للراغبين في الشراء.. تعرف على سعر الذهب اليوم    جيش الاحتلال يعلن إصابة 6 من جنود الاحتياط بسبب حرائق شمال إسرائيل    تراجع أسعار النفط الثلاثاء 4 يونيو 2024    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الثلاثاء 4 يونيو 2024    مستمرة منذ ساعات.. حرائق إسرائيل تدمر المنازل وارتفاع أعداد المصابين (صور وفيديو)    صباح الرزق الحلال.. لحظات شروق الشمس وسط الزراعات بمحافظة الأقصر (فيديو)    اليوم.. طلاب الأدبي بالثانوية الأزهرية يؤدون امتحان القرآن الكريم    كريم عبد العزيز يحيي ذكرى ميلاد والده: عيد ميلادك في الجنة    رابط نتيجة الشهادة الإعدادية 2024، "مبروك" طلاب مطروح.. الخطوات    بشرى سارة.. انخفاض أسعار الدواجن اليوم في الأسواق    عمرو أديب: إمام عاشور هو اللي كسر أحمد فتوح.. أنا مش هسكت    ملف يلا كورة.. مشروع القرن ينتظر الأهلي.. استدعاء عمر كمال.. وإصابة فتوح    سيف جعفر يتحدث عن سرقة العقود من الزمالك.. ماذا قال؟    الدماطي: الأهلي أول نادي أرسل الدعم لأهلنا في فلسطين.. وتعاقدات الرعاية من قبل أحداث غزة    عمرو عرفة يروج لفيلم أهل الكهف    6 شروط لأداء الحج ومعنى الاستطاعة.. أحكام مهمة يوضحها علي جمعة    متى ينتهي وقت ذبح الأضحية؟.. الأزهر للفتوى يوضح    زوجى ماله حرام وعاوزة اطلق.. ورد صادم من أمين الفتوى    مصرع وإصابة 21 شخصا في المغرب تناولوا مادة كحولية    طبيبة تحذر الحجاج من المشروبات الغازية على عرفات: تزيد العطش    طاعات على المسلم فعلها تعادل ثواب الحج والعمرة يومياً.. تعرف عليها    "في حد باع أرقامنا".. عمرو أديب معلقاً على رسائل شراء العقارات عبر الهاتف    إيران: تسجيل 80 مرشحا لخوض الانتخابات الرئاسية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه اليوم الثلاثاء 4-6-2024    واشنطن تفرض عقوبات جديدة على صناعة الطائرات المسيرة بإيران    أمير هشام: جنش يرغب في العودة للزمالك والأبيض لا يفكر في الأمر    نفاذ تذاكر مباراة مصر وبوركينا فاسو    مقتل صاحب كشك على يد عامل بسبب خلافات مالية    حاكم كورسك: إسقاط 20 طائرة مسيرة أوكرانية خلال يوم    4 يوليو المقبل.. تامر عاشور يحيي حفلا غنائيُا في الإسكندرية    انطلاق تدريبات جوية لقوات الناتو فوق شمال ألمانيا    وفاة 11 شخصا جراء تسرب للغاز في منجم بمقاطعة بلوشستان الباكستانية    الأرصاد تعلن عن موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد في هذا الموعد    عبد الحفيظ: مرحلة مدير الكرة انتهت بالنسبة لي.. وبيبو يسير بشكل جيد مع الأهلي    مصطفى بكري: الرئيس حدد مواصفات الحكومة الجديدة بالتفصيل    ما بين انقطاع الكهرباء 3 ساعات وزيادة الأسعار تدريجيًا.. هل ينتهي تخفيف الأحمال قريبا (تقرير)    نقابة الصحفيين تكرم الزميل محمد كمال لحصوله على درجة الدكتوراه| فيديو    مجهولون يطلقون النار على المارة وإصابة مواطن في الأقصر    رفضت ترجعله.. تفاصيل التحقيق في إضرام نجار النيران بجسده بالبنزين في كرداسة    سيد عبد الحفيظ يعتذر من خالد الغندور لهذا السبب    مجدى البدوي يشكر حكومة مدبولي: «قامت بواجبها الوطني»    وكيل مديرية الصحة بالقليوبية يترأس اجتماع رؤساء أقسام الرعايات المركزة    مصطفى بسيط ينتهي من تصوير فيلم "عصابة الماكس"    عدلي القيعي يرد على تصريحات شيكابالا: قالي أنا عايز اجي الأهلي    وصلة ضحك بين تامر أمين وكريم حسن شحاتة على حلاقة محمد صلاح.. ما القصة؟ (فيديو)    مصرع شاب في حادث مروري بالوادي الجديد    بمرتبات مجزية.. توفير 211 فرصة عمل بالقطاع الخاص بالقليوبية    هل الطواف بالأدوار العليا للحرم أقل ثواباً من صحن المطاف؟.. الأزهر للفتوى يوضح    اليوم 240 .. آخر احصاءات الإبادة الجماعية في غزة: استشهاد 15438 طفلا و17000 يتيم    النائب العام يلتقي وفدًا من هيئة الادعاء بسلطنة عمان الشقيقة    «كلمة السر للمرحلة القادمة رضا المواطن».. لميس الحديدي عن استقالة الحكومة    صحة الفيوم تنظم تدريبا لتنمية مهارات العاملين بوحدات النفايات الخطرة    أكرم القصاص: حكومة مدبولي تحملت مرحلة صعبة منها الإصلاح الاقتصادي    بمشاركة 500 قيادة تنفيذية لكبريات المؤسسات.. انطلاق قمة "مصر للأفضل" بحضور وزيري المالية والتضامن الاجتماعي ورئيس المتحدة للخدمات الإعلامية    النائب العام يلتقي وفدًا رفيع المستوى من أعضاء هيئة الادعاء بسلطنة عمان الشقيقة    متربى على الغالى.. شاهد رقص الحصان "بطل" على أنغام المزمار البلدي بقنا (فيديو)    حضور جماهيري ضخم في فيلم " وش في وش" بمهرجان جمعية الفيلم    تقديم الخدمة الطبية ل 652 مواطنا خلال قوافل جامعة قناة السويس بقرية "جلبانة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إحياء القلوب
نشر في محيط يوم 01 - 02 - 2014

في قالب ودي حميم سأل المشير عبدالفتاح السيسي من يطالبونه بالترشح لمقعد الرئاسة فيما إذا كانوا علي استعداد لتحمل صرامة وجدية العمل معه لإعادة بناء مصر الجديدة, فجاءته ردود من حديد بنعم التي أصبحت تلبي جميع نداءاته للنزول بالملايين للميادين وللاستفتاء ولدعمه في القضاء علي الإرهاب.. الحاكم الجاد لا يقبل تراخيا ولا تماهيا ولا تنبلة ولا سفسطة ولا جدالا في برامج التوك شو ووجوها مللنا استضافتها في بيوتنا علي مدي ثورتي25 يناير و30 يونيو. وأنا من رأيي.. وأنا شايف.. وأنا اللي طلعت الأول.. وأنا اللي نمت في الميدان.. وأنا اللي هاجمت الإخوان.. وأنا اللي رفضت التمويل.. وأنا اللي أدنت الألتراس و6 ابريل, وأنا اللي أثمن الأداء الشرطي.. وأنا.. الخ.. السيسي يطرح في برنامجه عصرا ومناخا وعملا جادا ويقظة مع فجر الشمس الشموسة وإيدك في ايدي يا اسطي عطية وهيلا هوب هيلة.. مثلما كان يوما محمد علي صارما وجادا في بناء مصر الحديثة حتي أنه لم يترك البعثة المصرية الأولي تذهب إلي باريس دون رقابة دقيقة للغاية, ويحدثنا رفاعة الطهطاوي في كتابه' تخليص الإبريز في تلخيص باريس' عن ذلك فيقول بأسلوب عصره: جرت عادته أي محمد علي من مدة خروجنا من مصر بأنه كان يتفضل علينا ببعثه لنا (فرمانا) كل شهر يحثنا فيه علي تحصيل الفنون والصنائع. فمن هذه الفرمانات ما كان يسمي عند العثمانية (إحياء القلوب) ومنها ما كان من باب التوبيخ علي ما كان يصله عنا ويبلغه من بعض الناس أو غير ذلك, ولنذكر هنا فرمانا من النوع الأول الذي هو إحياء القلوب وإن كان فيه أيضا شائبة (توبيخ) لنعلم كيف كان محمد علي يحثنا علي الثقافة والتعليم والتحصيل.. وهذه صورة ترجمة هذا الفرمان الذي أرسله محمد علي إلينا في باريس: قدوة الأماثل الكرام الأفندية المقيمين في باريس لتحصيل العلوم والفنون زيد قدرهم: ينهي إلينا أنه قد وصلنا أخباركم الشهرية والجداول المكتوب فيها مدة تحصيلكم, وكانت هذه الجداول المشتملة علي شغلكم3 أشهر مبهمة لم يفهم منها ما حصلتموه في هذه المدة, وما فهمنا منها شيئا, وأنتم في مدينة مثل مدينة باريس التي هي منبع العلوم والفنون, فقياسا علي قلة شغلكم في هذه المدة عرفنا عدم غيرتكم وتحصيلكم, وهذا الأمر غمنا غما كثيرا, فيا أفندية, ما هذا هو مأمولنا منكم, فكان ينبغي لهذا الوقت أن كل واحد منكم يرسل لنا شيئا من أثمار شغله وآثار مهارته, فإذا لم تغيروا هذه البطالة بشدة الشغل والاجتهاد والغيرة وجئتم إلي مصر بعد قراءة بعض كتب فظننتم أنكم تعلمتم العلوم والفنون, فإن ظنكم باطل, فعندها ولله الحمد والمنة رفقاؤكم المتعلمون يشتغلون ويحصلون الشهرة فكيف تقابلونهم إذا جئتم بهذه الكيفية وتظهرون عليهم كمال العلوم والفنون, فينبغي للإنسان أن يتبصر في عاقبة أمره وعلي العاقل ألا يفوت الفرصة وأن يجني ثمرة تعبه, فبناء علي ذلك أنكم غفلتم عن اغتنام هذه الفرصة وتركتم أنفسكم للسفاهة, ولم تتفكروا في المشقة والعذاب الذي يحصل لكم من ذلك, ولم تجتهدوا في كسب نظرنا وتوجهنا إليكم لتتميزوا بين أمثالكم, فإن أردتم أن تكسبوا رضاءنا فكل واحد منكم يذكر ابتداءه وانتهاءه كل شهر, ويبين زيادة علي ذلك دراسته في الهندسة والحساب والرسم, وما بقي عليه في خلاص هذه العلوم, ويكتب في كل شهر ما تعلمه في هذا الشهر زيادة علي الشهر السابق, وإن قصرتم في الاجتهاد والغيرة فاكتبوا لنا سببه, وهو إما من عدم اعتنائكم أو تشويشكم, وأي تشويش لكم هل هو طبيعي أو عارض, وحاصل الكلام أنكم تكتبون حالتكم حتي نفهم ما عندكم وهذا مطلبنا منكم, فاقرأوا هذا الأمر مجتمعين وافهموا مقصود هذه الإرادة.. ومتي وصلكم أمرنا هذا فاعملوا بموجبه وتجنبوا وحاشوا عن خلافه.. ويعلق رفاعة الطهطاوي علي هذا الفرمان الذي أصدره محمد علي وأرسله إليه وإلي زملائه من أعضاء البعثة المصرية الأولي في باريس (1826 1831) فيقول: ومن وقت هذا المكتوب صرنا نكتب كل شهر جميع ما قرأناه وما تعلمناه في هذا الشهر, ويكتب المعلمون أسماءهم ونبعثه إلي ولي النعم.. ذلك هو نموذج مما كان من جدية الدولة ممثلة في حاكمها محمد علي في متابعة المبعوثين في باريس وحثهم علي العمل والنشاط والتحصيل, وكان من نتائج هذه الجدية العامة الشاملة ظهور القيادات النابغة والمؤثرة علي حياة الوطن والمواطنين.. ولعل أجمل ما يثير الانتباه في فرمان محمد علي إلي المبعوثين المصريين هو عبارة' إحياء القلوب' التي تعد أفضل بكثير من عبارة إحياء الذاكرة أو العقل أو العزيمة أو الإرادة أو غير ذلك, فإحياء القلوب أصدق وأقوي من كل ما عداها.. لأن القلوب الحية وحدها هي التي تعمل بنشاط وحماس وإرادة قوية وجدية وحب صادق للهدف الذي يسعي إليه المرء.. وما لمسناه من دعوة المشير السيسي للعمل ما هي إلا دعوة شاملة لإحياء القلوب.. الباشا المستكفي الضاحك الباكي فكري أباظة الذي سأل صديقة العمر أم كلثوم عن رأيها في الفشل فأجابت: الفشل؟.. الفشل؟.. الفشل علي وزن القبلة القبلة القبلة في فيلم سلامة.. الفشل نعمة من نعم الله! فسألها: كيف يكون؟! قالت: لقد فشلت في مستهل حياتي فحركت مرارة الفشل في نفسي قوة وروح الانتقام من الفشل, فقررت أن أنجح وأجدت وأمعنت في الإجادة في مهنتي وفني اللذين استعضت بهما عن خيبتي في غيرهما, وهكذا ولد النجاح الفشل!.. وعندما التقي أحمد رامي بفكري سأله عن حبه فأجابه: انتهي بالفشل.. قال رامي: أنت أحسن مني حالا.. حبي أنا ما إن بدأ حتي انتهي. ما كانت طليعته مواساة حتي كانت نهايته مأساة.. قال فكري: ولكن حبي أنا كان جامحا فكيف أنساه؟, أجاب رامي: أيحق لك أن تشكو وتئن وحبك لا تراه ولا تسمعه, أما أنا فأري حبي مرسوما مصورا ملصقا علي كل حائط, في كل شارع وميدان. أسمعه في كل لحظة في الليل والنهار منطلقا أخاذا.. قال فكري: وبعد يا صاحبي؟, قال رامي: أنت كاتب وأنا شاعر, فلنقنع بأن تكتب أنت قصة حبك وأن أنظم أنا قصة حبي.. وقد نفذ الصديقان ما تعاهدا عليه. كتب فكري عن حبه في الضاحك الباكي, وكتب رامي قصائده في أم كلثوم, ولعله أوجز عاطفته عندما قال: تصغي لك الدنيا وأبكي أنا, وأوجز فكري أباظة رؤيته في آلحب زجلا بقوله: قالوا لي بتحب؟ قلت بحب عقبالكم! الحب مش عيب وأنتم يا غجر مالكم!!.. ويظل فكري أباظة محاميا لأم كلثوم وقف عنها مدافعا في قضية عبدالستار هلال الذي رفع عليها قضية طاعة دون سند للزواج, وكان فكري هجوميا لم يضيع وقته في طلب ما يثبت هذا الزواج الوهمي, بل انقلب علي المدعي يهدده بأنه سيرفع عليه قضايا عديدة يطالبه فيها بالتعويض الضخم, ويبدو أن هذا قد أخاف الرجل الذي انسحب من الدعوي والحياة العامة نهائيا.. واستمرت الصداقة جسرا من المودة بين أباظة وكوكب الشرق, وكان وراء علاقتها بالنادي الأهلي حيث يعد أشهر المتحمسين له, ودعاها للغناء في العديد من مناسبات النادي, وفي عام 1946 كانت تغني في حفلة العيد هناك, عندما حدثت جلبة كان سببها دخول الملك فاروق وكان وقتها شابا في السادسة والعشرين يتعاطف معه الشعب بعد حادث 4 فبراير 1942 عندما أحاطت دبابات الإنجليز بالقصر.. وأذاع فكري أباظة الحفل وغنت أم كلثوم لتحول شطرا من الأغنية كلمات ترحيب بالملك الذي استقبلها بين الوصلات ليمنحها وسام الكمال.. الباشا المثقف الذي عرف قيمة الميديا الإعلامية بمختلف توجهاتها مقتنعا بأن الحديث الإذاعي للجماهير ولم يكن هناك التليفزيون بعد يساوي ألف مقال فأصبح أعظم مذيع عرفته مصر.. الصحفي الذي كانت رؤاه أن يكون الصحفي موقفا.. الكاتب الذي رأي أن الكتابة عمل انقلابي ضد الظلم والتخلف والجهل.. صاحب الكلمة المدببة الناقدة وليست الكلمة المبططة في خضم الكلام الساكت السائد.. صاحب القلم الساخر ليس بكونه صاحب النكتة والقفشة والتدني, لكنها السخرية الحبلي بالنقد الاجتماعي البناء... في بابه التهكمي الساخر في مجلة المصور كتب فكري أباظة تحت عنوان يغيظني: الحاتي الذي يأتي بالكباب بعد أن آكل الرغيف بالسلطة! الطبيب الذي أستدعيه ليلا بالتليفون فيشترط أن أذهب لآخذه! البوسطجي الذي يضع خطاباتي في صندوق بريد الجار.. وبالعكس! العربجي الذي ينام فوق عربته ويترك حماره يمشي كما شاء الخطيب الذي يعزم نفسه في بيت خطيبته يوميا! الإنسان الذي يعرف كل ما يغيظني ويفعل كل ما يغيظني! الذي يأتي من الأرياف لقضاء مصالحه هنا, ولا يبيت إلا عندي! الذي يضرب لي موعدا في آخر البلد.. فإذا قابلته طلب مني سلفة! الذي أصفق للجرسون لكي يقدم له ما يشاء, فيطلب ساندوتشا وحتتين جاتوه وحاجة ساقعة ويحبس بشاي! الذي يقول لي فلان ده إيه وإيه وإيه, فإذا قلت له ليه؟ قال: لأنه تمللي بيشتم! الجارة التي تشحت كل شيء ولا ترده إلا بعد أن يشحته أصحابه منها! الرجل الذي يذهب للتوفيق بين زوجين مطلقين.. فيتزوج المطلقة! في مصرنا الحبيبة التي تعطي أذنها للهتاف العالي والتصفيق المدوي والطبول الزاعقة وشلل شيلني وأشيلك.. في وسط الموجة الموضة التي سادت الفكر المسيطر علي الثقافة فيما بعد ثورة.. 1952 الفكر الاشتراكي الذي صدر لصدارة الساحة أسماء استمر لمعانها حتي وقتنا هذا.. في وسط تكاتف الرفاق قام الاحتفاء النقدي بزفاف الرفاق إلي كوشة الأفراح تصحبهم الدفوف والصاجات والصفحات والزغاريد والنقطة, بينما أسقط البعض من أصحاب القلم والفكر المسيطر من قعر القفة أمثال إحسان عبدالقدوس, ويوسف السباعي, ومحمد عفيفي, وعزيز أباظة, وصالح جودت ومحمود حسن إسماعيل وفكري أباظة.. لأنهم لا ينتمون لذلك التيار, هذا رغم ندرتهم وريادتهم وقيمتهم وتفردهم ليمكثوا في مناطق الظل والتجاهل والتجنيب والتعتيم النقدي طوال سنوات عطائهم الجاد, وامتد الظلم والجور إلي ما بعد مماتهم أيضا, فلا الحياة أعطتهم ما يستحقون من حفاوة, ولا الموت أعاد الحقوق حتي بعدما اتضحت الرؤية وانجلت السحب وتبرأ الرفاق من أمهم ولعنوا آباهم الشمعي الذي بقي في وضعه المسجي المكشوف للزيارة داخل سور الكرملين.. ولكن رغم التعتيم والإيداع قسرا في الأدراج وعلي الرفوف وفي دوائر الإغفال والاستهبال ستظل شخصيات فكري أباظة المصرية الصميمة التي اخترعها وكتب منتحلا توقيعها ليعبر عن خلجاته ونقده وشموع ثقافته.. ستظل حية بيننا تأتي علي ذكر سيرته العطرة وتترحم عليه: عابر سبيل.. الجاسوسة الحسناء. حلموس. خالتي خضرة.. الخ.. و..الضاحك الباكي.. سيظل قول أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته عن فكري أباظة وردة علي صدر الصحافة.. صحافة الباشا: فكري أذقت القوم عفو بلاغة.. حتي جمعت من الزهور كتابا تراه أرفع أن يقود نية.. يوم الخصومة أو يخط سبابا محمد ناصر لطفي أباظة المهندس بالمقاولين العرب ابن شقيق الباشا الذي كان يعيش معه حتي وفاته هو الذي استقبل لجنة الضرائب العقارية التي قدمت بعد ثلاثة أيام لحصر التركة, فوقف مندوبوها مشدوهين غير مصدقين ما يرونه علي الطبيعة من شقة متواضعة لا تضم سوي حجرتين وحمام صغير ومطبخ أصغر, ولم يكن هناك وقت بين الوفاة وقدومهم ليستطيع أحد إخفاء أو نقل أي شيء بعيدا عن المكان. لم يصدق أحد أن الباشا الأباظي النائب الذائع الصيت المعتذر عن قبول منصب الوزير لثلاث مرات, رئيس التحرير علي مدي 42 عاما, ونقيب الصحفيين سنوات طوال, ومن كان وراء بناء نقابة الصحفيين ودار الهلال, وأشهر المذيعين, وصاحب المائة مؤلف موسيقي, ورئيس مجلس إدارة الأهرام ودار الهلال, وأول صحفي يحصل علي وسام الاستحقاق من الدرجة الأولي.. نجم المسرح الذي قام بتمثيل مسرحية يوليوس قيصر, وأحد الإعلاميين الستة الذين وجهت إليهم الدعوة من أدولف هتلر ليحصل علي ميدالية أوليمبياد 1933 يعلقها هتلر بيده علي صدره.. و..لم يصدق أحد من مندوبي الضرائب أن صاحب هذا المجد كله كان في حياته مكتفيا بتلك الإمكانات المتقشفة, حتي أن المستكفي كان يجلس في الصالة علي ترابيزة السفرة ليكتب مقالاته التي بلغ عددها5 آلاف مقال, وأن أشهي الأطباق إلي نفسه الجبن القريش مع عودين جعضيض كخضرة, وطبق المرتة, والحلو عسل وطحينة! حرائر المولوتوف ثلاثة من حرائر الإخوان المحجبات ورابعتهن منقبة يجتمعن, منذ فض رابعة ووعيد منصة عاصم عبدالماجد وتهديد الزمر, من بعد آذان الظهر في شقة مطرحين وفسحة صغيرة علي سطح عمارة من عشوائيات حي الظاهر يتناوبن
العمل الدءوب الصامت وكأن علي رءوسهن الطير.. إحداهن تملأ فوارغ الزجاجات بالبنزين ومية النار, والأخري تصنع الدوائر الكهربائية وتوصيلات أجهزة التفجير في الموبايلات المسروقة, والثالثة تخلط دقيق الديناميت بالمواد المتفجرة الأخري, والمنقبة تزيح نقابها ما بين جرعة شاي وأخري بينما انهماكها علي أشده في تنقية المسامير, ورص قنابل المولوتوف اليدوي بحرص بالغ داخل صناديق الصابون المزيفة, وتقسيم اللافتات بشعار رابعة لوحدها, ويسقط حكم العسكر وحدها.. و..كله تمام يا إخوات بعون الله والأجر عند الله, وثواب كل منكن بإذن الله داخل المظروف إياه أعلي الرف الأيمن لتأخذه الأخت المؤمنة بيدها اليمني التي ستأخذ بها كتابها في العليين يوم الدين بمشيئة الله بعدما يأتي الفوز العظيم ويتحقق الانتقام الذي ما بعده انتقام, ويؤخذ الثأر من أعداء الدين البيادة سفاكي الدماء والسلام علي رسول الله والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والشهداء.. وعليك يا أخت السلام والنصرة بإذن الواحد القهار الجبار الذي ندعوه بأن يلقي الانقلابيون والإعلاميون عذاب النار وبئس القرار. الله يخرب بيتك منك لها لها لها لها ويكسر أصابعكن الآثمة ويجعل منكن عبرة لمن يعتبر, وإذا ما كان المثل بيقول: الإيد البطالة نجسة, فأيديكن الشغالة في المولوتوف أكثر نجاسة, وحمدا لله أن جاءتكن الباغتة فأخذتكن أخذ عزيز مقتدر علي النيابة عدل بتهمة تصنيع وحيازة أسلحة الإرهاب.. حرائر المولوتوف بنات آوي ذئبات الوطن عرائس نكاح الجهاد قبيل الفجر في رمضان.. ألم يكن أجدي وأحري وأسلم لأصابعكن الشابة أن تصبغ بالحناء, وتنقع الشربات, وترتدي دبلة الخطوبة والفرح, وتطرق دفوف الزفاف, وتطهو طعام العرس والمعازيم وتنقي الأرز وتجفف النعناع وتقطف عيدان الريحان, وتزجج الحاجبين, وتعطر الخصلات, وترتدي الكرانيش, وترتب أدراج الدولاب, وتلمع سطح الزجاج, وتنسج السجاد علي خيوط الأنوال, وتسأسأ الرقاق في شوربة الكوارع وترصه في الصينية طبقات طبقات, وتضبط المربي وتخلل الزيتون وتفتح الشباك وتعزم الشمس والهواء والضحكة الرايقة, وتسمع شادية وأم كلثوم ونجاة, وترضع الوليد بجانب قلبها, وتذاكر للعيال وتربي أبناء الغد تحت مظلة حب لا في أتون غل وقتامة الإخوان؟!! وبدلا من لقائكن في خلية موت تزهق الأرواح البريئة, تتجمعن في خلية عسل فيه شفاء للناس. الصندوق الأسود التأخر في الظهور والتمركز في دائرة الضوء والشهرة ليس لهما توقيت ولا سن ولاترتيب ولا تأهيل ولا غصبا ولا فرضا, وأيضا لا يعني التأخير أن الشخص ليس كفئا, أو كان عليه الانتظار حتي ينضج ويستوي فوق الشجر ليصبح صالحا للالتقاط وطلبا للأكال, وفي هذا المجال كمثال لم يعرف العالم الفنان بول جوجان أهم فنان تشكيلي إلا بعد بلوغه الأربعين.. المهم في وجود المكتشف الملهم, صاحب العين الفاحصة التي تفرز الثمين من الغث, وتضع يدها علي الجوهرة وسط كوم من القش, وتتخذ القرار بالأخذ باليد من بين دوائر الزحام للصعود بالموهوب لمنزلة الاستحقاق.. وقد كان عبدالرحيم علي صاحب برنامج الصندوق الأسود في صعوده الصاروخي نموذجا لمن جد فوجد, ومن صبر فنال, فقد ظل أكثر من ربع قرن لا يكتب إلا في موضوع الإسلام السياسي ليعد من أهم المؤرخين في هذا المجال, كما أبحر منذ المنبع للمصب في تاريخ وسياسات الإخوان ليصدر العديد من الأبحاث والكتب, وينشئ موقع البوابة نيوز لإزاحة الستار عن دوائر وخفايا الجماعة الإرهابية مما دعاها للهجوم بعملائها علي مكتبه بغرض اغتياله وسرقة المحتويات... ورغم كفاحه الطويل, وعمله الكثير, فقد اعتبرناه جديدا علي الساحة, وكأن الموهوب لا يعترف به, ولا يأخذ تأشيرة المرور اللهم إلا إذا ظهر متجسدا علي شاشة التليفزيون الذي منحه الانتشار والتأثير في برنامج يعده ويقدمه وحده دون الاستعانة بجيش طويل من المريدين والمعدين كالزملاء الآخرين يحترم فيه وقته المقنن وهو من يبغي الاسترسال ليطلعنا علي أسرار من خبيئته المذهلة, ونبغاه نحن مسترسلا ليزيح جانبا جديدا من أستار سوداء عشنا أسري حلكتها في زمن الغفلة والضحك علي الذقون من أصحاب الذقون.. ويعدنا عبدالرحيم بأنه آت في الغد بما لم تأت به الأوائل ولا الأواخر مما يكشف عنه من التاريخ الأسود للإخوان وهو الذي أطلعنا حتي الآن علي كوارث كنا منزلقين معها إلي بئس المصير... ويجعلنا عبدالرحيم مشدودين بخيوط التوجس والانتظار نشعر بأن ليلة الجمعة والسبت تمران بنا مثل الساندوتش الحاف, فعبدالرحيم فيهما أخذ الصندوق ومفتاحه معاه.. ويعود عبدالرحيم.. وعندك إيه يا عبدالرحيم؟ حتقول لنا إيه يا عبدالرحيم؟!.. حتسمعنا إيه من التسريبات يا عبدالرحيم؟!.. مين طلع خائن ومين العميل ومين يترأس الآن التنظيم يا عبدالرحيم؟!.. وإن لكلمة عبدالرحيم مع المذيع توني خليفة في برنامجه الجرئ أجرأ الكلام لتلخيصا لحياته, ودفاعا عن التهم الكثيرة التي تكال إليه عندما قال لتوني بملامح وجهه الطفولي الصريح الفصيح المندهش دوما أكثر من اندهاشنا مما يذيعه لنا: أنا من أجل الأمن القومي المصري مستعد أعمل أي حاجة.. ولقد نجح عبدالرحيم لأنه رغم صندوقه الأسود قد فكر خارج الصندوق!! وملحوظة يا عبدالرحيم قبل ما نطلع فاصل.. بقي لك حلقتين وزيادة لم تأت فيها علي سيرة البوب وتسريباته.. وحشتنا خياناته!!!!.. أنا مش أنا! عندما تناديني الثلاجة الشاغرة مهددة بالمجاعة أدور في السوبر ماركت بعربته التي تعرف طريقها عمياني مثل حمارة الكفر, لأجد القريش هنا, والمكرونة والزيتون والفول هناك, واللبن والشاي من بعد رف البهارات..الخ.. إلا أني هذا الأسبوع وقفت أصرخ وسط السوبر عندما ضلت حمارتي طريقها الحصاوي المعهود, فقد قام المسئولون من وراء ظهرنا بتجديد الديكورات ومن ثم جري التغيير في مواضع السلع جميعها, فلا السمك مطرحه, ولا التونة في الرف تحت كراتين البيض, ولا الصلصة في ريون الجزارة, ولا العيش التوست متنيل في آخر الممر.. وهذا ما يحدث معي تماما الآن في هذه الأيام العصيبة التي نتخشب فيها أمام الجهاز رايحين جاين مثل مرسي في القف ص الزجاجي نلاحق التفجيرات والمحاكمات وتحصيل الحاصل, إلا أن المستقرات أصبحت الأخري متغيرات بعدما لقيت رشوان مع معتز, وعنايت مع موسي في التحرير, وبحثت عن شريف عامر لقيته طلق الحياة الحمراء وسكن لوحده في الإم بي سي مصر, ومن قبل اختفت مني الشاذلي من دريم وطلعت علي نفس المحطة ثم تبددت نهائيا دون ذكر الأسباب, وأستاذ الكاميرا إبراهيم عيسي مدوخني وراه ما بين القاهرة والأون.. والآن عمرو الليثي في الجرنال وليس ع الشاشة, أما البحث عن ريهام السهلي وإسلام بحيري فنتائج البحث غير مجدية.. وهذا بعض مما يجعلني هذه الأيام أيضا قد زهدت في الحب كده والكرنك وقهوة أسمهان ومسافر شادية وأيظن نجاة, وماشية أردد مع عبدالباسط حمودة فنان الشعب: أنا مش عارفني.. أنا كنت فين.. أنا مش أنا.. ولا دي ملامحي.. ولا شكلي ده, ولا ده أنا!!
نقلا عن صحيفة "الاهرام " المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.