28 سبتمبر تاريخ له خصوصيته السياسية والإنسانية ففي هذا اليوم من عام 1970 رحل الزعيم جمال عبد الناصر تاركا فراغا شاسعا في قلوب الملايين من الجماهير العربية ، غير الفراغ السياسي في منطقة الشرق الاوسط بكل حدودها . وفى الذكرى الرابعة والاربعين لرحيل الزعيم الخالد فان الحديث عن قيمة ورمز قومي كبير بحجم جمال عبد الناصر ليس سهلا فإذا اختلفت بعض الآراء القليلة مع سياسته فلا أحد ينكر أنه غيّر وجه التاريخ العربي بأول ثورة عربية حقيقية بعيدة عن تدخلات الاستعمار وهي ثورة 23 يوليو المجيدة عام 1952م ، حيث سار على طريق بناء دولة تلعب دورا إقليميا رئيسا فى الشرق الأوسط على الرغم من التحديات التى أحاطت بثورة 23 يوليو عام 1952 والتى واجهت نكسة الخامس من يونيو/حزيران عام 67. رجلا وطنيا من الطراز الأول يقول اللواء محمد علي بلال الخبير الاستراتيجي وقائد القوات المصرية في حرب الخليج ، ان الزعيم جمال عبدالناصر كان رجلا وطنيا من الطراز الأول، وله رؤية إستراتيجية كبيرة، افتقدته الدولة المصرية بجزء كبير بعد رحيله، فقد ركز الزعيم علي بناء مصر وتنميتها، ولم يكن رجل حرب كما يدعي البعض فقد زار أحد أعضاء الكونجرس مصر والتقي به وعاد بعدها لإسرائيل والتقي ابن جوريون وسأله رئيس وزراء إسرائيل قائلا: "هل قال لكم عبدالناصر بأنه يريد إلقاء إسرائيل في البحر"، فأجاب عضو الكونجرس نافيا ذلك، وقائلا له "ان عبدالناصر قال انه يريد تنمية مصر، فرد بن غوريون انه أسوأ خبر سمعه. ويؤكد بلال أن إسرائيل لم تكن تريد نهضة مصر، بل تريد الحرب لتدميرها لذلك أصروا علي الحرب في 1967 ولأول مرة في تاريخ العسكرية آنذاك مدت أمريكا إسرائيل بتنكات إضافية للطائرات، وهو ما أربك الجيش المصري، فقد كانت الطائرات مزودة بتنك إضافي للوقود، وبعد أداء مهمتها تقوم بالتخلص من أحد التنكين وهو ما كان يوهم القوات المصرية بأن الطائرات تسقط. ميلاده جاء عبد الناصر إلى هذه الدنيا في مدينة الإسكندرية ، حيث كان أبوه عبد الناصر حسين خليل سلطان قد انتقل من قريته بني مر بمحافظة أسيوط، ليعمل وكيلا لمكتب بريد باكوس بالإسكندرية، وفي منزل والده- رقم 12 شاعر الدكتور قنواتي- بحي فلمنج وُلد في 15 يناير 1918م، وقد تحول هذا المنزل الآن إلي متحف يضم ممتلكات جمال عبد الناصر في بدايه حياته . وكان والده دائم الترحال والانتقال من بلدة إلى أخرى ، نظرًا لطبيعة وظيفته التي كانت تجعله لا يستقر كثيرا في مكان. ولم يكد يبلغ الثامنة من عمره حتى تُوفيت أمه في 2 أبريل 1926م، وهي تضع مولودها الرابع شوقي، وكان عمه خليل، الذي يعمل موظفا بالأوقاف في القاهرة متزوجًا منذ فترة، ولكنه لم يُرزق بأبناء، فوجد في أبناء أخيه أبوته المفتقدة وحنينه الدائم إلى الأبناء؛ فأخذهم معه إلى القاهرة ليقيموا معه حيث يوفر لهم الرعاية والاستقرار بعد وفاة أمهم. وبعد أكثر من سبع سنوات على وفاة والدته السيدة فهيمة تزوج عبد الناصر من السيدة عنايات مصطفى في مدينة السويس 1933م، ثم ما لبث أن تم نقله إلى القاهرة ليصبح مأمورا للبريد في حي "الخرنفش" بين الأزبكية والعباسية، حيث استأجر بيتا يملكه أحد اليهود المصريين، فانتقل جمال وإخوته للعيش مع أبيهم، بعد أن تم نقل عمه خليل إلى إحدى القرى بالمحلة الكبرى، وكان في ذلك الوقت طالبًا في الصف الأول الثانوي. مغير وجه التاريخ وقد كان لثورة يوليو العظيمة الدور الأكبر في طرد الاستعمار البريطاني والفرنسي ليس من منطقة الشرق الأوسط فحسب ولكن ساهم في طرده لجانب الكثير من المناضلين من القارات الثلاثة آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ، وكم هي المواصفات والمفارقات كبيرة ومؤلمة للنفس حين نرى قادة دول أمريكا اللاتينية مثل هوجو شافيز الذي يفخر بانتمائه للناصرية . وكذلك كانت تجربة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر محطة اهتمام وفائدة لقادة تلك الدول باعتراف المناضل ألأممي الكبير فيدل كاسترو ، الذي قال أن انتصار مصر السياسي على العدوان الثلاثي ودحره عام 1956 ، شكل لنا نحن في أمريكا اللاتينية وكوبا تحديدا رمزا ونموذجا لانتصار ثورتنا الكوبية بعد ثلاثة أعوام من عدوان على السويس . وكذلك نفس الشيء أكده المناضل الأكبر من كل الألقاب تيشي جيفارا ، ولذلك حديثنا عن هذه الذكرى ليس ترفا فكريا ولكن نحن أحوج ما نكون لذلك النموذج الفذ من القادة المخلصين لوطنهم وأمتهم والحريصين على المال العام . وقد حاول بناء مصر جديدة، وزاد توهجه فى العالم أجمع فى زمن كانت فيه الحرية مستحيلة، وكان الاستعمار هو المهيمن على دول العالم، وكان مصير من يواجهه هو المحاربة لأجل الحيلولة دون التعجيل بالنهار. أشهر أقواله ومن أشهر أقوال عبدالناصر والتي كان يحض فيها الشعب على المطالبة بالحقوق وحقه في الحياة "ما أُخِذَ بالقوة لا يُسْترَدُّ بغير القوة ، إن شعبنا يعرف قيمة الحياة لأنه يحاول بناءها على أرضه، إن الحق بغير القوة ضائع، والسلام بغير مقدرة الدفاع عنه إستسلام ، إن الرجعية تتصادم مع مصالح جموع الشعب بحكم إحتكارها لثروته ، إن النصر حركة، والحركة عمل، والعمل فكر، والفكر فهم وإيمان، وهكذا كل شيء يبدأ بالإنسان، إن الجماهير هي القوة الحقيقية، والسلطة بغير الجماهير هي مجرد تسلط معادٍ لجوهر الحقيقة...... ".