" شلالات " الأمريكية كارول أوتس تحطم أحلام البسطاء محيط – سميرة سليمان جانب من الندوة ضمن مائدة مستديرة بعنوان " الأدب الأمريكي المعاصر " ، استضاف معرض القاهرة الدولي للكتاب ندوة لمناقشة رواية " الشلالات " للأديبة الأمريكية جويس كارول اوتس بمشاركة د. أماني توما أستاذة الأدب الإنجليزي، والمترجم الشاب عمرو خيري الذي رأى أن أوتس تميل لتصوير الشخصيات التي على وشك الانهيار ، بينما أدار الندوة المترجم مصطفى محمود. مؤلفة الرواية كاتبة معاصرة مولودة في نيويورك عام 1938 ورشحت لنيل جائزة نوبل أكثر من مرة، فضلا عن الجوائز التي فازت بها عن روايتها "الشلالات". لها أكثر من 80 كتابا في الشعر والمسرح والقصة القصيرة وهي محررة أيضا في مجلة أدبية، حصلت على الماجستير عام 1961. وتمتاز كتاباتها بالعمق في تصوير شخصياتها، حتى أن القارئ يرى ردود أفعالهم ويعايشهم، فشخصياتها تنبض بالحياة ، كما تحدثت الناقدة د. أماني توما . الرواية تتحدث عن شلالات نياجرا التي تقع في القارة الأمريكية بين الحدود الأمريكية والكندية، تُشرح فيها الكاتبة طبقتين طبقة الأغنياء المتمثلة في بطل الرواية وتصورها بكل تفاصيل حياتها خاصة عندما يعانون من انهيار مادي أو اجتماعي أو معنوي، وتعرج على الطبقة العاملة، وتبين كيف تعمل تلك الطبقة بكل جد واحترام. والمثير للدهشة في هذه الرواية – تواصل توما – هو وصف الكاتبة للشلالات بشكل مغاير عن رؤيتنا لهذا المكان الساحر الذي يرتاده السائحون فهي ترى فيه أيضا مكانا لتدمير النفس وإنهاء الحياة، حيث تغوي الشلالات المرضى النفسيين والاكتئابيين للانتحار. الشلالات هي البطل الرئيسي في الرواية التي تعتمد ثيمتها الأساسية على أن الحياة قد تتغير من لحظة لأخرى فهكذا كل أبطال الرواية عند نقطة معينة فاصلة تتغير حياتهم. وتضيف توما: كشفت الرواية عن مشاعر إنسانية مختلفة بين الألم والفرح والحزن وأحيانا شعور بالانتصار عندما يستطيع الفرد أن يهزم مخاوفه وقلقه، ولكن المؤلفة تعتقد أن الكتابة لعنة لا يحسد من تلحق به ، فهي ليست بالأمر الهين . مؤلفة الرواية يقول مترجم الرواية : البطلة تمثل تناقض الحلم الأمريكي الباهر، فهي صورة للأنثى السلبية المنسحبة تماما من المجتمع، وكأنها لطمة موجهة إلى التفاؤل الأمريكي. نشاهد في الرواية أسرة غنية مكونة من أب وأم وثلاثة أطفال تعيش في قصر في أواخر الستينات ثم تأتي نقطة التحول مع انهيار الأب في قضية فساد شهيرة. يعمل الأب كمحامي للأغياء يتولى قضايا الشركات الكبيرة، ثم يجد نفسه متورطا في الدفاع عن طبقة العمال وتتوالى الأحداث لتكشف الضغط الذي تعرض له من الحكومة الأمريكية ليتنازل عن القضية. ويضيف المترجم: في الجزء الأول من الرواية اعتقدت أنها رواية اجتماعية نفسية ولكن باقي الرواية يؤكد أنها عمل سياسي توثيقي لقضية حقيقية حدثت في الستينيات في المجتمع الأمريكي، وهي أن مجموعة من المصانع الموجودة في شلالات نياجرا الثرية القديمة أقامت مساكن للعمال بتقسيط كبير، وبدلا من أن تصرف المصانع عوادمها السامة في مكان بعيد حفرت قناة تحت الأرض سرا لتصربف عوادمها، ثم أقامت فوق هذه القناة مدرسة للأطفال، وكانت النتيجة أن نسبة كبيرة من الأطفال أصيبوا بمختلف أنواع السرطانات والربو وأمراض بشعة ولم يكن أحد يملك التفسير لأن الآلة الإعلامية الأمريكية لا تبرز إلا ما يفيد مصالحها فقط. اكتشفت – يواصل عمرو خيري - أن آليات الفساد متشابهة كثيرا في المجتمعات فقد ضغطت الجهات المستفيدة على المحامي بشكل مباشر، واستخدموا أسلوب حرب العصابات لترك القضية حتى لا يؤثر على السياحة في المنطقة. تضع اوتس أيدينا على خطورة المجمع الصناعي العسكري، وهي الجهات التي كانت تدعم إدارة بوش، والحزب المحافظ الجمهوري الذي اتخذ من الحروب وسيلة لتسويق السلاح، بالإضافة إلى التوحش الذي وصلت إليه الرأسمالية في الفترة الأخيرة، واستعانتها بآليات دنيئة من أجل تحقيق رغباتها. إنها باختصار – كما يقول المؤلف - رواية من الروايات الأم في أمريكا، فهي عن شلال الحياة الأمريكية الجارف الذي لا يوقفه شئ، والآلة الإعلامية تتحكم فيه وتتلاعب به. في كلمته أشار المترجم مصطفى محمود إلى أن اوتس في هذه الرواية تكتب سيرتها الذاتية، فبطلة الرواية تشبهها فهي امرأة كاثوليكية رومانية، والدها قس زوجّها من قس مثله لا تعرفه، هذا القس كان يعاني من مشاكل نفسية حيث أنه منقوص الرجولة بالإضافة إلى بذور الإلحاد الموجودة بداخله رغم تدينه والصراع النفسي الذي لم يستطع أن يحسمه في نفسه بين العلم والدين، ومن ثم قام بالانتحار في الشلالات، وهكذا تبدأ الرواية. فكل صراعات الرواية تدور بين التربية الدينية الصارمة وبين المجتمع الأمريكي المنفتح، وينتهي هذا الصراع بالدمار دائما. سمة شخصيات الرواية هي التناقضات دون تفسير لها، فالمرأة بطلة الرواية بعد أن ينتحر زوجها القس تتزوج من محاميها الذي ينتمي إلى طبقة غنية ويعيش حياة اللهو ولكنه بالرغم من ذلك ينجذب لتلك المراة الأرملة غير الجميلة دون سبب واضح. ثم تتصاعد أحداث الرواية لنتعرف على قضية الفساد التي شغلت المجتمع الأمريكي في الستينيات، حتى ينتهي الأمر في النهاية بقتل المحامي الشهير رغم أنه خسر القضية لكن يكفي إثارته لها. من الرواية .. " يونيو.. شهر العرائس. يونيو.. موسم حُب اليافعين. يونيو.. المهزلة. لكن إن لم تكن ساعة جي تشير إلى أنها ساعة الفجر، كانت سماء نياجرا توحي بأن الوقت زمنٌ غير محدد، مسربلة بالضباب، ، متوهجة مثل قاع قدر مغسول ورائحتها رائحة الكبريت والمعدن. نياجرا! عاصمة شهر العسل في العالم. لعله كان يعرف منذ البداية. لم يخدع نفسه قط. تم تعريفه بالمرأة حمراء الشعر، متلهفاً على تعزيز مكانته عند والدها المبجل ثاديوس ليترل قس تروي بنيويورك. تم تقديمه للمرأة حمراء الشعر التي كانت شفتاها الرفيعتان ترتعشان في تردد وتكشفان عن ابتسامة أمل، وعيناها الخضراوان الصغيرتان تحدقان فيه في بريق وصلابة كالزجاج. وقال لنفسه في حماقته وزهوه ويأسه أخت فاضلة! إنها مثلي. راح يسير في خطوات سريعة. حافي القدمين في حذاء رسمي جلدي، وكعباه ساخنان. كان خطأ ألا يرتدي جورباً لكن ليس لديه وقت. كان بحاجة لبلوغ النهر، كان بحاجة لأن يكون هناك. وكأنه، وبوجوده هناك فقط، يمكنه التنفس. المماشي الواسعة لشارع بروسبكت تتخللها برك المياه الصغيرة إثر سقوط الأمطار. الطريق المرصوف بالبلاط الصغير يلمع بالبلل. خطى إلى الشارع ومن حيث لا يعرف ظهر فجأة تروللي مسرع نحوه وانطلق بوقٌ صارخ وخبأ وجهه حتى لا يتعرف عليه أحد بعد ذلك في الصحف المحلية. إذ كان يعرف أن تصرفه في خزيه ويأسه سيبقى بعدما يرحل هو، وستُطمس شجاعته، لكنه لم يهتم لأن الوقت حان، الرب لن يغفر له أبداً لكن الرب سيمنحه حريته. كان هذا وعد الشلالات. في الليل سمع زئيراً يهدر وفي الهواء الطلق سمعه بمزيد من الصفاء، وأحس بالأرض تحت قدميه تهتز في حضور قوته. تعال! لك هنا فقط السكينة.