محمد عبده دعا للتغيير البطيء وأغرى الإخوان والسلف! محيط – سميرة سليمان جانب من الندوة استطاع محمد عبده أن يوجد نظرية لتعايش المسلمين مع العالم ، وكتب عن التغيير البطيء وليس الثورة العنيفة قصيرة الأمد ضد النظم الاستبدادية ، وناقش الاختلاف باعتباره ضرورة للحياة بين البشر ، من هنا فهو مادة دائمة للقراءة في كل وقت ، ليس بغرض التكرار وإنما لإعادة طرح التساؤل في أزمات لا يزال المسلمون يمرون بها حتى الآن . وأقام معرض القاهرة الدولي للكتاب يوم أمس ندوة لمناقشة الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده والتي قام بتحقيقها والتقديم لها د. محمد عمارة ، شارك فيها كل من رئيس تحرير مجلة "الأهرام العربي" د.عبد العاطي محمد ، أستاذ الفلسفة الإسلامية د.علي مبروك ، الأكاديمي والباحث بالخطابة السياسية د. عماد عبد اللطيف، والباحث بمركز دراسات الشرق الأوسط د. عمار علي حسن وأدارها د.مصطفى لبيب. رأى د. عمار علي حسن أن التيارات المختلفة وجدت ضالتها في فكر الإمام محمد عبده ؛ فمثلا مثقفو السلطة يمكن أن يجدوا لدى محمد عبده ما يبرر مسلكهم، كيف لا وهو المنادي بالتغيير من الداخل حيث استطاع إقناع السلطة السياسية أن تهتم بالتعليم وبالنخبة الفكرية الموجودة في المجتمع، فهو لم يكن منحازا إلى الشعب مثل عبد الله النديم ولكنه كان يؤمن أن التغيير يتم من خلال النخبة وليس من خلال العوام. أما السلطة السياسية فقد احتفت بظاهرة محمد عبده لأنه كان يؤمن بالتغيير البطئ الهادئ وليس الثوري مثل جمال الدين الأفغاني. محمد عبده أيضا مغري للإخوان المسلمين – يواصل د. عمار – فهم لا يريدون التغيير العنيف، والشيخ حسن البنا كان ضد الثورات وكان يؤمن أن تغيير قواعد المجتمع وتأهيله لأن يتقبل فكرة الحكم الإسلامي هو الأمر الأصلح لتقبل الإخوان، كما يتفق مع فكر محمد عبده الجماعات السلفية الدعوية رغم اختلافها مع مضمونه، لكنها ترى في إيمانه بالإسلام كدعوة، وتاكيده أن أصول الإسلام أبعد ما تكون عن السياسة ما يتفق معهم حيث كان لديه قول مأثور وهو: "لعن الله الساسة ويسوس ومسوس وسائس وكل ما يمت بصلة إلى السياسة". ومن ثم فهو مغري أيضا للسلطة السياسة في تكريسها للمثقف الذي ينتج الأفكار في برجه العاجي وليس المفكر الذي يبحث عن تطبيق أفكاره في الواقع. وفي نهج الإمام أيضا ما يرضي من يبحث عن تجاوز الفتنة الطائفية والإيمان بالحوار والتسامح، فحين كان مفتيا لمصر كان يستفتيه اليهود والنصارى كما يستفتيه المسلمون، كما أن له حوارات شهيرة مع المسيحين حول مسائل حيايتة. وبحسب د. عمار فإن الإمام محمد عبده لديه إجابة للأزمة التي نعاني منها حاليا وهي التضييق على حرية التعبير ففي خطاباته مع الأديب الروسي تولستوي أوضح أن الدين يؤمن بحرية التعبير والاختلاف ، وأن هذا هو سر الاحتفاء بمحمد عبده الذي سيطول في ظل غياب مفكر بديل يستطيع أن يثري الفكر العربي ويقدم إجابات على الأئلة المعاصرة التي تكتنف الأمة، وإلى أن يحدث هذا سيظل محمد عبده قائما متجاوزا الزمن بفكره ورؤيته. وفي مداخلة حول علاقة المثقف بالسلطة أوضح د. عمار أن المثقف في ظل السلطة الراهنة عليه أن يكون معترضا دائما، لا أن يؤمن بالتغيير البطئ من الداخل كما آمن محمد عبده، والدليل على ذلك أن كل المثقفين الذين انخرطوا في نظام السلطة تحولوا لمسامير صدأة في ترس بالي، فعلى المثقف أن ينحاز للناس لتتحول الثقافة إلى عربة تقود قطار التقدم وليست سبنسة في نهاية القطار. كما رأى أن المثقف يبرز دوره ويتضح في ظل سلطة رشيدة لها مشروع واضح تجتذب به المثقف، لكن المثقف الثائر هو ما يجب أن يبرز في ظل سلطة مستبدة لا تحترم الثقافة ولا المثقفين. الامام محمد عبده التجديد لدى الإمام استهل د. عبد العاطي كلمته بالإشادة بجهد د.محمد عمارة الذي حقق وقدم لأعمال الإمام محمد عبده، كما قدم كثير من الأعمال لكبار المفكرين مثل رفاعة الطهطاوي، الأفغاني والكواكبي وغيرهم، وأثره كفكر في إثراء المكتبة العربية والإسلامية ، معتبرا أن الفضل في نزعات العقلانية التي تميز المصريين والوسطية والاجتهاد والتجديد والفريق الضخم من المجددين في العقود الاخيرة تعود لكتابات محمد عبده. وكانت فكرة الإمام محمد عبده الأساسية التجديد ، أو الفكرة التي تهتم بإيجاد منطقة وسط في منطقة الصراع القائم بين تيارين كبيرين في القرن ال19 وهما تيار الجمود الذي ينظر للإسلام نظرة ضيقة ترفض الاجتهاد والتجديد، وتيار آخر يقابله هو التغريب الذي يروج لسيادة الفكر الغربي العلماني. وهنا انغمس محمد عبده في طرح رؤية عقلانية للإسلام وقرن ذلك بالعمل الفعلي الواقعي، فالتجديد لدى محمد عبده يعني الثورة على الجمود والانغلاق ونبذ التفسيرات الضيقة للإسلام، والتصدي للفكر العلماني. أيضا استطاع محمد عبده أن يكون جسرا حقيقيا بين الغرب والمسلمين دون أن يجزع المسلم لانفتاحه على العصر، كما حرص الإمام محمد عبده على تصحيح العقيدة لدى المسلم بعيدا عن الغيبيات وأن يقدم الإسلام الصحيح، حيث كان واثقا أنه إذا نجح في فعل ذلك فمن السهل على المسلم أن يتناول أي قضية في الحياة دون خوف. لكن الإشكالية في منهج محمد عبده تكمن – والحديث لا يزال لد. عبد العاطي – أن مدرسة التجديد التي قدمت على يد محمد عبده رغم ايجابياتها العظيمة لم توظف اجتهاداته الضخمة في شكل تيار واضح له رموز وآليات ومفكرين يحملون خطابه ويتبنوه، ومن ثم تحول هذا الجهد العقلاني للإمام في نهاية المطاف إلى اجتهادات فردية، ومن ثم لم يستطع الإجابة كيف يكون الإسلام مواكبا للعصر؟.
لماذا فكر الإمام الآن؟ في كلمته تساءل د. عماد عبد اللطيف عن سر استدعاء الإمام محمد عبده في عصرنا هذا والحديث عنه، وأجاب أن ذلك يعود إلى الأزمة التي تشهدها الأمة والتفرق الذي أصبح يحيط بها وتغليب هوية الفرد على هوية المجتمع. وربما يعود السبب أيضا – في رأي د. عماد – بمناسبة الحديث عن ضرورة تجديد الخطاب الديني ومن ثم فإن الحديث عن محمد عبده أمر واجب وحتمي بوصفه إصلاحي تجديدي ؛ فالإمام كان يرى أن مشروعه الإصلاحي لن يتم دون تطوير الفكر والدعوة إلى تحرره من السلف، والأمر الثاني هو إصلاح اللغة العربية وتطويرها سواء في المكاتبات الرسمية في الدولة أو المعاملات بين العوام. يضيف: لم يقتصر دور محمد عبده على الإصلاح والتجديد فقط لكنه كان صاحب جهد في تأسيس منهج لتحقيق الكتب القديمة ؛ لأن العرب والمسلمين في ذلك الوقت لم يكونوا على اتصال بمصادر ثقافتهم الأولى، حيث لم يكن هناك اتصالا كافيا بالكتابات الأساسية في عصر الازدهار الإسلامي من القرن الثاني حتى القرن الخامس الهجري. ومن إسهامات الإمام في هذا المضمار تحقيق كتاب "نهج البلاغة" للشريف الرضي لشرح بعض النصوص المنسوبة للإمام علي بن أبي طالب، كما قام بتدريس تلك الكتابات الأولى حين أتيح له ذلك في مشيخة الأزهر. كما أوضح د.عماد أن الإمام محمد عبده استخدم فنونا كثيرة ومتنوعة للتعبير عن أفكاره فمرة من خلال المحاضرة وهو الشكل الأقرب إلى نفسه، ومرة من خلال الرسائل التي كان يتبادلها مع كثير من المسلمين وغير المسلمين بالإضافة إلى الخطب الذي كان يلقيها، وكثير من المقالات وبعض الكتب. ويؤكد أن الإمام حاول أن يقدم محاولة لتجديد الفكر العربي عبر الانفتاح على الثقافات الأخرى وهو الأمر الذي لم نستطع التعامل معه بشكل فعال لأننا نجهل فن التواصل مع الآخرين، فحتى حوارات الأديان كثير منها حوار مع النفس وليس مع الآخر، ومن هنا كان من المفيد استحضار فكر الإمام محمد عبده لنستطيع تقديم قناعاتنا وتصوراتنا الدينية بشكل أفضل لنتحاور. خطاب مأزوم " يجب أن يكون استدعاء الإمام من أجل التساؤل لا من أجل التكرار" هكذا استهل د. علي مبروك كلمته للحديث عن الإمام محمد عبده، ويضيف: لابد من الإقرار أن العرب في أزمة حقيقية كتلك التي سبق لهم أن دخلوا بها القرن ال20 و القرن ال19، فالأزمة هنا مفهوم قائم باستمرار لم تستطع محاولات المثقفين العرب أن تقدم حلولا ناجحة للخروج منها. إن خطاب الإمام نفسه لم يقدم حلولا لتلك الأزمات ذلك ليس فقط بسبب عدم إكساب أفكاره للطابع المؤسسي، لكن لأن الأزمة قائمة داخل خطاب الإمام نفسه، فهو خطاب قائم على بنية التجاور بين عوالم متناقضة لا يمكن لها أن تجتمع أبدا. ويضرب د. مبروك مثالا على ذلك بنص الإمام المعنون "رسالة التوحيد" الذي يعيد فيه بناء علم العقائد، حيث يستدعي الأشاعرة حين يتحدث عن التوحيد، ويستدعي المعتزلة حين يتحدث عن الإنسانيات، وهما فرقتين متناقضتين يستحيل الجمع بينهما ومع ذلك اجتمعا في نص الإمام. إذن فالخطاب نفسه يعاني من مشكلات حقيقية – في رأي د. علي مبروك – فالإمام محمد عبده يتحدث عن العودة إلى الدين قبل ظهور الخلاف بين الفرق، حيث أن الخلاف لديه يمثل انحراف عن الوحدة التي شاء الإسلام أن يثبتها، أما في نهاية رسالة نص التوحيد يستدعي الإمام الخلاف باعتباره قيمة ايجابية ينبغي الأخذ بها. فالخطاب يجمع متناقضات تحير القارئ، فأيهما نصدق؟ محمد عبده الذي يرى أن الخلاف قيمة مرذولة وسلبية أم محمد عبده الذي يتعامل مع الخلاف كقيمة طبيعية لابد من استعادتها والتركيز عليها. على القارئ أن يختار المفهوم الذي ينحاز إليه، ونجد أن القرن الماضي يؤكد أن القيمة الكبرى التي تم استقبالها من خطاب الإمام أنه قيمة مرذولة وليس بوصفه قيمة إيجابية لابد من تفعيلها، فالمسلمون أنفسهم لا يقبلون المسلم المختلف معه عقائديا ناهيك عن الاختلاف في الدين، إذن فالخلاف لا وجود له الآن. أيضا الإمام انحاز إلى التعليم بوصفه مخرج للأزمة، والآن بعد قرن من التوسع في التعليم بمصر والعالم العربي لا تزال الأزمة قائمة، لأن التعليم لم ينجح في إرساء العقل النقدي، فها نحن نرى المفكرون العرب يعيدون نفس حلول المسائل التي طرحها الإمام من قبل وكأن العقل العربي توقف عن التفكير لنظل في مكاننا الثابت وكأننا ندور في حلقة مفرغة لا نستطيع الخروج منها.