باق على حسم معركتنا الانتخابية 9 أيام لتفصح الصناديق عن مكنونها، وتسعد الملايين بصحة اختيارها، وتنعم مصر بقدرها، وتلملم فلول الإرهاب أسمالها، ويدخل الاتحادية رجلها لنصفق له ولنا و..تسلم الأيادى.. هذا بينما لم يزل هناك 30 شهرا على موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى بات فيها الصراع محسوما بين جيب بوش الابن الثانى لجورج بوش الأب، والشقيق الأصغر لجورج بوش الابن وهيلارى كلينتون.. أى أن هناك كلاكيت لثانى مرة لمشهد السباق بين آل بوش وآل كلينتون العائلتين الأكثر شهرة بأمريكا.. وإذا ما كانت هيلارى تستعد الآن لمكتب البيضاوى فإن ابنتها تشيلسى علي خطى الوالدين تعد حملتها للترشح لمنصب عمدة نيويورك بعد حصولها على الدكتوراه في العلاقات الدولية من «اكسفورد».. ودائماً قلب الأم لا يريد للأبناء هدهدة الانتخابات ولا مرمطة وتطاول اللى يسوى واللى مايسواش فتحاول باربارا بوش إثناء جيب عن الترشح بقولها: «ألا يوجد فى الولاياتالمتحدة غير عائلة بوش؟!» ومثلها فى الرفض تأتى زوجته «كولومبيا» لحساسيتها الشديدة تجاه الأضواء التى تلاحق العائلة خاصة بعد تجريمها فى عام 1999 بشهادة الزور إثر عودتها من رحلة إلى باريس معلنة أمام رجال الجمرك الأمريكى أن كل ما تحمله من هدايا فرنسية لا يزيد ثمنها على 500 دولار، بينما ثبت أن قيمتها لا تقل عن 20 ألفا لتتلقفها أعمدة الفضائح رغم تسديدها قيمة الغرامة مضاعفة لكذبها، هذا إلى جانب اتهام الصحف لها بإهمالها فى تربية ابنتها «نويل» التى ثبت تعاطيها للمخدرات مما جعل الأسرة تعترف علناً بمصيبتها وتشارك فى برامج للوقاية من أخطار المخدرات وتُدخل الابنة مصحة لعلاج الإدمان.. ويعد «جيب بوش» المولود فى 1 1 فبراير 1953 والذى تولى منصب حاكم ولاية فلوريدا لفترتين متتاليتين من 1999 إلى 2007 هو الجمهورى الوحيد الذى حصد أصوات الأمريكيين من أصول إسبانية وإفريقية، حيث تعود تلك العلاقة إلى فترة تدريسه اللغة الإنجليزية فى المكسيك عام 1971 أثناء اشتراكه فى برنامج تبادل المعلمين ليلتقى فى 23 فبراير 1974 بزوجته المكسيكية "كولومبيا جارسا جالو"التى أنجبت له 3 أبناء أكبرهم جورج بوش الحفيد الذى يخوض الانتخابات المحلية الآن بولاية تكساس.. وعموما فإن أيّاً من الفائزين «هيلارى» أو «جيب» أو حتى المرشح الثالث السيناتور «راند بول» من ولاية كنتاكى الذى يسانده بشدة ملياردير الصحافة العالمى الأمريكى الاسترالى «روبرت ميردوخ» فإن مصير أى منهم إلى «الفقاعة» أى «السجن الأبيض الرائع» أو «العزلة الباهرة» التى يعيشها الرؤساء الأمريكيون فى مكتبهم البيضاوى خلف أسوار البيت الأبيض العتيد بما يحويه من 132 غرفة و32 حماماً وقاعة عرض سينمائى ضخمة، وملاعب للتنس والبولينج، وقاعة الجناح الشرقى المخصصة للولائم الرسمية الكبري، مع خدمة جيش كامل للتسوق، وعشرات من أمهر الطهاة والجارسونات، وفريق خاص لإعداد الملابس وتنظيف الأحذية، وفريق لرعاية أبناء ساكن القصر، والسكرتاريات الخاصة والعامة، والجناينية، والكوافيرات، وخبراء المساج والتدليك والمانيكير والباديكير.. وهى الفقاعة التى يصعب اختراقها ومن الصعب أن تجد طريقك خارجاً منها.. الفقاعة التى تعزل الرئيس عن الاتصال المباشر مع تفاصيل الحياة اليومية فى الشارع الأمريكى مما ينسحب على القرارات السياسية الخارجية التى تخضع لتقارير وكالة الاستخبارات وآراء الدبلوماسيين والسفراء المنتشرين فى العالم، إلى جانب الدراسات التى تقدمها مراكز البحوث الكبرى بواشنطن، وتعتبر صاحبة السلطة المطلقة لجماعة الفقاعة فى عهد باراك أوباما هى «فاليرى جاريت» التى يدور فى فلكها وتدور فى فلكه، وتبعاً لتقاليد البيت الأبيض تقيم رابطة الصحفيين الذين يغطون أخباره حفلا سنويا للعشاء لتبادل الأسئلة والأجوبة والنكات والقفشات حتى إن الممثل الفكاهى «ماكهيل» قد تمادى فى نكاته اللاذعة فى الحفل الأخير منذ أسبوع على لون بشرة أوباما إذ قال بسخرية خشنة: «ها هو الأسود من حى فقير من مدينة شيكاغو يعيش عالة على الحكومة، ويسكن فى البيت الأبيض بدعم حكومى، وقد أحضر زوجته وابنته وحماته السوداء ليأكلن على حساب دافع الضرائب الأمريكى تحت سمع وبصر الحكومة».. وقد ابتلع أوباما الدعابة السوداء التى كتب المعلقون أنها وقفت فى زوره لبعض الوقت.. هذا وكان من بين المدعوين إلى الحفل باربارا والتز «84 عاماً» أشهر مذيعة تليفزيون أمريكى بعدما أجرت مقابلة غير سياسية مع أوباما فى برنامجها الجديد «فيو» وكانت باربارا قد لاقت السادات لتكتب فى مذكراتها: «جلست أياماً بفندق شبرد فى القاهرة أنتظر مقابلة السادات وكانت خططى بعد لقائه السفر إلى إسرائيل لمقابلة رابين رئيس الوزراء، وفى أحد اتصالاتى مع مكتب السادات وكأنى لم أواجه ما يكفينى من البيروقراطية المصرية العتيدة ظهرت مشكلة كبرى أخرى.. لقد قالوا لى: (لن تقابلى الرئيس إذا كنت ستذيعين مقابلته فى نفس البرنامج مع مقابلة رابين، أو حتى فى نفس اليوم.. وتساءلت فيما إذا كانوا قد وضعوا أجهزة تجسس فى غرفتى أو هاتفى ليعرفوا نواياى وخططى، وقلت فى نفسى: لقد جاءتك نهاية ما تمنيت فى أن تكونى يوماً رسول السلام بين إسرائيل والعرب وإلى جانب أوباما استضافت باربارا فى جديدها (مونيكا لوينسكى) الموظفة السابقة بالبيت الأبيض التى كانت على علاقة مع الرئيس الأسبق (بيل كلينتون) بعدما خرجت عن صمتها بعد 20 سنة، حيث أعلنت بأنها تشعر بندم بالغ لتلك العلاقة التى استغلها فيها كلينتون، ورغم أنها كانت برضاء الطرفين إلا أنها كانت كبش الفداء لحماية الرئيس الأمريكى، وقالت ل(باربارا): (رفضت عروضاً بمبالغ كانت تصل إلى أكثر من 10 ملايين دولار وذلك لشعورى بأن هذا لا يصح) وأقرت لوينسكى بأنها فكرت فى الانتحار أكثر من مرة خلال التحقيقات، وانتقدت هيلارى كلينتون المرشحة المحتملة التى كررت اتهامها بأنها فتاة مخبولة مصابة بلوثة، وكان كلينتون قد نفى فى البداية علاقته بمونيكا وتحت الضغوط اعترف فى 17 أغسطس 1998 بأنه كذب على الشعب الأمريكى مُنكِراً بأنه لم يشهد زورًا، فالعلاقة لم تكن كاملة.. وظل يكرر إيمانه بنظرية ال(كومبارتمنتا لايزيشن) أى تقسيم حياة الفرد إلى عام وخاص، حيث لا يؤثر أى منهما على الآخر، وكانت لوينسكى فى (الكومبار) الأول الذى يستغله الآن تبعاً للأسلوب الأمريكى المتدنى فى المباراة الانتخابية راند بول ثالث مرشحى الرئاسة ضد هيلارى ليعيد تقليب مواجعها بقوله: «لقد استغل كلينتون الذئب فتاة ساذجة فى العشرينيات كانت تتدرب فى علي أعمال السكرتارية، حيث لا يوجد عذر لمثل هذا التصرف المخل بالمكتب البيضاوى». رجاء النقاش.. صياد اللؤلؤ مكثت أغار منه لقربه الشديد من الأستاذ أحمد بهاء الدين رئيس تحرير أخبار اليوم وقتها، كان موقعه فى الحجرة الملحقة لمكتب الأستاذ الذى يقوم إليه فجأة ليحادثه طويلا على انفراد ثم يعود إلينا ليلقى علينا ملاحظاته المبتسرة.. ولم أمكث زمنا تحت مظلة غيرتى من رجاء النقاش بعدما اجتمعنا معا على محبة بهاء وبعدما لمست فيه الحكَّاء الذى يجيد السرد ويمتلك ذاكرة تحتشد بحكايا الثقافة وطرائف المبدعين عبر الزمان، ويسيل منه عذب الكلام عن الذين يملأون حياتنا أدبا وشعرا أمثال نجيب محفوظ ويوسف إدريس ونزار قبانى وكامل الشناوى وزكى نجيب محمود.. وغيرهم.. وغدونا أصدقاء، فرجاء هو من يصادق ولا يعرف العداء. من يثق فى نفسه فيمجد مواهب الآخر. من ينقد ولا يجرح. من كلامه الهمس وصوته رنين العقل. من يصيبك بالفرح كلما التقيت به ويترك لك أغلى الذكريات كلما غاب عنك... من يقرأ بتجرد ويكتب بتجرد. من ينقد فتتجدد طاقة الكتابة لدى من كتب عنه. من له لغة مختلفة عن اللغة التى تتردد على ألسنة المثقفين المتقعرين الذين يدججون كلماتهم بالشعارات. من أعتذر عن أى جمع قبل أن أعلم بقدومه إليه، وعندما أعلم أكون فى مقدمة كشف الانتظار.. من تلقانى ابتسامته فأحظى بتوقيع الشطارة والمهارة والنجاح والفلاح واستمرار الكفاح. من أسمعه وأقرأه فأشعر بطمأنينة الغريب العائد إلى وطنه. من لم يكف عن صيد اللآلئ الحقيقية وأبدا لم تخدعه الشباك. من يتحدث بنوع من الصدق أقرب ما يكون للتقوى. من يمتلئ بطاقة هائلة من التواضع أمام النص الذى يتحدث عنه ويكشف أسراره مستخدما لغة لا يتعاظم فيها ولا يستعرض ولا يقحم الأسماء الأجنبية ولا يختلس مكان الكاتب.. من يعشق التاريخ فأعشق تفانيه فى كشف كنوزه لأصبح على رأس طابور زيارة متاحفه الثرية وحدائقه الغنَّاء... من يُنَقِّبُ عن الجمال فيكتشف عشق شكسبير لامرأة فى لون الأبنوس، وخطابات شعر الغرام بين أنور المعداوى وفدوى طوقان.. ابن النقاش ابن قرية منية سمنود بالدقهلية صاحب العيون الخضر الذى دعاه عبدالناصر عام1963 ضمن أعضاء المؤتمر الأول لكتاب آسيا وإفريقيا فدخل قصر عابدين للمرة الأولى لينبهر بناصر وبعابدين: «وقفنا فى صفوف متراصة ومر علينا عبدالناصر وصافحنا واحدا واحدا فرأيناه عن قرب وأدركنا صحة ما كان يقال عنه من أن له هيبة وسحرا وجاذبية وعينين مليئتين ببريق استثنائى يأسر القلوب.. كان هذا كله صحيحا، فقد مستنا كهرباء عبدالناصر فاهتزت منا الأعصاب والمشاعر، وأدركنا جميعا أننا فى حضرة رجل عظيم.. وبعد أن انتهت المصافحات انتقلنا إلى قاعة العشاء التى تخطف الأبصار من فرط جمالها وبهائها، وكان سقفها كله مطليا بالذهب، وكلما نظرنا إلى هذا الجمال شعرنا كأننا نعيش ليلة من ليالى ألف ليلة، مع فارق واحد، هو أننا لم نكن أمراء ولا أصحاب مال أو سلطان، بل كنا فى معظمنا فقراء أبناء فقراء، ومن كان منا أفضل من ذلك فهو فى أحسن الفروض من متوسطى الحال، وكنا ندرك جميعا أنه لولا عبدالناصر الذى فتح لنا الأبواب وقال لنا: ادخلوا، ما كان لنا أبدا أن ندخل هذه القاعة الذهبية فى قصر عابدين، ونحن آمنون بأن الشرطة لن تقبض علينا وتسيء بنا الظنون، فقد كان قصارى ما نحلم به هو أن نرى الأسوار الخارجية لقصر عابدين ثم نعود إلى بيوتنا سالمين غانمين». رجاء.. الخجول الذى يشتد خجله كلما تكاثرت من حوله أمواج الثناء فيسقط فوق وجهه قناعا من الجدية والوقار لا يرى ولا تسمع أصداء الإعجاب، وينظر بعيدا وكأنه يبحث عن ذلك الشخص الذى يزجون إليه عبارات الثناء وكأنه ليس رجاء.. وكأنه ليس رجاء النقاش الذى غادر مقعده بجوارى فى مدينة دبى عام2005 متعثرا فى خجله متقهقرا فى سيره كطفل يساق عنوة إلى سبورة الامتحان ليحل مسألة حساب مستعصية، وكان رجاء يومها مدعوا للصعود إلى منصة التكريم العربى الكبير، حيث قام الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولى العهد بتسليمه جائزة «شخصية العام» تقديرا لدوره الثقافى العربى الكبير.. ويومها بحثت عن صورة المحتفى به لنشرها فلم أجده سوى متواريا فى آخر الصفوف لا يكاد يبين.. وتلك هى أخلاقياته وتصرفه ونهجه الذى لا يحيد عنه بالفعل أو بالقلم فهو القائل: «كن عبقريا فى عملك أو شخصية مهمة هنا أو هناك بما تملك من ميزات وجهود تبذلها ولكن عليك أن تعيش كإنسان طبيعى يتعامل مع الذين حوله تعاملا هادئا يسيرا بسيطا لا تكلُّف فيه». ونمت بيننا أنا ورجاء زهور الوداد زمنا، أدفع فيه عنه أى قول يخدش شفافية الصفاء، لكنى عدت غصبا عنى أغار ثانية منه بسبب اقترابه من نجيب محفوظ إلى حد الجلوس إليه لمدة عام (1990 1991) مع خيوط الصباح ثلاث ساعات يوميا ليسجل معه ما يقرب من خمسين ساعة كاملة فى مقهى على بابا الصغير بميدان التحرير فى وسط القاهرة ليخرج بعدها بكتابه المذهل الذى حشد فيه الأفكار والآراء الجريئة بل والمثيرة أحيانا التى سمعها من نجيب محفوظ، ورغم اقترابى من صاحب نوبل سنين مديدة على الجانب الآخر حيث خصنى وحدى بجميع أعماله منذ عام1990 حتى عام2006، وكان لى فى مكتبه درج خاص بي، إلا أننى من بعد أن أهدانى رجاء النقاش كتابه المرجع الفريد عن محفوظ، سامحته وعدت إلى موقعى منه شغوفة أبدا لحلو حديثه وعذوبة نقده وتجليات تواريخه.. واجتمعنا معا على حب محفوظ. وتعكس لفظة المشروع عند رجاء النقاش مفهوم الإيجاز فى رؤيته للزعماء، فيرى أن المشروع الناصرى كان فى أن تصبح مصر بلدا آخر قويا له تأثير محسوس على المحيط الذى تعيش فيه، ومشروع السادات كان فى نظرته الواقعية التى تقوم على رفض الأفكار السابقة والاعتراف بالحقائق الموجودة أمام العين، وفى تلك النظرة يرى النقاش جوانب إيجابية لأنها تقلل من تأثير الأوهام والخيالات والأحلام على المواقف والقرارات، ولكن السادات فيما بدا للنقاش قد بالغ فى واقعيته، وأضاف إليها لزوم ما لا يلزم.. أما عن الرئيس مبارك فلا يملك النقاش أن يقول عنه شيئا سوى: «إننى من المحبين له والمقدرين لجهوده كما أننى أثق فى وطنيته وإنسانيته وأنا مدين له كثيرا، فلولا رعايته لى بعد محنة مرضى منذ أكثر من عامين لكنت الآن فى عداد الموتى منذ وقت طويل».. ويأتى مشروع رجاء النقاش نفسه بدخوله عش الدبابير حيث يطالب بالإصلاح الدينى وتحرير القرآن من قيود منها انعدام وجود تفسير عصرى سهل للقرآن، ومنها الإصرار على عدم كتابة مصحف بالخط العصرى المعروف، والإصرار على أن تكون كل المصاحف مكتوبة بالخط القديم مما يشكل عقبة رئيسية أمام كل الأجيال الجديدة التى تريد أن تقرأ فتجد فى كتابته عناء شديدا قد يصرفها عن القراءة، ففى المصاحف الحالية نقرأ هذه الكلمات: الصرط بدلا من الصراط والصلوة بدلا من الصلاة والزكوة بدلا من الزكاة وأبصرهم بدلا من أبصارهم وظلمت بدلا من ظلمات والسموات بدلا من السماوات وجنت بدلا من جنات... الخ.. ويرى رجاء أنه من واجبنا ولاشك أن نحتفظ بالمصحف القديم بخطه المعروف، فذلك مقدس عزيز من مقدساتنا لا يجوز أن نتخاذل فى الحفاظ عليه، ولكن يجب أن تكون لدينا الشجاعة الدينية الكافية لكى نطبع مصحفا خاليا من الحروف التى تجعل قراءته صعبة إلا عند المتخصصين فى قراءة القرآن، وليس هناك أى نص دينى مقدس يحرمنا من هذه الخطوة بل إن روح الدين تتمثل فى أن الدين يسر وليس عسرا، وكل ما ييسر الدين بدون الخروج على جوهر مبادئه أمر مطلوب.. ويمضى رجاء فى قوله: إننى استفدت من القراءة المتأنية للقرآن الكثير من المعرفة باللغة العربية، لا من حيث الألفاظ فقط، ولكن من حيث التذوق والتصوير الفنى القادر على التأثير الكبير فى النفس، وكنت شغوفا بحفظ القرآن الكريم فى السن المبكرة، وقد ساعدنى والدى على ذلك لأننى كنت أجد صعوبة فى قراءة أية سورة وحدى، ولا أتصور أن هناك من يحب الثقافة ويريد أن يكسب لنفسه ذوقا رفيعا سليما يمكنه من أن يصل إلى شيء من ذلك دون أن يقرأ القرآن قراءة فهم واستيعاب من الناحية اللغوية والأدبية والأخلاقية، أما الناحية الدينية فمن البديهى أنها واجب على الجميع... ولقد ساعدنى على تذوق القرآن أن جدى كان مقرئا للقرآن فى القرية وكان صاحب صوت جميل.. النقاش الغواص فى بطون التاريخ الثقافى والاجتماعى والسياسى المصرى البعيد والقريب.. بالله عليكم من كان منا بدون رجاء يعرف كمثال أن أم كلثوم التى صاحبها رجاء فى أكثر من جولة فنية فى السودان وليبيا ونسج من لقاءاتهما الحوارات أنها كانت أول فتاة تمشى بين الرجال فى الشارع تشيع جنازة رجل من تسعين عاما عندما قررت أن تمشى خلف نعش أستاذها الشيخ العظيم أبوالعلا محمد.. أو أن الإمام محمد عبده كان فى منفاه بباريس يدخل الأوبرا الفرنسية بصحبة الأميرة نازلى فاضل وهو بالعمامة.. أو أن الشيخ طه حسين فى فترة تعليمه بالأزهر لم يجد حرجا من دينه ولا أخلاقه فى كتابة أغنية يقدمها للموسيقار كامل الخلعى لتغنيها منيرة المهدية وتسجلها شركة الفونوغراف فى اسطوانة مكتوب عليها من كلمات الشيخ طه حسين: أنا لولاك كنت ملاك، غير مسموح، أهوى سواك.. سامحني فى العشاق أنا مشتاق أبكى وأنوح بالأشواق.. صدقني عهدك فين يا نورالعين إزاى تهوى اتنين.. جاوبني واحد بس، يهوى القلب، قلبى يبوح له بالحب.. طاوعني أنا أهواك ومين قسّاك أنا مجروح وغايتى رضاك.. واصلني ما أحلاك وقت رضاك، لما تلوح ما أبهاك.. كلمني ويقطع النقاش الشك باليقين فى أمر تقبيل طه حسين ليد الملك فاروق بنشره رسالة طه إلى رئيس تحرير روزاليوسف: «أنت لا تعلم أن فاروق أرسل إلى الرسل بالمغريات سنة (1945) فلم يجد إلى إغرائى سبيلا، وإنما رددت رسله ردا رفيقا كريما فيه كثير من ارتفاع عن الصغائر، ولو شئت لبلغت من فاروق وسلطانه وماله وجاهه ما أردت، ولكنى لم أرد، لأنى رأيت الكرامة والوفاء والصدق فى خدمة الوطن أغلى من المال والسلطان، ولأن الشىء بالشىء يذكر فقد شهد شاهدان أمام محكمة الثورة بأنى قمت مع غيرى من الوزراء بتقبيل يد فاروق، والله يشهد ما قبلت يد فاروق ولا يد أبيه ولا يد عمه السلطان حسين ولا يد ابن عمه عباس حلمى الثانى حين كان أميرا لمصر، ولا يد ملك من الملوك الذين لقيتهم قط والله يشهد أننى ما قمت بتقبيل يد أحد من الناس إلا أن تكون يدى أبوىّ أو يد بعض شيوخنا فى الأزهر رحمهم الله، ولا أستثنى من ذلك إلا يد سيدة أجنبية كانت ترفع يدها بشفتى إلصاقا». ومن كان سيعلم إذا لم يخبرنا رجاء بأن الرئيس الأمريكى تيودور روزفلت عندما قام بزيارة جامعة القاهرة الأهلية التى يرأسها الأمير أحمد فؤاد فى عام1910 اعترض فى خطابه على وضع دستور للبلاد بحجة أن المصريين ليسوا أهلا بعد لأن يحكموا أنفسهم بأنفسهم وأن يحمدوا الله على نعمة الاحتلال الإنجليزى وعليهم الانتظار سنوات طويلة حتى يمكنهم التفكير فى حكم أنفسهم.. واشتعلت البلاد بالغضب وقاد محمد فريد مظاهرة الاحتجاج إلى فندق شبرد محل إقامة روزفلت مطالبين بسقوطه، وانهالت عليه رسائل السخط ومنها رسالة بالفرنسية كتبها ثلاثة من المحامين المصريين جاء فيها: «إنك أردت مجاملة الإنجليز على حساب المصريين ومن كان خليفة واشنطن العظيم يجدر به أن يقدر الحرية حق قدرها».. وسارع روزفلت بالهرب، ولم تكن الطائرة قد ظهرت حتى ذلك التاريخ1910 فاستقل القطار من محطة مصر الثائرة لمحطة الإسكندرية الهادرة إلى الباخرة حيث لم تستغرق زيارته للبلاد سوى ثلاثة أيام مهرولة ليغادرها غير مأسوف عليه. النقاش الذى عاش واقع صحافتنا المحنة وليست المهنة.. صحافة لا تقوم على تقاليد راسخة مهما قيل فيها وعنها من مواثيق وعهود ولوائح.. مهنة المحنة ليست مثل غيرها من المهن، فلا مكان للسن أو الخبرة، وليس هناك من يفرض عليها أن تحقق الراحة والوقت لمن بذلوا فيها جهدا كبيرا وأضاعوا عمرهم عليها، فأنت فى الجامعة كمثال إذا ما وصلت إلى منصب الأستاذ لا يستطيع كائن ما كان أن يعيدك فجأة إلى منصب المعيد أو إلى مدرج الطلبة أو لتقديم صينية القهوة لسيادة العميد، ولكننا فى صحافتنا لا نتهيب من شىء أو نضع فى عيوننا حصوة ملح، فأنت تصل إلى منصب مرموق ثم فجأة تجد روحك خاضعا لشلوت اطلع لى بره.. فجأة تعود إلى مقاعد صغار المحررين، فلا مكتب لك، ولا تحية لك ولا سيارة لك، بل إنك بعد الجهد المرير والعمر الطويل فى خدمة المحنة قد تجد صعوبة بالغة فى نشر كلمتك والتعبير عن نفسك.. إنها مهنة بلا وفاء لأهلها خاصة من بعد سقوطهم فى جب التعب.. وتظل كلمات رجاء النقاش شاهدة على هذه المحنة المهنة.. كلمات قالها وهو لم يزل فى الستينيات فى وقت لم يكن يعرف فيه أن مشوار التعب لم يزل طويلا طويلا ليدركه فيه المرض ويجعلنا جميعا فى لهفة عليه نبتهل إلى الله داعين له بالشفاء ليظل يعتب على حاله: «صدقونى إذا قلت إننى أعمل فى الصحافة الآن كما كنت أعمل عندما بدأت حياتى الصحفية وأنا طالب فى الجامعة.. نفس الجهد.. نفس التعب.. نفس المعاناة. أبدا لم تحفظ لى هذه المهنة قيمة الجهد الذى بذلته بحيث أجد من حقى أن أعمل بهدوء وبكمية أقل ونوعية أرقي».. وليس هذا حالى وحدى فهو حال الكثيرين غيري.. ألهث فى ساحة العمل الصحفى كما يجرى أى شاب صغير من أجل لقمة العيش!».. ويرحل صياد اللؤلؤ فى نفس يوم نشر هذا المقال، ولم يقرأ سطورا وددت لو قرأها، لكن القدر كان قد اختاره قبل دوران ماكينة الطباعة بلحظات، وليس منّا من يقرأ الغيب.. عزيزى رجاء.. بعدما انقضى على رحيلك أسبوعا.. سبعة أيام بلياليهم فوجئت بمكالمة هاتفية من «هانيا» رفيقة دربك وأميرة قلبك السيدة الجليلة زوجتك تسألنى متعجبة فيما إذا كنت حقيقة قد كتبت عنك كلماتى هذه ليلة وفاتك دون أن أدرى.. فسألتها وكيف بالله عليك كنت أدرى!!! أموت وأعرف لابد وأن يكون المستشار محمود مكى أحد ضفتى إخوة القانون مكى شقيق وزير العدل السابق ومستشار المعزول محمد مرسى يحيا الآن ويدور داخل إطار غاية فى الأناقة واللمعان بعدما قام بطلاء حوائط شقته وتجديد ديكوراتها وتغيير تكييفاتها وتعليق ستائرها ونسف حماماتها وتركيب أرضيات الرخام والأرو المسمار وذلك فى فترة سنة عمله مستشاراً بالاتحادية، وألا يكون تساؤلنا البديهى هنا لا محل له من الإعراب.. فماذا سيكون السبب بالله عليكم غير البياض، والمحارة والتنجيد والتجديد الذى دعاه لترك فرشته في شقته الخاصة على مدار عام وجرجرته للإقامة مع أهل بيته وضيوفه وعشيرته في فندق خمس نجوم داخل جناح كامل تجاوره أربعة غرف لوكس مما ترتب عليه مطالبة الفندق لمؤسسة الرئاسة بتسديد فاتورة قدرها مليون جنيه.. وأموت وأعرف المستشار بيشتغل إيه؟! نقلا عن جريدة " الاهرام" المصرية