الفكر الإسلامي عند المسيري ورضوان السيد غلاف العدد محيط – هالة الدسوقي صنف الدكتور عبد الوهاب المسيري نفسه ضمن ما يعرف بالخطاب الإسلامي الجديد، حيث لم يُعرف عنه نزوع نحو التكفير أو حب الخوض في مسائل أسلمة الدولة والفكر، ومع ذلك كان مع فكرة الأصالة والتأكيد على الخصوصية، وهو ما يفسره شهادة المسيري على نفسه بأنه علماني جزئي، وبالتالي ليس غريبا عليه أن يصرح بأنه حتى في اشتراكيته الأولى كان ماركسيا "على سنة الله ورسوله". وفي عدد ممتاز لمجلة رواق عربي، الصادرة عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وهو العدد 49/50 رسم الباحث المصري هاني نسيرة بروتريه عن المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري تحت عنوان "المسيري ليس أصوليا". واعتبر نسيرة أن المسيري كان علمانيا جزئيا وإسلاميا جزئيا ، وقد قال المسيري : "أنه لازال علمانيا جزئيا وإن التحول الذي قام به إنما يتمثل في رفض المركزية الغربية ورفض العلمانية الشاملة التي تعلن أن الله قد مات وأننا الذين قتلناه كما كان يقول نيتشه". وفي معرض نفي صفة الأصولية عن المسيري، يوضح الكاتب أن الأصولية منهج في التفكير ليس إلا، وبالتالي هناك علمانيين أصوليين أكثر من الإسلاميين أنفسهم. كما أن بعض من ينتمون للمرجعية الدينية ربما كانوا أكثر تنورا من كثير ممن يدعون التقدمية والتفكير العلمي، ومثال على هؤلاء الشيخ الإمام محمد عبده. وكان كذلك منفتحا ، وقد أثنى ذات يوم على الداعية الشاب عمرو خالد في مقال شهير ، كما رفض موقف مفتي الديار المصرية د .على جمعة – صديقه – الذي تحفظ على فن نحت التماثيل . انضم المسيري لحركة "كفاية" المعارضة، وشارك الجميع في الوقوف ضد مظاهر الفساد المنتشرة في مصر بيد مسئولين من الحكومة الحالية . حتى دراساته عن اليهودية والصهيونية كانت معرفية، ترفع اليهود عن فكرة الجوهر الثابت الأصولية لفكرة الجماعات الوظيفية التاريخية، حيث جاءت تحليلاته للسياسة الغربية والموقف من الصراع العربي الإسرائيلي غير تآمرية ولكن عملية تلح على المصلحة وتبادل المصالح، فقد رفض نظرية المؤامرة واعتبرها جبرية كسولة تحبس العقل والفعل معا. المسيري وأكد في موسوعته على التعامل مع اليهود كجماعات وظيفية وليس كجماعات إيدلوجية أو أصولية، ولم ينكر الهولوكست كما لم يؤمن ببروتوكولات حكماء صهيون. ويكشف لنا الباحث جانبا خفيا في شخصية المسيري، حيث كان عاشقا للنكتة ساردا عبقريا لها، وسكن "هوبه" كما كان يدعوه بعض الأقربين الطفل ولم تغادره ذكريات الطفولة في دمنهور حيث ولد. ولذا كتب قصصا كثيرة للأطفال كما كتب الشعر. كان المسيري دائما بسيطا كطفل لكنه في نفس الوقت شامخا كملك. رضوان السيد أما ملف "رواق عربي" فدار حول رضوان السيد ومسيرته الفلسفية بمناسبة بلوغه الستين، وهو أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية، الذي يُعد أحد أهم المثقفين الناشطين في حقبتنا الراهنة إلى جانب كونه أحد الفاعلين الرئيسيين في الحياة السياسية اللبنانية. وأهم ما يميز رضوان السيد عن باقي المثقفين المعاصرين له هو: إطلاعه على التراث الاستشراقي بجانب اتقانه المدونة التراثية الإسلامية ، نجاحه في نقل الاهتمام بالتراث من الدوائر الأكاديمية المغلقة إلى المجال الثقافي العام. ولم يخجل رضوان السيد من مراجعة أفكاره أكثر من مرة وإعلانه خطأ بعض أحكامه الأولى المتعلقة بالفتنة والنشأة التاريخية لمفهوم أهل السنة والقول بتراجع المشاريع النهضوية في حلقاتها المابعد عبدوية (نسبة إلى الإمام محمد علي). ورضوان السيد أزهري مقتدر، على حد تعبير وجيه كوثراني، قام بتأليف ستة وعشرون كتابا ما بين تأليف وترجمة وتحقيق وسبعة عناوين يعمل عليها حاليا. من آراء رضوان السيد حول فكرة الدولة المدنية في الوطن العربي ، أنها ليست "مدنية" الدولة هي المهددة فقط، بل فكرة الدولة ذاتها، ويرجع ذلك إلى أمرين رئيسين: أحدهما له علاقة وثيقة بالأنظمة السياسية السائدة والآخر له علاقة بالأوضاع الثقافية. فالحكام مؤبدون وليس هناك تداول للسلطة على أي مستوى ولا يصح الحديث عن "حكم القانون" في أكثر الدول العربية إلا من الكثير من الأقواس والتحفظات. خارطة الفكر الإسلامي كتاب لرضوان السيد رسم رضوان السيد خارطة للفكر العربي الإسلامي المعاصر عرضها في "رواق عربي" الكاتب والمفكر المغربي د. سعيد بن سعيد العلوي تحت عنوان "الإصلاحية والإحيائية - قراءة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر"، كالتالي: في النصف الثاني من القرن العشرين شغلت ثلاثة تيارات فضاء التفكير في البلاد العربية على الخصوص، بعد أن نضجت وتمايزت خلال العقود الخمسة الأولى من القرن المنقضي: تيار التقليد الإسلامي، وتيار الإصلاح والتجديد، وتيار الإحياء الإسلامي الطهوري. التيار الأول : يقصد به رضوان السيد الفكر الإسلامي الذي ظل سائدا في البلاد العربية الإسلامية قرونا عديدة، التي ينعتها دارسوا الفكر الإسلامي تارة بمرحلة الانحطاط وحينا يقال عنه زمن النهضة أو اليقظة الحديثة، ويحده رضوان السيد على النحو التالي: "إسلام المذاهب التاريخية، والطرق الصوفية، والتجربة العريقة والمتفاوتة مع الدولة أو الدول السلطانية والوطنية". وإشكالية هذا التيار هي إشكالية التقدم وكيف نستطيع أن نجاوز حال التأخر التاريخي المزدوج في تأخر بالنسبة لعصر ذهبي واقعي أو افتراضي كان للمسلمين فيه شأن وكانت الحضارة الإسلامية في موقع الريادة والتفوق بجانب تأخر بالنسبة لركب الإنسانية المتقدمة التي يمثلها الغرب الحديث. التيار الثاني : "تيار الإصلاح والتجديد" ويصفه السيد بكونه التيار الإسلامي "الذي حمل مشروعا للتغير والتقدم باستلهام روح الإسلام والتطلع للنموذج الغربي" أو في عبارة أخرى، إنه الفكر العربي الإسلامي المعاصر كما تم تشكله بين ثلاثينات القرن التاسع عشر، مع الشيخ رفاعة الطهطاوي والرحالين العرب الذين ارتحلوا من بعده إلى بلدان الغرب الأوروبي، وبين خمسينات القرن العشرين وكانت لهم من الحضارة الغربية مواقف تتميز بالرغبة في الأخذ والاقتباس. وإشكاليته تتمثل في الهوية، التي أوجدها تطور التاريخ في العالم العربي حيث انهار نظام الخلافة الإسلامية من جانب أول، وما كان من الكيفيات المختلفة التي ظهرت بها الدولة الوطنية التي أعقب قيامها حركات الاستقلال السياسي ثم ما كان من شأن النظم السياسية الجديدة التي رفعت شعارات لم يكن للإسلام فيها المكان الأسمى بالضرورة، وعن هذه الأمور الثلاثة ومن التفاعل الناتج عنها حدث "تأزم في وعي النخب الإسلامية في سائر أنحاء العالم الإسلامي وبخاصة الهند ومصر" التيار الثالث "تيار الإحياء الإسلامي الطهوري" ويحمل سمتين اثنتين بارزتين، الأولى هي سمة الطهورية الخالصة (puritanisme) وهي كذلك لأنها تسعى لكي تكون تعبيرا عن رفض مزدوج: رفض التقاليد، وتعني العودة إلى الجذور الأولى، فكل إضافة، أيا كان نوعها تعد بدعة مرفوضة إذن وهذا من ناحية، ورفض كل ظن حسن بالغرب وحضارته أو اقتباس منه وهذا من ناحية أخرى. عرضت الباحثة المصرية فاطمة حافظ لنظرة رضوان السيد للحرية الدينية في الدولة الإسلامية في بحث تناولت فيه فكرة "أهل الذمة" عند رضوان ، وهو نظام اقتصر في البداية على المسيحيين واليهود وامتد بعد ذلك ليشمل الزرادشتين "المجوس" والبوذيين والهندوس، ممن أدخلوا تحت فئة "الصائبين" الذين ذكرهم القرآن. وعلى الرغم مما يحاط بالمفهوم من مدلولات سلبية معاصرة فإن رضوان السيد ينظر إليه نظرة مغايرة ؛ فيرى أن نظام أهل الذمة قد تجاوز التعارف والاعتراف إلى ما يقرب من الأخوة، بحسب ما نص عليه القرآن، للاشتراك في أصل الإيمان بالإله الواحد والعقائد الأساسية . كما أن نظام أهل الذمة اجتهادي وليس قرآنيا إلا من حيث أصله ومن ثم، كان عرضة للتأثر بالظروف التاريخية وبعلائق الدولة الخارجية لاسيما في حروبها الطويلة مع الفرنجة والتي أثرت في تعامل الدولة مع رعاياها المسيحيين في الداخل، إلا أن هذا لم يتحول إلى سياسة مقررة في أي حقبة من الحقب. كما أنه يرى أن التقسيم إلى مسلمين وذميين تصنيف إسلامي داخلي وضع لأجل التنظيم وليس بغرض التمييز. رضوان السيد لا إكراه في الدين كتب رضوان أن القاعدة الجماهيرية المسلمة قد حكمها مع غير المسلم مبدأ "لا إكراه في الدين" إذ لم يجبر أحد من الذميين على اعتناق الإسلام بقوة الدولة أو الضغط الاجتماعي ، وبقى المسيحيون أكثرية في مصر والشام إلى عصر الحروب الصليبية وإلى ما بعد الأندلس. يشدد رضوان السيد على أنه بالرغم من بروز عدد كبير من الحركات والفرق الإسلامية في العصور الوسيطة والتي شكك بعضها في إيمان المخالفين لهم في العقائد والسلوك إلا أن المسلمين ما توصلوا قط إلى اشتراع "قانون إيمان" ذي بنود تخرج من الملة أو الدين أو تكون شروطا للدخول فيه. غير أن انتفاء هذا القانون لم يكن ليحول دون فرض الفقهاء تعزيزات على المرتدين عن الإسلام وذلك من منطلق أن الردة لا يمكن إدخالها ضمن دائرة الإكراه في الدين التي خضع لها غير المسلم، بيد أن الأمر انتهى إلى الاستتابه أو الحبس المؤقت. ولا نعرف إعدامات سياسية إلا ما يزيد على عدد أصابع اليدين وهي في الواقع حالات ظلم لها علل غير دينية أو أنها ناجمة عن ضغوط اجتماعية محافظة. والمحصلة، أن الاجتماع السياسي والثقافي الإسلامي شهد تطورات كبرى على شتى المستويات في القرون الثلاثة الأخيرة رافقتها حركة تعديلات فقهية واسعة بحيث غابت كثير من ملامح التنظيمات الوسيطة فأُبطل نظام أهل الذمة وحل محله نظام المواطنة. إلا أن الفقهاء لم يذهبوا بعيدا من مسألة عقوبات الردة فظلت باقية على حالها بسبب الهجمات التبشيرية المصاحبة للاستعمار الغربي خشية إذا تم التساهل في مسألة العقوبات أن تصب في صالح تسهيل مهمة التبشير. بينما لا يبدي رضوان السيد اقتناعا بهذا الطرح ذاهبا إلى أن الفقهاء أو كثيرا منهم يطالبون بما لا يطالب به القرآن الكريم الذي يكرر النص على الحرية الدينية ولا يشترع عقوبات دنيوية على المرتد.