بعد انتفاضة ابريل 1985م من القرن الماضي اصيب البعض بجنون كنس اثار مايو الذي امتد الى التاريخ لنعبث به بطفولية عالية ونشاط خبيث لدرجة انه ازال اسم الرئيس جعفر النميري من على صروح كبيرة ومشاريع رائدة نهضت في فترة حكمه.. وكأن ذاكرة الشعب السوداني قد اهترأت تماما.. ثم الصقت التهمة بالالاف من السودانيين الذين عملوا في مؤسسات الدولة التي امتدت ستة عشر عاما.
هذا الحدث ينبئ عن سلوك اقصائي لا يحترم التاريخ. ومثلما حدث قبل عقدين في غرابة شاملة ان ينقص سور مجلس الشعب او المجلس الوطني خمسة اعمدة كاملة امعانا في ازالة اثار (25 مايو) حيث انشئت على هذا النحو الذي يعبر عن تاريخ ثورة مايو.. قام حزب (حديث العهد) بالعمل الحزبي والديمقراطي على تسيير مسيرة لاجازة قوانين يعتقد انها تعمل على التحول الديمقراطي رغم انه يملك ثلث اعضاء هذا البرلمان الذي يود اجازة تلك القوانين.. بين كنس اثار مايو والمسيرة التي تنادى لها حزب اساسي في الحكومة ويرتبط عضويا بالمعارضة.. خيط رفيع يجمع بين نمط التفكير والتصرفات التي لا علاقة لها بالرشد السياسي.
غنى الاستاذ وردي بهذه الكلمات التي تبشر بالسلام والوحدة في آن واحد وفرح "اليسار" على انجازه الابداعي بينما حقق الوطنيون اهدافهم التي صارت نشيدا "لا ضرر ولا ضرار" لكن "باقان" و"ياسر" وغيرهما تنصلوا عن هذا النداء الذي يسعى بالحاح نحو وحدة الوطن. الشاسع من مولي الى حلفا استطاع ان يهزم شراسة الحرب ويغلب ارادة السلام رغم كل المماحكات والعجائب.
تبدو كل الاناشيد من المدرسة الابتدائية والى الان عاطفية.. لم تنزع جذور التمرد.. ولم تستطع ان تجمع القلوب على اتباع الحكمة والاخوة الراشدة ومثلما يحكي الواقع ان اختلاف "الشريكين" في القوانين التي من المفترض اجازتها لا يتعدى مادة او مادتين لا تستحق كل هذا "النزف المفتعل" كما هي الحال مع الذي جرى عليه اثناء يوم الاثنين.. ولو تخلصت الحكومة من نظرية الامن "الصفرية", فالمعارضة تستبين بؤسها الى درجة لا تستحق كل هذا التوتر الامني.
اعمال الحكمة من كل الاطراف.. وبروز العقلاء في زمن الاحتدام اجدر من النزول للشوارع, فما تحقق قديما لا يناسب حال اليوم ومثلما صدحت ام كلثوم "قل للزمان ارجع يا زمان"!!
ومثلما حلل العديدون, ان ثورة المسيرات يمكن ان تنظم السودان مسيرة واخرى مضادة لها.. حتى نسمي هذا الزمن "بانفجار المسيرات".
ولكيلا يتعنتر "باقان" على ضابط كبير ويستعدي الشرطة في شرفها المهني. ارجو من الجميع الارتفاع الى مستوى المرحلة التاريخية.. فصبر جميل.. لان الكل يعلم لو سقط حجر في مسيرة سلمية "جدا" سيحدث ما لا يحمد عقباه "آل سلمية آل" على الطريقة المصرية.