بهاء طاهر: لغته حقيقة تشبهه ولديه الصنعة والموهبة سعيد الكفراوي: الخراط طوال مشروعه يرسم وجهه وهو أحد مؤسسي الحداثة العربية جابر عصفور: إعادة طبع أعماله الكاملة يعيد الاعتبار للرواية عبد المنعم رمضان: الخراط هو أحد أولياء مجتمعنا..ولم يكن كاتباً جماهيرياً "ليلة في حب إدوار الخراط" هكذا اجتمع المثقفون مساء أمس في دار التنوير للنشر؛ للاحتفال ببلوغ الكاتب الكبير إدوار الخياط الثامنة والثمانين من عمره. بدا الخياط شاباً من جديد، فقد أعادته حفاوة أصدقاؤه إلى أيام الصبا متذكراً معهم أجمل ليالي العمر. شارك في الاحتفال مجموعة من كبار النقاد والكتاب والأكاديميين والمتخصصين في أدب إدوار الخراط، على رأسهم د.جابر عصفور، وبهاء طاهر، والناقد حسام نايل، وسعيد الكفراوي، والسياسي محمد أبو الغار، وصاحبة دار "العين" د.فاطمة البودي، والشاعر عبدالعظيم رمضان، والروائي إبراهيم عبدالمجيد، ومحمود الورداني، وآخرون؛ وأعلنت دار التنوير حصولها على حقوق نشر الأعمال الكاملة للخراط، وقال الناشر جوزيف رزق الله أن نشر الأعمال الكاملة يعد علامة على الطريق، وهدية من مصر للعالم بأكمله، وهي خطوة تحقق إنتاج المعرفة الذي نحلم به. وصفه الناقد الكبير أو "شيخ النقاد" كما قال عنه المثقفون اليوم د.جابر عصفور بأنه كالهرم وأن الوسط الثقافي لن يتوقف أبداً عن الاحتفاء به أو بكتاباته الخالدة. وتابع: أن إعادة طبع أعماله الكاملة والتحمس لنشرها يعيد الاعتبار للرواية، بعد أن صبحنا نعيش في زمن الروايات الرائجة السريعة التي تملأ كل المكتبات وأصبحت ظاهرة تفرض نفسها. تمنى الكاتب الكبير بهاء طاهر أن يحضر عيد ميلاد الخراط ال99" قائلاً: حضرت احتفاله بعيد ميلاده السابع والسبعين، فهو مغرم بالأرقام المتكررة وأنا معه في ذلك. يتابع طاهر: كتبت في إهدائي أول كتاب له وقلت: إلى الصديق الكاتب الكبير والمعلم، وكنت أقصد كلمة "معلم" بمعناها الفصيح والعامي. فقد بلغ ادوار الخراط الحد الأقصى من الصنعة والموهبة. كنت أعمل في الإذاعة – يواصل – وكان هناك ما يسمى بالبرامج الخاصة، وحين اطلعت عليها وجدت كتابتها ساحرة، وسألت عن صاحبها فكان الجواب: ادوار الخراط. ومنذ ذلك الحين وأنا مفتوناً بلغته وكتابته ، فأنا أول وأقدم المعجبين وسأظل للأبد. كتب برامج للإذاعة عن المسرح المصري القديم، وكانت له سلسلة دراسات عن المسرح اليوناني، كان يعمل بهدف ان يغطي فكرة ويتناولها بعمق عبر حلقات إذاعية متتالية، وأتصور أن ما كان يفعله للإذاعة هو نفس ما كان يفعله في كتابته الأدبية التي رسمت مجرى عذباً في سياق الرواية العربية. ووصفه قائلاً: تعامله مع اللغة لا يمكن مقارنته بغيره، فهو ناثر وشاعر، ونثره كالسبيكة الذهبية، لا يمكن التعديل أو التحسين بها. فكل خبطة معول تخرج سبيكة من ذهب في عمل روائي، ومن لم يتذوق العمل تسحره اللغة. يتابع: وجه الخراط ذات يوم نقداً لأحد الكتاب، كان يكتب لغة صوفية وسألني ادوار هل هذا الكاتب متصوفاً او كان له تجربة في التصوف فقلت لا، حينها انتقده لأنه كان يؤمن أن اللغة يجب ن تكون حقيقية وصادقة، وأنها مهما حملت من زخرفة أو طلاوة ستفتقد للتأثير إن لم تكن صادقة، لذلك كان ادوار الخراط كما عرفناه وستبقى أعماله خالدة وباقية؛ تزداد حلاوة كلما مر عيها الزمن، فكتابته مثل "الخمر المعتق"، تتكشف امام القارئ حيناً بعد حين ليدرك أنه امام كنز ذهبي سبائكه لا يعتريها صدأ!. من جانبه وجه القاص سعيد الكفراوي التحية إلى زوجة "الخراط" التي فتحت بيتها لاستقبال شباب الكتاب، للتعلم من "الخياط"، لافتاً إلى أن الخراط تعرف إلى أدباء المحلة ومنهم جار النبي الحلو، والشاعر فريد أبوسعدة، قائلاً: انتقلت إلى القاهرة عام 1969 ومن يومه لم تنقطع علاقتي بادوار الخياط، الذي يعد أحد مؤسسي الحداثة العربية فقد كتب القصة والرواية ورسم اللوحة وله الفرادة في الأدب العربي الحديث. يتابع الكفراوي: تقام ليالي السمر في مصر، ويتم الاحتفاء بمن يستحق ومن لا يستحق، وتجري مصر في الشوارع باحثة عن فرعون جديد، و"ادوار" في بيته لا يقلق أو يقض مضجعه، وهنا – يواصل الكفراوي – أتذكر ما قاله الكاتب الأرجنتيني "بورخيس": الذي رسم البحار والمحيطات والأنهار والنور والسماء والأرض وقبل أن يرحل تأمل ما رسمه فوجد أنه رسم وجهه، يعلق الكفراوي: هكذا فعل "الخراط" فأعماله انعكاس لنفسه، وطوال مشروعه رسم وجهه. وصف الروائي إبراهيم عبدالمجيد أنه منذ بداياته غير متوافق مع المجتمع الأدبي، فقد اختار التجديد، ورغم ذلك فجميعنا أولاده علّمنا الكثير، وقد أرسلت له قصة منذ كنت في التاسعة عشر من عمري، وذكرني بها في ال80!. وأثنى عبدالمجيد على طبع دار التنوير لأعماله الكاملة، قائلاً: هي فرصة للأجيال اجديدة من الكتاب، الذين لا يبذلون جهداً في الاعتناء باللغة أن يتعلموا من ادوار الخراط، مضيفاً: ربما طبع اعماله الكاملة تكون فرصة لأن يستعيد الأدب وجهه الحقيقي. أحد الأولياء قال عنه الشاعر عبدالمنعم رمضان، أن كل السابقين عليه اهتموا بماذا يقال، لكن الخراط وحده اهتم بكيف يقال، ولفت إلى أن المحتفى به لم يكن يوماً كاتباً جماهيرياً؛ ولم يكن معنياً بذلك، بل انشغل بأن يكون كاتباً للمستقبل وهو ما نجح فيه بالفعل. وروى رمضان قصة عراقية، عن أن أحد الريفين سافر إلى انجلترا وحين عاد، روى لأهل بلدته كيف نه رأى قطاراً يسير على قضباناَ، فاتهموه بالجنون، وبعد أن عرفوا القطار نصبوه ولياً. ليعلق قائلاً: ادوارد الخراط أحد الأولياء في مجتمعنا!. ألقى الشاعر ماجد يوسف قصيدة كتبها عام 1984 لادوار الخراط تحت عنوان "مراية نسر" نقرأ منها: منين صدفة وانا راصد سماك في الجو من الاول/ وبتستف على بهوك في غابة نور/ بحار من فضة مكنونة في روح بلور. ليختتم القصيدة بقوله: كفاية ان النسور تكتب بمنقارك ومنقارنا/ تاريخ السامي والمنحط. من جانبها طالبت الناشرة فاطمة البودي النقاد بالاحتفاء بالأعمال الكاملة لادوار الخراط بعد صدورها، لتنال أعماله الاهتمام النقدي اللازم. الروائي محمود الورداني أكد أن تعرف في بداية السبعينيات على ادوار الخراط، وذهبت إلى منزله لاكتشف أن "الخراط" لديه ملف عن كل كاتب يجمع به أعماله المنشورة ويكون عنها رأياً، مؤكداً أن الخراط صاحب إنجازات كبرى، فهو مثلاً من كتب "مشاهد من ساحة القصة القصيرة في السبعينيات" قدم به موجة من الكتاب في هذا الوقت، فدين "الخراط" على الحركة الأدبية كبير جداً. وقال محمد أبو الغار، أنه في أوائل السبعينيات كان مهتماً بالأدب السكندري، الذي كان معظمه لأدباء وشعراء غير مصريين، أجانب كانوا يعيشون في الإسكندرية. لكنني في كتابات ادوار الخراط قرأت عن الإسكندرية بعيون مصرية، في البداية لم استسغ لغته لكني تعودت عيها فيما بعد. ووصفه الشاعر محمد عيد بأنه يعتني باللغة كثيراً، حتى أنه يظل نموذجاً يحتذى به في الثقافة العربية إلى أمد بعيد، قائلاً: لغته توحي له بأنه لا يموت، مؤكداً ان إعادة طبع أعماله تحمل فائدة كبرى للأجيال الجديدة. وتذكر الروائي منتصر القفاش موعد صالون ادوار الخراط الذي كان موعداً ثابتاً من كل اسبوع لاستقبال تلامذته ومحبيه، كن ذك في النصف الثاني من الثمانينيات وأوائل التسعينيات. كان معظمنا يقرأ أعمالاً جديدة، والخراط يستمع ويعطي تعليقات عابرة أو بسيطة، لكن حين يتوقف عندها الكاتب ويفكر بها، يرى أنها في صميم العمل . أرى أن ما يميز ادوار في إبداعه أنه مرتحل دائماً، فالمتأمل في عمله يرى أن كل عمل له وخصوصاً الأعمال السردية تحمل مغامرة ورحلة تكاد تكون بدون أمان أو هدف أو خرائط. من جانبه قال الناقد حسام نايل، أنه داخل أسوار الجامعة لم يسمع اسم الخراط حتى عام 95، وتردد على مسامعه عام 1997 من د.جابر عصفور، قائلاً ان نجيب محفوظ فقط هو من كان دائم الذكر داخل أسوار الجامعة، يقول: سمعت عنه للمرة الثانية في صالون د.عبدالمنعم تليمة. وعقد نايل مقارنة بين محفوظ والخراط قائلاً: أن اعمال محفوظ الأدبية تخرج من خلال أطر تفسيرية كبرى تمنح العالم معنى حسياً، لكن الخراط رغم إيمانه بالمعنى لكنه هنا ليس بعيداً عن الخطر، فاعماله يشيع بها الميل الواضح للتشكيك في الأطر السردية الكبرى. يذكر أن إدوار الخراط يعتبر اسمًا متفردًا في الكتابة الأدبية على مستوى مصر والعالم العربي، حيث تمثل أعماله اتجاهًا متطورًا في الكتابة الرمزية والحداثية، دون أن يسترعي ذلك انتباه النقاد، فباستثناء دراسة أو دراستين على الأكثر، لم يحظ الخراط بدراسة وافية وشاملة تكشف عن ملامح وسمات مشروعه الإبداعي الضخم.