أسامة درة : أرفض المتاجرة بالدين والحنجلة السياسية أسامة درة محيط – سميرة سليمان القاهرة : في حفل توقيع كتابه "من الإخوان إلى ميدان التحرير" الذي استضافته مكتبة "البلد" أمس، انتقد المؤلف الشاب أسامة درة أداء جماعة الإخوان المسلمين بعد الثورة، فتغيراتهم بعدها لم تناسب الطموحات وجاءت بطيئة برأيه، كما أن الحزب الذي أعلنت الجماعة استقلاله عنها ، خرج على العكس أشبه بلجنة تابعة للإخوان. وقال درة: من يلتحق بالحزب كأنه التحق بالجماعة وتوجد شريحة كبيرة من المصريين لا يريدون الإنضمام للإخوان أو وصولهم للحكم، لهذا أعلنت الجماعة زهدها في الأغلبية البرلمانية، وعدم ترشيح أحد منهم لمنصب الرئيس وهو علامة على تراجعها، بالإضافة لكون الجماعة لم تحسن إدارة مرحلة الثورة أو الفترة السابقة عليها . بسؤاله عن إمكانية انضمامه للحزب أجاب: إذا شعرت أن الحزب لا يلبي حاجة مصر في جعل الإخوان جسما طبيعيا في الوطن وليس ورما بارزا فيه، سأدعو لعدم التصويت لمرشح الحزب في البرلمان. وقال الدرة أن الجيش يستعين بالإخوان للمساهمة بضبط أوضاع البلد في المرحلة الإنتقالية ولذا فهما على وفاق ، لكن الإخوان كجماعة عقائدية لها واجهة سياسية مقلقة لحكام مصر الجدد، وبعد انتهاء المرحلة الانتقالية سيتعامل الجيش مع الجماعة بطريقة تشبه تعامل النظام السابق. وبرر أسامه رأيه بأن الإخوان كيان مزعج لأي حاكم حتى وإن كان صالحا، وخاصة أنها تقوم على مخاطبة تدين الشعب المصري، ويستفيدون في الوصول للبرلمان من الدعوة الدينية وهو أمر معيب فالدين لا يجب أن يدخل كوسيلة لنيل أغراض دنيوية والإصرار على هذه الطريقة في جذب المصريين خداع للمجتمع. ولم يكن انتقاد درة منصباً فقط على مزج الدين بالسياسة داخل الجماعة، بل لكونها لا تتعامل بديمقراطية مع أبنائها وهو ما يحدث بالتالي مع القوى السياسية الأخرى، فكيف لا يمكن لأعضاء الجماعة انتقاد المرشد والمصريون أسقطوا الرئيس! يقول أسامة : لو حصل الإخوان على ثلث مقاعد البرلمان أخشى على الوطن من كيان ربما لم ينضج بشكل كاف بعد. سأله "محيط" عن انتمائه للجماعة وهل لا يزال عضواً بها أم لا، وعن ردود الفعل من الجماعة على كتابه الأخير، فأوضح أن الكتاب لم يصدر عليه ردود فعل من الجماعة، نظراً لاعتيادهم على طريقته في الكتابة فالكتاب الأول أثار هجوماً كبيراً. وأضاف : لا زلت أنتمي للجماعة، لكن نظرا للتوتر الذي نشأ من جراء كتاباتي ابتعدت عن اللقاءات التنظيمية، حتى لا أخضع لاشتراطات وقيود تتعلق بالكتابة وكأني اكفر عن ذنب أو خطأ، وهو ما لا أرى أني ارتكبته. ولكن عضو الإخوان مرتبط بمجتمع الإخوان جدا، فلا يمكن بسبب بعض العناصر التي يصفها درة بأنها سيئة وكئيبة، وترى أنها حامية الجماعة وحارسة الفكرة أن تبعده عن جماعته التي يحبها والتي يرى أنه أولى بها من كثيرين بداخلها . غلاف الكتاب قطع الشطرنج حول جديده أشار أسامة أنه يسعى أن يكتب بانتظام في إحدى الصحف التي ستصدر قريبا، ولا يعرف هل سيكون كتابه هذا الذي يحتفي بتوقيعه هو الأخير، أم سيتبعه إصدارات أخرى. تطرق أسامة درة خلال الندوة لكتابه الأول "من داخل الإخوان أتكلم" عبر مداخلات بعض الحضور، وقال أنه عبر عن رأيه بكتابه أن فرد الإخوان يراه من في الخارج ترسا صغيرا في آلة ضخمة، وهكذا يتعامل معه أيضاً من بداخل الجماعة دون إقامة وزن لانفعالاته المختلفة . يرفض أسامة التعامل داخل الجماعة مع الأفراد باعتبارهم دمى وقطع تتحرك، ويذكر حين استأذن من مسئول الشعبة أن يحضر مبادرة دعا إليها الحزب الوطني في فترة سابقة ورفض المسئول، زاعماً أنه سيتم استدراجي وكأنه طفل صغير!. مضيفاً: أنا حاليا أشعر بحرية أكبر ولا يملكني احد رغم وفائي لفكرتي والجماعة. قراءة سريعة يصف درة كتابه "من الإخوان إلى ميدان التحرير" أنه تعليق صغير على حدث ضخم، مشيراً إلى خشيته من الاستغراق في التفاصيل التي تبدو فيما بعد أنها منتهية لوجود الجديد المتلاحق دوماً، لذلك أنهى كتابه عند يوم التنحي 11 فبراير، وجاء ختام الكتاب بفصل صغير يضم يوميات الثورة المجيدة. الكتاب مقسم إلى فصلين، ويعد كما يقول صاحبه امتداداً للكتاب الأول "من داخل الإخوان اتكلم"، وبشكل بانورامي استعرض درة أبرز محتويات كتابه الذي بدأ بمقال تحت عنوان "أخيراً رقص الفيل" الذي أشاد فيه بأداء الإخوان أثناء الثورة، وتصريحاتهم الرشيدة، وفدائيتهم في الميدان، ونظامهم داخله، فقد كانوا عامود للثورة، وأكثر من ربعها، ورأى أنهم إذا ساروا على نفس النهج ستكون الجماعة عضو مهم من أعضاء جسد الوطن. وتحت عنوان "ثورة داخل الإخوان" نشر درة حوار نُشر له بالعدد الإسبوعي في صحيفة " الدستور" المصرية تحت رئاسة الصحفي الكبير إبراهيم عيسى في ذلك الوقت وبالتحديد في 23 يونيو 2010، واحتل صفحة كاملة من الجريدة، وتمنى خلاله أن تحدث ثورة إصلاح داخل جماعة الإخوان. جانب من حفل التوقيع ميدان التحرير الفصل الثاني من الكتاب عن ميدان التحرير، وتحت عنوان "المخابرات الأمريكية" كتب أسامة أنه قابل أحد الباحثين الأمريكان في أحد المقاهي الشهيرة بميدان التحرير، ودار بيننا حوار طويل بعد الأربعاء الدامي وقبل جمعة التنحي، وكان سؤاله يتركز حول تصور الثوار للمرحلة القادمة، وكانت الإجابة اننا لا نملك تصوراً، رغم عدم وضوح الرؤية والحديث عن حمامات دم، وسحق الميدان او تركه يذبل مع الوقت خاصة ان النظام حينها بدا راسخاً. وفي "تحت علم مصر" يحكي درة كيف أن العلم اكتسب معنى دالاً وخاصاً عن ذي قبل، ففكرة الوطن لدى الإسلاميين غير محددة، لأن كل ديار الإسلام هي الوطن، أما تلك الوحدة السياسية التي لها نظام وجيش وجنسية، ويملك أهلها هوية وبطاقة سفر، أصبحتُ أكثر اعتزازا بها بعد الثورة، إنها الوطن. يشتمل الكتاب أيضاُ على مقال حول الثورة الخادعة، التي بحاجة إلى اكتمال عبر نضال سياسي طويل لتحقيق مطالبنا، فالنظام لم يتلاشى وبقاياه موجودة، يقول المؤلف: لا أحب إلصاق كل ما يحدث في حياتنا من مصائب بفلول النظام، فمثلا في مباراة الزمالك مع الإفريقي التونسي وما حدث من شغب، ألصقناه ببقايا النظام، رغم أن بعد هذه المباراة بأسابيع حدث مثل هذا الشغب في مباراة الإفريقي التونسي مع فريق سوداني، والتبرير برأيي أن عدم استتباب الأمن يعطي ثقة للفوضويين أن يد العقاب لن تطالهم، لذلك يحدث شغب؟. أيضاً كشفت أحداث إمبابة عن وجود مشكلة بالفعل، وفتاة محتجزة، فالقصة لم تكن مختلقة، لكن الثورة لم تتم بعد. يتطرق درة في كتابه أيضاً إلى المتلونين، والمعارضين بدرجة محايدين في النظام القديم، مشيراً إلى أن الثورة أزاحت السقف وساهمت في اعتدال القامات التي ظلت منحنية لعقود، ومن ثم فالملاينة والتملق وثني الكلمات أمور لا حاجة لنا بها الآن، وهو ما يسميه بالحنجلة السياسية. ويصف درة المتحنجلون بأنهم شرفاء لكنهم تكيفوا، وعاشوا داخل الخطوط الحمراء، واعتادوا أن يقولوا من الحق ما لا يزعج السلطات، ويقتربون من السقف بحذر خشية أن ينطبق عليهم. المقال الأخير جاء تحت عنوان " أسامة بتاع بلال فضل..و شيرين اللي بتغني" وفيه يتحدث عن الرقي الذي صبغ ميدان التحرير، وكأنه خارج السياق المصري، فلا تهافت على النجوم أو المشاهير، بل تعامل الثوار معهم بنل وترفع. يقول في هذا الفصل: في ميدان "التحرير"، الكل هنا واحد، ارتحنا هنا من "الطبقية" التي أكلت المجتمع، و من "الأبوية"، التي جعلت للكبير سلطانا على حياة الشاب وأحلامه بلا حق، ارتحت من الوجاهات والرياسات التي تُرتّب الإخوان بعضَهم فوق بعض، فللمسئول -أي مسئول- في الإخوان مزايا معنوية ظاهرة، في الميدان تحرير حقيقي، ثورة حقيقية، رضا و ألفة وتحقق ذات. كان صديقي يوزع سندوتشات الفول (وجبات الكنتاكي!) ، فصادف امرأة سمراء ممتلئة فيها جمال، فقال: "اتفضلي"، قالت: "ميرسي"، فأصر: "اتفضلي، ده ببلاش"، قالت: "شكرا و الله مش عايزة"، فأعاد العرض: "ماتتكسفيش، خدي من ايدي، ده طازة"، فاحتارت كيف ترد. ثم أنقذها تدخل الواقفين، قالوا: "خلاص يابني، دي شيرين، ماتعرفش شيرين اللي بتغني؟!"، لكنّ صديقي لم يعبأ، نظر لهم باستغراب، ثم مضى يوزع السندوتشات، فهنا لا تنفع الشهرة صاحبها، المشاهير يأتون هنا لينالوا شرف القبول، هنا..في ميدان التحرير.