجلود تأتي إلينا من جهتين؛ الأولى من المجزر وهذا يستخدم في صناعة "الشنط" والأحذية و"الجاكيت"، ويكون الاعتماد الأكبر عليها، والجهة الأخرى من الأهالي فمنهم من يريد بيع الجلد إلينا، بينما يوجد من يريد أن يدبغ الجلد لاستخدامه الشخصي في المنزل. كم تتكلف دباغة الجلود؟ تتكلف فروة الخروف 125 جنية، و فروة العجل 300 جنية، وهذا لكي يصنع مفرش أو سجادة، وبذلك يكون وفر 35 % من تكلفة الجلد الجاهز، ويتسلم العميل الفرو خلال شهرين، ويكون على كل فروة رقم خاص بها. ما هي مراحل دبغ الجلود؟ يُغسل الجلد جيدا بالمياه لإزالة أي شوائب و دماء، ثم يرش عليه الملح لمده أسبوع، ثم يوضع في البراميل المتحركة لغسيل الجلد من الملح والدماء المتبقية، بعد ذلك يمر عبر آلة مزودة بسكاكين حادة لإزالة اللحوم والدهون، ثم يوضع عليها حمض الكبريتيك وغيرها من المواد الكيميائية للحفاظ على الشعر و الجلد، وتتغير تلك المواد في حاله طلب العميل بإزالة الشعر. تأتي المرحلة دخول الجلد للدباغة، ويوضع هنا بعض المواد التي تعمل على نعومة الفرو، ثم تدخل على آلة تتحكم في سُمك الجلد، ثم يأخذ ويفرش على لوح خشبي للمحافظة عليه وشد الجلد، ليظهر بالحالة الأخيرة التي نراه عليها . كيف تدبغ ربة المنزل الجلد؟ لو ربة المنزل مضطرة دبغ الجلد في المنزل، فعليها بغسل الجلد جيدا ويرش عليها ماء بملح ويفرد في الشمس لمده أسبوع، حتى يصفى من الدماء، ثم تأتي بآلة حادة لكشط كل الدهون واللحوم التي في الجلد، ثم يُغسل بعد ذلك من الملح وتحضر من عند العطار" شابه" أو "أرج" وتذوبهم في المياه، وترشهم على الجلد وذلك لمنع التعفن أو الدود . وتعتبر تلك الطريقة هي الطريقة البدائية التي يستخدمها الدباغون في أسيوط وأسوان فهم لم يتوصلوا إلى الطريقة الحديثة. ما رأيك فيما طرحته وزارة الأوقاف من مبادرة جمع الجلود؟ مبادرة فاشلة أهدرت جلود الأضحية بنسبة 60% من الجلود، وذلك لعدم وجود حرفية أو مهنية في طرق الحفظ والتخزين لديهم، الأمر الذي جعل جلد العجل يباع ب150 جنيه، بدلا من 350. وعلى الذين طرحوا المبادرة ألأا يفعلوها مرة أخرى، وعليهم اللجوء إلى أي شيء أخر ليجمعوا منه تبرعات وأعمال خيرية، أو أنهم يستعينوا بخبراء متخصصين في حفظ الجلود ودبغها بطريقة سليمة. ما رأيك في ما طرحته الحكومة من نقل الدباغة إلى منطقة الروبيكي ؟ نقل المدابغ إلى منطقة أخرى شيء جيد سيحافظ على مصر القديمة والآثار، فنحن يهمنا مصلحة مصر، ولكن على الحكومة أن تراعي راحة العاملين بالمهنة، فنقلهم إلى منطقة بعيدة عن سكنهم يضر المهنة ويهددها بالانقراض، فقد يلجأ العامل إلى العمل ب"التوكتوك" وترك المهنة، فلا يوجد صاحب مدبغة سوف يقوم برفع المرتب ولا يوجد عامل يستطيع صرف مرتبه على المواصلات. فأطلب من الحكومة بعمل مدينة متكاملة يتواجد بها مدرسة ومستشفي ومسكن، وينقل إليها العامل قبل نقل الأجهزة والمعدات الخاصة بالدباغة على الأقل بشهرين، حتى يتأقلم على الوضع، غير ذلك فإن المهنة سوف تهدد بالانقراض، ولا توجد مدبغة توافق على النقل بدون هذه الشروط. هل ترى أن مهنة الدباغة مربحة للعاملين بها؟ طبعا؛ فهي من الصناعات الأولى التي تُدر ربحاً لمصر، حيث تزايد عليها الطلب خلال الخمسة عشر عاما الأخيرة، من الدول الأوروبية وأمريكا، خاصا بعد حدوث أزمة جنون البقر والحمى القلاعية هناك، فهذه الصناعة لها "زبونها" الخاص رغم ارتفاع أسعارها.