انتشار فيروس "إيبولا" في العاصمة الغينية، كوناكري، لم يحصد الأرواح البشرية فحسب، وإنّما طالت آثاره مختلف القطاعات الاقتصادية، لاسيما قطاع السياحة، الذي كان إلى وقت قريب، قبل ظهور الوباء، يخطو نحو الانتعاش. ووفقا لما جاء على وكالة "الأناضول" للأنباء فقد ألقى انتشار الفيروس بظلاله على مختلف الفضاءات التجارية المختصة في بيع القطع الفنية والإكسسوارات التقليدية بالعاصمة كوناكري. وقع الحياة بدا ثقيلا على التجار الذين تمكنوا من الصمود أمام تراجع السيّاح وهشاشة الأنشطة المتعلّقة بالقطاع بأكمله، وعلامات القلق والتعب التي ارتسمت على وجوههم، كانت كافية للكشف عن حالة "الإجهاض المبكّرة" التي تتعرّض لها السياحة في غينيا جرّاء "إيبولا"، حسب شهادات متفرّقة لناشطين في القطاع، قامت الأناضول بتجميعها. "موميني كابا"، نحات طالما نالت تماثيله الصغيرة في الماضي استحسان السياح، وأثمر نجاحه سابقا في استقطاب الزوار، إيرادات كافية لتأمين حياته، إلا أن تدهور حال السياحة أثر على ذلك، حيث يقول للأناضول، "قبل تفشي فيروس إيبولا، لم أكن أجد إشكالا في بيع منحوتاتي". وبحركة بطيئة، ارتفعت أصابع الرجل، لتشير إلى العدد الكبير من القطع المنحوتة بطريقة مثيرة للانتباه، والمتراصّة على رفوف ورشته الصغيرة، بسبب نقص الإقبال عليها، مضيفا "السياح يفضّلون بشكل خاص القطع الفنية التقليدية، من ذلك ثعبان باغا والذي ينتمي إلى طائفة باغا ببوكيه في غينيا السفلى، وهو حارس الحقول، وأيضا النيمبا، والتي تعني آلهة الخصوبة". ومضى قائلا، "معظم النحاتين أفلسوا الآن.. قبل ذلك، قبل ظهور إيبولا في غينيا، كان بإمكاننا تحقيق أرباح تصل إلى 100 إلى 450 دولارا في الشهر، لكن حاليا، نحن لا نبيع شيئا، والأزمة تهزّنا جميعا". وغير بعيد من ورشة "كابا"، يعرض "كانتارا تالي" تحفا فنية، اصطفّت في انتظام على رفوف فضية لامعة، كانت، قبل بضعة أشهر، تستقطب السياح بأعداد وافرة. وبصوت أقرب للهمس، قال لوكالة الأناضول "بسبب إيبولا، تحوّلت حياتنا إلى جحيم حقيقي، رغم أننا نعرض قِطَعا لا تستحقّ ملازمة الرفوف في محلاتنا". أزمة أصحاب وكالات السفر لا تقلّ وطأة، عن معاناة الباعة.. فانتشار فيروس إيبولا وتراجع إقبال السياح على البلاد كانت له آثار وخيمة عليهم. "مامادو سالو باه" الذي يدير وكالة "فوتا تريكينغ" للأسفار، قال للأناضول "قبل ظهور إيبولا، شهدت الأنشطة السياحية بوادر انتعاشة". وأضاف بنبرة يائسة "العديد من المشاريع كانت في طريقها نحو الظهور، والكثير من وكالات السفر العالمية بدأت تجد في بلادنا وجهة سياحية، حتى أنّ وكالتنا شهدت ارتفاع عدد شركائها في السنوات الأخيرة، وقد سجّلت قدوم أكثر من 600 سائح خلال الموسم السياحي، وخصوصا خلال موسم الذروة، أي بين شهري ديسمبر /كانون الأول، ومارس /آذار من كلّ سنة". وتابع، وهو يستعرض وضعية مقارنة بين ما قبل ظهور الوباء وبعده، "خلال الفترة المتبقية من الموسم السياحي، أي بين شهري أكتوبر /تشرين الأول ونوفمبر /تشرين الثاني، كان عدد قليل من الرعايا الأجانب المقيمين في غينيا، والعاملين في السفارات يزوروننا خلال العطلات المدرسية، وعددهم يمكن أن يتراوح بين 50 إلى 100 شخص". وحذّر "سالو باه" من عواقب انتشار "إيبولا" قائلا "السياحة الغينية لم تعد موجودة اليوم، وفيروس إيبولا قد يخلّف آثارا وخيمة في البلاد"، مشيرا إلى أنّ "القطاع السياحي بصدد الاحتضار ببطء". ووفقا لمعطيات قدّمتها مصادر مطّلعة من قطاع الفنادق في غينيا للأناضول، شهد القطاع انخفاضا في نسبة الإشغال نسبة الغرف الشاغلة بمعدل 95٪ عن صيف العام الماضي. وفي سياق متصل، قال مصدر مقرّب من وزارة السياحة في غينيا، فضل عدم الكشف عن هويته، إن "عدد السياح الدوليين تجاوز، في العامين الماضيين (2012- 2013) عتبة ال 120 ألف سائح، غير أنّ الرقم تراجع بشكل كبيرا بالنظر إلى الوضع الحالي للبلاد". ولفت إلى أن ذلك سيكون له "انعكاسات خطيرة على الاقتصاد الغيني". ولم يتسنّ للأناضول الحصول على قيمة العائدات السنوية للقطاع السياحي في غينيا، حيث إن القطاع لا يزال في "طور الابتكار"، بحسب مدير الديوان الغيني (هيئة حكومية) للسياحة "لاي جينيور كونديه". غير أنّ مختصين في الاقتصاد يخشون ممّا قد ينجم عن هذا "النزيف الاقتصادي" للقطاع السياحي في غينيا، من خسائر فادحة على مستوى الاقتصاد الكلي للبلاد. ووفقا لتقييم أولي أجراه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في شهر أغسطس/ آب الماضي، فمن المحتمل أن تفقد غينيا، مركز ظهور وانتشار فيروس إيبولا في منطقة الغرب الأفريقي، نسبة مئوية في نمو ناتجها المحلّي الإجمالي، ما يعني أنه قد يتراجع من 4.5% (النسبة قبل ظهور الوباء) إلى 3.5%. وكانت الموجة الحالية من الإصابات بالفيروس بدأت في غينيا في ديسمبر/ كانون أول من العام الماضي، وامتدت إلى ليبيريا، ونيجيريا، وسيراليون، ومؤخراً إلى السنغال والكونغو الديمقراطية. و"إيبولا" من الفيروسات الخطيرة، والقاتلة، حيث تصل نسبة الوفيات من بين المصابين به إلى 90%، وذلك نتيجة لنزيف الدم المتواصل من جميع فتحات الجسم، خلال الفترة الأولى من العدوى بالفيروس. كما أنه وباء معدٍ ينتقل عبر الاتصال المباشر مع المصابين من البشر، أو الحيوانات عن طريق الدم، أو سوائل الجسم، وإفرازاته، الأمر الذي يتطلب ضرورة عزل المرضى، والكشف عليهم، من خلال أجهزة متخصصة، لرصد أي علامات لهذا الوباء الخطير.