"أعماله مثل اللحم المشفي بلا دهن أو شغت"، هنا وعلي وقع هذه الجملة، توقفت إيزيس عبد الحكيم قاسم عن البكاء، وضحكت، أضحكها الروائي خيري شلبي،لكي تتمكن من استكمال كلمتها، في الجلسة الافتتاحية لندوة "أيام عبدالحكيم قاسم" التي عقدت لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة علي مدار يوم الخميس الماضي. وأمام أهل قاسم الذين جاءوا بالجلاليب من قريته بمركز السنطا بمحافظة الغربية لحضور ندوته، وقد تسابقوا في جلسة الشهادات لإلقاء كلماتهم عنه، قالت إيزيس: نتذكر عبد الحكيم قاسم كل يوم، لقد كان شديد الانخراط في حياة عائلته وأهل قريته، كان يدفعهم للقراءة مكونا مكتبة شخصية يستعير منها أهل القرية الكتب، وكان يشجع شباب القرية للنزول للقاهرة للاحتفال بثورة 23 يوليو، وقد كتب مسرحية تمثيلها وإخراجها من أهل البلد أنفسهم"، ثم طالبت الابنة الحضور بتذكر والدها دائما في ندوات مماثلة. أكدوا تعرضه للظلم ولأن الندوة تأتي بعد عشرين عاما مرت علي رحيل صاحب "أيام الانسان السبعة" أو الروائي "المنسي" كما وصفه البعض، فإن عددا لا بأس به من الحضور انتقد هذا التهميش، فقال الناقد محمود عبد الوهاب: عشرون عاما مرت من الصمت والنسيان، عشرون عاما من عدم طبع أعماله الكاملة، برغم طباعة أعمال كاملة لأشباه كتاب، ووصفه القاص سعيد الكفراوي بالروائي "قليل الحظ" في حياته وبعد رحيله، قائلا: لقد كان رفيق عمر وابن مرحلة كانت الناس فيها تعتبر الكتابة سعيا للمعرفة ومجابهة للمظالم واختراقًا للثابت والمألوف، وفضل عبدالحكيم قاسم علي أنه نبهني إلي وجود منطقة غامضة في الروح المصرية يمكن أن يضع الكاتب الموهوب يده عليها، وعي منطقة مليئة بالوجل والخطو والمصير والظلال والرؤي والبشر والموت والموروث، وهو الأمر الذي دفع عبد الحكيم بسماحة ليكتب رواية عن رجل قبطي حزّاء جاء لقرية بحثا عن رزقه، لكن أهل القرية يقيمون مهرجانا للضغط عليه لتغيير دينه، ووسط المهرجان يقع الرجل عن الجواد ويموت فتخترق الزوجة الجمع الغفير وترسم الصليب علي جثة زوجها"، بينما أكد الروائي يوسف القعيد قائلا: قاسم ليس مظلوما نقديا، بل إنه مظلوم علي مستوي عدم تحويل أحد من نصوصه إلي عمل درامي أو سينمائي، كما أن أعماله مستثناه من الترجمة، في حين أن أعماله ذات أهمية كبيرة في معالجتها لسوء الفهم بيننا وبين الغرب". وبدا الظلم الذي تعرض له قاسم في وجهة الروائي خيري شلبي مختلفا، فقال شلبي: قاسم ابن الستينيات البكر وصاحب أول تجربة حداثية بمعني الكلمة في الرواية العربية، روايته "أيام الانسان السبعة"، ومن سوء حظها أن صدرت معها رواية "موسم الهجرة إلي الشمال" للروائي السوداني الطيب صالح، ومثلما للناس حظوظ فللأعمال الأدبية أيضا حظوظ بغض النظر عن القيمة، حظيت رواية الطيب بدوي شديد ونسيت رواية عبد الحكيم، علي الرغم من أنني أعتقد ومستعد أن أدافع عن ذلك أن "أيام الانسان" تزن أكثر من "موسم الهجرة"، لأنها أسست لجيل أدبي، وفكرتها عبقرية، فيها تم "تفنيط" الزمن كورق الكوتشينة، كما أنها تأريخ للمجتمع المصري من ناحية الجانب الصوفي وهو من أغني الجوانب في الشخصية المصرية، فالمصري شخصية صوفية بطبيعته، وللأسف لا يلتفت الكتاب لهذا الأمر كثيرا". وتابع شلبي: قاسم كان مهددا بالوقوع، مثل جيلنا، تحت مظلة نجيب محفوظ في الأدب الواقعي الذي سيطر علي الحياة والعالم في فترة الستينيات، لكنه خرج من هذه المظلة سليما فقدم لغة عربية عالية المقام وسهلة وحكاءه ومليئة بالجوهر الإنساني، وروايته هذه لا يمكن أن نعتبرها بيضة الديك، أي العمل الوحيد عالي القيمة فباقي أعماله تتمتع بنفس القيمة، وأشهد أن عبدالحكيم كان يتطور وتتطور معه فكرة الزمن في كل أعماله، ولا يغرنّكم مظهره المتدين، لأنه لا ينم سوي عن الصوفية كما ورثها من أجداده، وكان يواجه العالم بها، لكن في حقيقة الأمر فإن كتاباته تقع علي يسار اليسار، وقد استفدت من روايته قدر ما استفدت من جميع الروايات التي قرأتها، لأني ريفي مثل عبد الحكيم وعشت الجوانب الصوفية مثله، وحاولت أن أجود لغتي مثله لكنني أعتقد أنني لم أفلح في الوصول إلي قدر لغته". اختلفوا حول تكريمه وفي الوقت الذي تعامل فيه الروائي خيري شلبي، مقرر لجنة القصة، مع الندوة علي أنها بمثابة إعادة اعتبار لعبد الحكيم قاسم كما أعلن في بدايتها، بدا أن الناقد الدكتور جابر عصفور أراد المزيد من هذه الندوة كما قال في نهايتها، وهو ما خلق مشكلة بين الجانبين، فعصفور قال: هذا اللقاء أقل بكثير مما يستحقه عبد الحكيم قاسم، لقد كان بحاجة لاحتفالية موسعة يدعي لها الضيوف من مختلف الأقطار العربية، لأنه ليس بأقل من أمل دنقل بدلا من هذه الطريقة "المهرجلة"، وتابع: كان لابد من إصدار ببليوجرافيا خاصة بأعماله أو حتي إصداره أعماله كاملة قبل تنظيم هذه الإحتفالية، وعند هذه النقطة غادر الروائي خيري شلبي غاضبا موجها سؤال لعصفور: لماذا لم تفعل أنت ذلك، فرد عصفور: أنا حر في رأي، وأضاف بعد مغادر شلبي: آسف لو كنت زعلت حد، ولا ألوم أحد ولا أقلل من جهد أحد. عصفور قال في مداخلته الصباحية: رواية "أيام الانسان السبعة" التي نشرت عام 1969، ليست عن مجموعة هامشية من البشر كما يقول البعض وليست رواية ريف، إنها رواية "تكوين"تقدم رحلة تكون بطل الرواية داخل القرية وتعبر عن غياب عالم وخلق عالم جديد، أي انتهاء عالم الصوفية ونشوء عالم جديد يقوم فيه جماعة الإخوان المسلمين باستباحة الريف والقيام بجريمة إجبار مسيحي علي الدخول في الإسلام مستغلين ضعفه وحاجته، وأكد علي وجود اتصال بين رواية "أيام" ورواية "المهدي" خاصة أن واحدة كتبت في غربة المؤلف داخل السجن وواحدة كتبت في غربته في السفر. وعاد ليقول في مداخلته المسائية: عندما رجع عبد الحكيم قاسم من ألمانيا كان عنده نوع من المرارة وكان عنده إحساس عدائي ناحية الغرب، وعندما فشل في الانتخابات البرلمانية التي خاضها عن مدينته، تلك كانت بداية النهاية الدرامية بداخله، وهي النهاية التي انعكست في شكل العنف والعدوانية التي مارسها علي كل من حوله، وهو ما يتضح من تلك النزعة السوداوية التي سيطرت علي رواية "قدر الغرف المقبضة" التي تعتبر أقرب للسيرة الذاتية منها للرواية. تاهوا في البحث عن أعماله الحضور طالبوا بإصدار أعمال قاسم الكاملة وإصدار الأعمال التي لم تنشر له من قبل، لكنهم تاهوا حينما أصبح هذا الأمر موضع نقاش، فالكاتب الصحفي محمد شعير الذي صدر له حديثا كتاب عن رسائل عبدالحكيم قاسم قال: جزء كبير مما كتبه قاسم لم ينشر كرسالته للدكتوراه باللغة الألمانية، كما أن لدي جزءًا من مذكراته، أتمني أن تستكملها الأسرة لنشرها"، وهنا نظر أفراد الأسرة لبعضهم البعض متسائلين عن المكان الذي يمكن أن تتواجد به هذه المذكرات، بينما أشار شعير إلي إمكانية تواجدها في بيت أخو عبد الحكيم قاسم الذي رحل من فترة. حتي الرسائل التي عمل شعير علي جمعها في الكتاب وهي تلك التي كان يرسلها عبدالحكيم قاسم لأصدقائه وأحبائه سواء عندما كان في السجن أو في ألمانيا، ويعتبرها شعير سيرة جيل وليست سيرة فرد، بدا أن لها بقية، ففي نفس الجلسة أفصح الدكتور فتحي أبو العيني، صديق قاسم، عن وجود بعض الرسائل عنده، وأكد القاص سعيد الكفراوي علي وجود رواية غير مكتملة بعنوان "كفر سليم" قام هو والشاعر محمد صالح بمراجعتها، كما أكد الروائي يوسف القعيد علي وجود إهمال شديد في جمع ما كتبه قاسم، فيما طالب الروائي فؤاد قنديل أسرة قاسم بجمع هذه المواد لكي تنشر كما طالب كليات الآداب بعمل الرسائل العلمية والسيمنارات اللازمة عن أعماله، خاصة مقاله الإسبوعي بجريدة الشعب، وقال: إذا لم تجمع هذه الكتابات الآن فلن تجمع، بينما علّق الناقد محمود عبدالوهاب قائلا: لابد من فرز أعمال قاسم أولا لأن مقالاته في جريدة "الشعب"، جاءت في مرحلة مرضه ولا تضيف له الكثير، لأنه هاجم فيها بهاء طاهر وعلي مبروك بدون وجه حق.