ملك النحو، تابعي مخضرم عاصر النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به دون أن يراه، إنه ظالم بن عمرو بن سفيان الدؤلي الكناني الذي ولد عام 16 ق.ه، أي قبل البعثة النبوية بثلاث سنوات وقبل الهجرة ب 16 عاما ولهذا يعتبر من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولكنه ليس من الصحابة حيث لم ير الرسول رغم أنه أدركه. إسلامه وجهرته ولد وأسلم قبل وفاة النبي وقد كان يعيش مع قومه بني الدئل جنوبمكةالمكرمة فلم يدخل المدينة إلا بعد وفاة النبي وقد نهل فيها من العلم الشرعي حيث أخذ الحديث عن عدد من الصحابة منهم الخليفة عمر بن الخطاب. صحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي ولاه إمارة البصرة في خلافته، وشهد معه وقعة صفين والجمل ومحاربة الخوارج، وكان قومه بنو الدئل بن بكر حلفاء لقريش ضمن عقد الحديبية وهم الذين عدوا على خزاعة وكان ذلك سبب فتح مكة من قبل النبي محمد. هاجر إلى البصرة في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وسكن فيها وله في مسجد باسمه، وقد حصلت له بالبصرة حوادث مع بني قشير من هوازن منها أنه قال لهم: "ما في العرب أحب إلي طول بقاء منكم". قالوا: "ولم ذاك ؟" قال : "لأنكم إذا ركبتم أمرا علمت أنه غي فاجتنبه وإذا اجتنبتم أمرا علمت أنه رشد فاتبعه". روايته للحديث روى وحدث عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وأبو ذر الغفاري، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، والزبير بن العوام، ومعاذ بن جبل، وأبو موسى الأشعري، وعمران بن حصين، وطائفة، وقرأ القرآن على عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب. حدث عنه ابنه أبو حرب وعبد الله بن بريدة ويحيى بن يعمر وعمر بن عبد الله مولى عفيرة وسعيد بن عبد الرحمن بن رقيش الأسدي، وآخرون. وضعه لعلم النحو كان أبو الأسود مشهورا بالفصاحة وقد قال عن نفسه: "إني لأجد للّحن غمزا كغمز اللحم"، وقد أجمع المؤرخون واللغويون على أن أبا الأسود الدؤلي أول من وضع علم النحو فقال محمد بن سلام الجمحي: أبو الأسود هو أول من وضع باب الفاعل والمفعول والمضاف، وحرف الرفع والنصب والجر والجزم، فأخذ ذلك عنه يحيى بن يَعْمَر. وقال أبُو عَلِي القَالِيُّ: حدثنا أبو إسحاق الزجاج، حدثنا أبو العباس المبرد، قال: أول من وضع العربية ونقط المصاحف أبو الأسود على أنه أول من وضع علم النحو. سبب وضع وتسمية النحو قال البعض أن علي ابن أبي طالب، أمر أبا الأسود الدؤلي بوضع شيء في النحو لمَّا سمع اللحن، فأراه أبو الأسود ما وضع، فقال علي: "ما أحسن هذا النحو الذي نحوت، فمن ثمَّ سُمِّي النحو نحوا". وقد سئل أبو الأسود عمَّن نهج له الطريق، فقال: تلقيته عن علي بن أبي طالب. وقيل: كان الذي حَدَاه على ذلك أن ابنته قالت: له يا أبت، ما أشدُّ الحرِّ؟ -وكان في شدة القيظ-، فقال: ما نحن فيه؟ فقالت: إنما أردت أنه شديد، فقال: قولي ما أشدَّ، فعمل باب التعجب. وقال عمر بن شبة: حدثنا حيان بن بشر، حدثنا يحيى بن آدم، عن أبي بكر، عن عاصم، قال: أول مَنْ وضع النحو أبو الأسود، جاء أبو الأسود إلى زياد فقال: أرى العرب قد خالطت العجم فتغيرت ألسنتهم، أفتأذن لي أن أضع للعرب كلاما يقيمون به كلامهم؟ قال: لا، قال: فجاء رجل إلى زياد فقال: أصلح الله الأمير، توفي أبانا وترك بنون. فقال: ادع لي أبا الأسود. فدعي فقال: ضع للناس الذي نهيتك عنه. وروى ابْنُ أَبِي سَعْدٍ أن سبب ذلك أنه مرَّ به فارسي فلحن، فوضع باب الفاعل والمفعول، فلما جاء عيسى بن عمر تَبع الأبواب؛ فهو أول من بلغ الغاية فيه. وقال أبو عبيدة: أخذ أبو الأسود عن علي العربية، فسمع قارئا يقرأ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فقال: ما ظننت أمر الناس قد صار إلى هذا، فقال لزياد الأمير: أبغني كاتبا لَقِنًا، فأتى بمائة رجل فاختار منهم رجلا من قبيلة عبد القيس فقال له أبو الأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة أعلاه، وإذا رأيتني قد ضممت فمي، فانقط نقط بين يدي الحرف، وإن كسرت، فانقط نقطة تحت الحرف، فإذا أتبعت شيئا من ذلك غنة فاجعل مكان النقطة نقطتين. فهذا نَقْطُ أبي الأسود. وقال المبرد حدثنا المازني قال: السبب الذي وضعت له أبواب النحو أن بنت أبي الأسود قالت له: ما أجْمَلُ السمَاءِ؟ فقال: نجُومُهَا، قالت: أنا لا أستفهِمُ يا أبتاه بل أتعجب. فقال: إذا أردتِ أن تتعجبي فافتحي فاكِ وقولي ما أجمَلَ السَمَاءَ!، فأخبر بذلك عليّا -رضي الله عنه- فأعطاه أصولا بنى منها، وعمل بعده عليها، وهو أول من نقط المصاحف. وأخذ عنه النحو عنبسة الفيل، وأخذ عن عنبسة ميمون الأقرن، ثم أخذه عن ميمون عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وأخذه عنه عيسى بن عمر، وأخذه عنه الخليل بن أحمد، وأخذه عنه سيبويه، وأخذه عنه سعيد الأخفش. يعقوب الحضرمي: حدثنا سعيد بن سلم الباهلي، حدثنا أبي، عن جدي، عن أبي الأسود قال: دخلت على عليّ، فرأيته مطرقا، فقلت: فيم تتفكر يا أمير المؤمنين؟ قال: سمعت ببلدكم لحنا فأردت أن أضع كتابا في أصول العربية، فقلت: إن فعلت هذا، أحييتنا. فأتيته بعد أيام، فألقى إليَّ صحيفة فيها: الكلام كله اسم، وفعل، وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل، ثم قال لي: زده وتتبعه، فجمعت أشياء ثم عرضتها عليه. توفي أبو الأسود الدؤلي عام 69 ه، بعدما أسس قواعد النحو العربي أجمعه.