آراء مختلفة شهدتها الندوة التي أقيمت الجمعة الماضية ضمن محور كاتب وكتاب الذي تقام فاعلياته يوميا بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، والتي ناقشت الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده، التى قدمها وحللها الدكتور محمد عمارة، والذي تغيب عن الحضور. الندوة التي أدارها الدكتور مصطفى لبيب- وتحدث فيها كل من الدكاترة: عمار على حسن، عبدالعاطى محمد، عماد عبداللطيف، على مبروك- لم تتناول أعمال الإمام الكاملة، بقدر ما تناولت تأثير منهجه الفكري، والذي كان يدعو لتجديد الخطاب الديني والسياسي، وارتباطه بالسلطة، ومدى ما تحقق من الأفكار التي طرحها فى عصرنا الحالي، وهى المسألة التى ركز عليها الدكتور عبدالعاطى محمد، موضحا أننا لم نستطع إلى الآن توظيف رؤية الإمام محمد عبده على أرض الواقع، رغم أننا نعيش حاليا نفس الظروف الإشكالية التي عاشها عبده منذ سنوات طويلة، والتي دعته إلى التفكير فى تغيير الخطاب الدينى، مما يدعونا إلى التفكير بجدية فى محاولة تنفيذ منهجه، وأوضح عبدالعاطى محمد أن أهم ما استطاع محمد عبده تحقيقه هو عمل الموازنة الصعبة بين تحديث الخطاب الدينى، دون أن يفقد هذا الخطاب مبادئه الإسلامية، أو بمعنى أوضح، استطاع أن يجيب عن سؤال: كيف يكون الإسلام معاصرا؟ وهو ما لفت مدير الندوة الدكتور مصطفى لبيب، وأشار إلى أن هذا لن يتحقق إلا بفهم حقيقة مهمة فى منهج الإمام محمد عبده، وهى أنه كان دائم المطالبة بما يمكن تحقيقه، وليس المطالبة بالمستحيل. كما أشار عبدالعاطى محمد، إلى أنه رغم اختلافه فى وجهات النظر مؤخرا مع الدكتور محمد عمارة، إلا أن هذا لا يمنع تقديره لأهمية العمل الذى قام به من جمع وتقديم وتحليل أعمال الإمام الكاملة الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب، وأن هذا يعد إضافة حقيقية فى هذا المجال. الدكتور عماد عبد اللطيف أستاذ اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، والباحث فى مجال الخطابة السياسية قال إن هناك عدة نقاط يجب التركيز عليها عندما نستدعى الحديث عن الإمام محمد عبده ومنهجه فى تغيير الخطاب الديني، منها أولا وجوب معرفة الفرق بين الخطاب، والخطابة، حيث إن أحد أطراف الخطابة متلقيا فقط، بعكس الخطاب الذي يعتمد على الرأي والرأي الآخر، مما يقودنا إلى نقطة أخرى، وهى أهمية الاعتراف بالآخر، حتى وإن كان معارضا لأفكارنا. كما يجب علينا الإلمام بأساليب الإقناع فى الخطاب، بالإضافة إلى أهمية تطوير وإصلاح اللغة العربية، والذي يترتب عليه تطوير الخطاب. النقطة الثانية التى أشار إليها عبد اللطيف هى الاعتماد على المصادر الأساسية فى الخطاب، بجانب محاولة إثراء أنواع هذا الخطاب، بمعنى أن يتم التواصل عن طريق عدة وسائل، مثل المحاضرة، أو الرسائل، وأشار إلى أن الإمام محمد عبده كان يتخذ هذه الطرق فى خطابه، لافتا إلى محاضراته، والمراسلات التى كانت تتم بينه وبين الأديبين الكبيرين تولستوى، وفرح أنطون، كما أكد عبد اللطيف على أهمية الانفتاح على الثقافات الأخرى. فيما جاءت كلمة الدكتور عمار على حسن والفائز بجائزة الشيخ زايد فى مجال بناء الدولة مؤخرا، شديدة الأهمية، حيث قال إن من أهم الجوانب فى منهج الإمام محمد عبده، أنه يوفر الشفاعة لتيارات سياسية، ودينية، وتوجهات متعددة، وأعطى عدة أمثلة على ذلك، منها أن مثقفي السلطة مثلا يجدون عادة مبرراتهم عند الإمام، حيث إنه كان يعتمد على الإصلاح من داخل السلطة، بعكس عبد الله النديم، أو جمال الدين الأفغاني الذين كانا يؤيدان الحركات الشعبية، وفى مقابل مثقفى السلطة، سوف تجده مُتكأ لجماعة مثل الإخوان المسلمين، والتى تعتمد على التشعب بهدوء، دون اللجوء إلى عنف أو محاولات ثورية، كما نجد أن الإمام يعد مرجعا لمن يؤمنون بأن التغيير يبدأ من حيث التربية والتعليم، وهكذا يصبح محمد عبده شفيعا معتمدا لدى أغلب التيارات الفكرية. الندوة حضرها أيضا الدكتور على مبروك الذى أشار إلى أنه رغم الكم الهائل من الجامعات المصرية، وأفواج الطلبة الذين يتخرجون كل عام إلا أننا لم نستطع تحقيق الإصلاح الذى كان يدعوا إليه الإمام محمد عبده من خلال التربية والتعليم.