احمد طوغان هو شيخ رسامي الكاريكاتير87 عاما اطال الله في عمره يكتب هذه السلسلة عن الشخصيات التي شغلت حيزا في وجدانه وخزانة ذكرياته التي يفتحها لملحق الجمعة بالأهرام يتناول فيها الكواليس التي عاصرها عبر مشواره الذي يمتد لأكثر من65 عاما.. وتأتي أهمية هذا السرد الذاتي إلي كونه ليس مجرد حكي بقدر ما هو تأريخ وتسجيل لاحداث غنية بالمعلومات والاسرار ولكن غفلها التاريخ كما يحدث عادة واسقطها من ذاكرته الرسمية, وكما يفعل رسام الكاريكاتير فهو لايرسم الواقع ولكن تأثير الواقع عليه... كذلك كتب طوغان عن هذه الشخصيات بصدق وحب. كنت أتتبع رسوم رخا في المجلات, وكنت معجبا بها, أقطعها وألصقها في دفتر خاص, كنت أحس بأن رسوم رخا تعبر عن شخصيته, خطوط صريحة واضحة راسخة وتعبيراته قوية وسخريته راقية, في فترة من حياتي كنت أنقل رسومه وأحاول تقليده وهو ما أوصلني إلي أسلوبي في حياتي كرسام كاريكاتير! كما شجعني علي الذهاب إليه! اخترت أحسن خمسة رسوم من بين المئات, وارتديت أحسن ما عندي من ثياب ويممت وجهي شطر نقابة الصحفيين التي عرفت أن رخا يتواجد فيها! كان رخا ممتلئ الجسم قليلا, أنيق الثياب, مظهره يدعو للاحترام, وعندما حانت منه التفاتة لي تقدمت منه, وشرحت له الموضوع باختصار, فاستأذن من الرفاق وانتحي بي جانبا, وتفرس فيما كنت أحمله من رسوم ثم قال: إنت تستاهل واحد لمون! وعندما جاء الساعي بالليمون تناوله منه وقدمه لي بيده وقال: اسمع يا بني إنت لو استمررت وصمدت سوف تصبح رساما عظيم الشأن وأوصاني بالصبر والإصرار والإخلاص للفن. ونادي رخا علي الرسام زهدي وأوصاه بي وطلب منه ضمي إلي أسرة تحرير المجلة الجديدة, وكدت أطير من الفرحة عندما أخذ زهدي بيدي وصحبني في طريقنا إلي المجلة التي كانوا قد اتخذوا لها مقرا في بولاق, كان ذلك في منتصف عام1947 ومن يومها وأنا أزاول رسم الكاريكاتير في الصحف والمجلات, وإن كنت لم أصل إلي ما كان يتمناه لي رخا وذلك لظروف خارجة عن إرادتي. كان لقائي بالفنان العظيم الأستاذ محمد عبد المنعم رخا من حسن حظي, التصقت به وعشت إلي جانبه منذ يوم لقائي به إلي أن وافاه الأجل وفقدت بذهابه السند والنصير, دخلت عالمه ونفذت إلي دنياه وصاحبت أصدقاءه بالرغم من تقدمهم علي في العمر, حافظ محمود وجليل البنداري وزكريا أحمد ومأمون الشناوي ومحمد نجيب وزهدي وبيرم التونسي ومحمد علي غريب ومصطفي القشاشي ومحمد مصطفي حمام الشاعر الظريف الذي لا ينسي, والذي كان يكتب خطب النحاس باشا, وعندما اختلف معه قال فيه: كان دري حصي علي شفتيه شاه دري وشاهت الشفتان أحب أن أقول لشباب الصحفيين أعضاء النقابة الذين يعيشون اليوم في مبناها الفخم العملاق أقول لهم أن صاحب الفضل الأكبر في إنشاء نقابة الصحفيين هو مصطفي القشاشي, كان القشاشي وقتها من أكبر الصحفيين وكان صاحب مجلتين واسعتي الانتشار هما الصباح وأبو الهول كما كان في مقدمة الصحفيين الذين نادوا بإنشاء نقابة لهم, وفي عام1941 استجابت حكومة الوفد لنداء الصحفيين ووافقت علي السماح لهم بإنشاء النقابة ومنحتهم الدور الأول في مبني من دورين كان في فيلا أمام البنك الأهلي بشارع شريف, كان الدور الثاني ناديا للقضاء, أما الدور الأول فكان ناديا للعب القمار! ألغاه وزير الداخلية أيامها, ليصبح أول مقر لنقابة الصحفيين! كان الدور عبارة عن شقة فيها ثلاث صالات كبيرة وغرفة وحيدة جعلوها خاصة بالنقيب والوكيل! وعندما بلغ عدد أعضاء النقابة أكثر من مائة, وضاقت علي من فيها وكان القشاشي أيامها سكرتيرا عاما للنقابة التي أصبح يعيش من أجلها وكل همه فيها, وفي جلسة صفاء مع رئيس الحكومة وكان أيامها محمود فهمي النقراشي باشا, انفتح موضوع نقابة الصحفيين التي ضاقت علي من فيها, وضرورة وجود دار تتسع لهم وتليق بهم, وقال القشاشي لرئيس الوزراء إننا نشعر بالخجل عندما يأتنا وفد يضم صحفيين أجانب الذين من الممكن عن طريق اللقاءات والصداقات بهم أن نحصل علي دعاية لمصر بالخارج! كما قال القشاشي إن الأرض موجودة والتصميم أقامه المهندس العالمي العظيم حسن فتحي وقدم الماكيت لمبني رائع الجمال يتوسط حديقة واسعة حوالي نصف فدان, وكرر القشاشي قوله لرئيس الوزراء: لم يعد ينقصنا غير المال! لم يمر شهر إلا ودعا النقراشي مجلس إدارة النقابة إلي اجتماع معه في مقر رئاسة مجلس الوزراء, انتهي الاجتماع بقرار رئيس الوزراء اعتماد تكاليف بناء مبني جديد للنقابة في شارع عبد الخالق ثروت علي نفس الأرض التي عليها المبني الحالي! أقيم مكان شاعري جميل, جزء منه حديقة وإن كانت صغيرة بعض الشيء إلا أنها كانت هي والتراس في أعلي المبني ملاذا للصحفيين, كان النقراشي باشا قد قال للصحفيين أمام وزير المالية: أرجوكم لا تبخلوا في إقامة هذا المبني, كما عليكم أن تفرشوه أحسن فرش وبأفخر الأثاث, وأنا من ناحيتي سوف أدعو الوفود التي تأتينا من الخارج أن تكون زيارتها للنقابة ضمن برامجها, وأمر بصرف عشرة آلاف جنيه كمقدمة لمساهمة الحكومة في المشروع! وضم المبني خمسة صالونات مفروشة بأجود أنواع السجاد وعليها أفخر أنواع الأثاث, وكان المطعم في ساحة بالدور الثاني يطل علي الحديقة وكان يديره أيامها محل جروبي الشهير! ويشهد الجميع بأن أي نجاح في إقامة المبني كان المساهم الأول فيه مصطفي القشاشي الذي لم يدخر في ذلك جهدا ولا مالا! أيامها كان مصطفي القشاشي يملك عمارة من ثمانية طوابق خصصها لداره الصحفية, كما كانت له مجموعة من المطابع في القاهرة, وإلي جانب ثلاثين فدانا من أجود الأراضي في القناطر الخيرية بالإضافة إلي حسابات متعددة في مختلف البنوك, كل ذلك أنفقه القشاشي من أجل الصحفيين ونقابتهم! ويسعدني لو أن مجلس النقابة الحالي خصص قاعة فيه باسم محمد مصطفي القشاشي الذي قدم كل ما يملك للصحفيين! في إحدي جلسات المجلس قرروا إيقاف صرف المساعدات والإعانات لعدد من الصحفيين كانوا قد تقدموا بطلبات للحصول علي المساعدة ورأي المجلس رفض طلبهم متعللا بأن حالتهم لا تستحق المساعدة, وعندما انفضت جلسة المجلس وجاءوا يسألون, أبلهم القشاشي بأن المجلس وافق, ولكن أمين الصندوق غائبا, وأنه يصرف لهم المبالغ التي طلبوها وسوف يحصلها من أمين الصندوق عندما يعود! وعندما ناقشة أعضاء المجلس في ذلك قال: لكم أن تقرروا ما تشاءون وقد صرفت لهم من جيبي الخاص لأرفع عنكم وعنهم الحرج! وسوف أستمر في الصرف لهم إذا ما رأيتم عدم الاستجابة لطلبهم! وجاءت أيام لم يظهر فيها القشاشي فافتقدوه ولما طال غيابه أصابهم القلق وبحثوا عنه في كل مكان إلي أن وجدوه مريضا ينام علي سرير صغير متهالك في بدروم أسفل عمارة كان قد باعها ووافق صاحبها الجديد له علي الإقامة في بدرومها! نقلوه إلي أحد مستشفيات الدرجة الأولي ولم تفلح جهود أكبر الأطباء في إنقاذه فمات بعد أربعة أيام, وشيعوه من مبني النقابة وأقاموا له سرادق العزاء أمامها, واليوم لا أجد علي جدران المبني الجديد أي صورة أو شيء عن مصطفي القشاشي صاحب الفضل الذي لا ينكر في إقامة نقابة الصحفيين! بعد الوفاة المأساوية لمصطفي القشاشي, فكر الرئيس السادات عندما تولي الحكم في إنشاء جائزة مالية مقدارها ألف جنيه تصرف شهريا مدي الحياة للأدباء والفنانين والصحفيين الذين مضي بهم العمر ولم يحققوا ما يحميهم من الفقر والعوز, وأطلق عليها اسم جائزة الجدارة, أول من حصل عليها الممثلة الفنانة فاطمة رشدي والأديب الكبير إبراهيم المصري وآخرون غابوا في الذاكرة! قصص كثيرة عن مجموعة رخا تحتاج إلي كتاب خاص! خلال الأربعينيات والخمسينيات وقسط من الستينيات كانت لرسوم رخا أقوي وأبلغ التأثير في الحياة الاجتماعية والسياسية في مصر, ولوحاته الخالدة مازالت وسوف تظل في الذاكرة, كان رخا رمزا للزمن الجميل بالنسبة لرسامي الكاريكاتير المصريين! قبل دخوله في هذا الميدان, كان الكاريكاتير في الصحف المصرية مقصورا علي رسامين أجانب, سانتوس استقدمه من اسبانيا الأمير يوسف كمال الذي كان أول من أنشأ مدرسة للفنون الجميلة في مصر, والرسام رفقي الذي كان ضابطا في الجيش التركي بالإضافة إلي أنه كان كبيرا للياوران في بلاط السلطان عبد الحميد آخر سلاطين العثمانيين الذي أطاح به انقلاب أتاتورك, واستطاع رفقي الفرار واللجوء إلي مصر وعمل رساما للكاريكاتير. ولكن الذي صحح الوضع وفتح الباب للمصريين هو رخا, والذي تعهدنا بالرعاية والتشجيع كان رخا, الذي عمق في نفوسنا الجدية والالتزام والإخلاص للفن وحب الوطن كان هو محمد عبدالمنعم رخا! كان يؤمن وينادي بضرورة توفير الحرية لرسام الكاريكاتير وكان يقول بأن حرمانه من الحرية يفقده التأثير علي الناس وبالتالي يفقده دوره ووجوده وقيمته! والذي أدخلنا أعضاء في نقابة الصحفيين كان رخا, وتلك قصة ينبغي روايتها.. يوم أن تقدم رخا بطلب للحصول علي عضوية نقابة الصحفيين عند إنشائها, كانت لجنة القبول فيها مكونة من رئيس محكمة الاستئناف, بالإضافة إلي أكبر المستشارين عمرا, وممثل لإدارة المطبوعات بالإضافة إلي ممثل وزارة الداخلية وممثل للصحفيين, وكان النقيب أيامها فكري أباظة, وعندما أعلنوا عن فتح باب القيد, تقدم رخا مع أول دفعة, ولكن طلبه لقي الرفض! وعندما سأل عن سبب رفضه قالوا له لأنك رسام ولست محررا, وكانت قضية كتب فيها مذكرة قال فيها إن اللجنة أخطأت بقرارها الذي رفضتني فيه, لأن رسام الكاريكاتير يقول رأيه بالخطوط بدلا من الكلمات وطالب بإعادة النظر في القرار, ولتعزيز طلبه ضمنه15 شهادة لكبار الصحفيين منهم عبد القادة حمزة, ومصطفي أمين ومحمود أبو الفتح وإميل زيدان وآخرون, وكان أن انتصر في القضية ودخل النقابة وأصبح عضوا في مجلس إدارتها لمدة22 دورة متتالية, ولولاه لما كان من الممكن حصول رسام الكاريكاتير علي عضوية نقابة الصحفيين! والذين أسعدهم الحظ وعايشوا رخا عرفوه طيبا مع الطيبين وطيبا أيضا مع غير الطيبين, سمعت منه مرة أن الظروف قد تدفع الإنسان أحيانا إلي فقدان آدميته وعندها يصبح حيوانا, والحيوان لا تجوز محاسبته, وعندما أصابه السأم والملل والإحباط تقاعد وهجر الرسم ثم أصابه المرض وانزوي معتكفا في منزله ومن يوم اعتكافه وأنا أتردد عليه يوميا ونادرا ما كنت أتخلف! كان يقيم في آخر مصر الجديدة وأنا في وسط المدينة ولكني لم أنقطع عن زيارته يوما حتي جاءت الفاجعة ورحل إلي رحاب الله! ما أن بدأت رسوم رخا تظهر علي صفحات المجلات حتي زاد عدد قرائها مما دفعه إلي التفكير في إصدار مجلة كاريكاتورية, ورفضت حكومة محمد محمود التصريح للمجلة, وبعد استقالة محمد محمود تمكن رخا من الحصول علي الترخيص وأصدر مجلها اسمها اشمعني, وكانت أول مجلة في العصر الحديث يملكها رسام مصري وكان عمره أيامها19 سنة وفشلت المجلة نتيجة أخطاء الإدارة وسوء التوزيع! استقبل رخا المعزيين بابتسامة عريضة قائلا: بالعكس ده أنا فرحان لأن هذا الفشل أقنعني بأنني لا أصلح إلا لشيء واحد وهو الرسم! أصبحت كلمات رخا من عقيدتي وهي أنني لا أصلح لشيء غير الرسم! وكان ضمن المعزين في فشل المجلة مصطفي أمين وشقيقه علي وفي أيديهم مجلة حائط مدرسية يأملان في الحصول علي موافقة رخا بالرسم فيها, وكانت بداية صداقة بينهم امتدت حتي نهاية العمر! بعد قيام ثورة يوليو تولي أنور السادات مسئولية إصدار جريدة تنطق باسم الثورة وكانت( الجمهورية), وكان السادات في فترة من حياته عمل صحفيا واختلط بالصحفيين فعرفوه وعرفهم, وعندما بدأ مشروع( الجمهورية) اختار ما اعتقدهم أفضل العناصر, وكان من أحلامه الحصول علي رخا, أيامها كان رخا يرسم أخبار اليوم مع مصطفي وعلي أمين صديقي العمر, وكانت رسومه بقدرته الفائقة في التعبير وخطوطه القوية الراسخة ولوحاته الخالدة وخصوصا السياسية منها تثير إعجاب وانبهار الناس, وله منها علي سبيل المثال لوحة(4 فبراير) التي اهتزت لها مصر! كان تعقيبه علي اقتحام الدبابات البريطانية قصر عابدين وإجبار الملك فاروق بالقوة علي تعيين النحاس باشا رئيسا للوزراء! ولوحة آية الله الكاشاني ولوحة مصر والسودان وعشرات اللوحات التي أحدثت أبلغ التأثير في مزاج وتفكير الشعب المصري. كان حلم السادات ضم رخا للجمهورية, وعندما فاتحت رخا في الأمر قال: أنا مع علي ومصطفي حتي نهاية العمر! واتخاذ السادات شتي السبل وقام بعديد من المحاولات والجلسات من أجل الحصول علي رخا, وأخيرا استطاع كامل الشناوي الذي كان أيامها رئيسا لتحرير الجمهورية أن يميل راس رخا ويصحبه إلي لقاء السادات, وكان العقد جاهزا وبضغط الشناوي ورجاء السادات أمكن إقناعه بالتوقيع علي عقد بالعمل في الجمهورية! وعندما عاد إلي منزله وجلس مع نفسه وفكر في الأمر كانت صداقته بمصطفي وعلي أمين أقوي من قدرته علي ترك أخبارا ليوم! وفي صبيحة اليوم التالي جاء إلي دار التحرير لاهثا متقطع الأنفاس وما أن دخل مكتب السادات حتي سمعه يقول: أهلا يا رخا, أنا كنت منتظرك وفتح درج مكتبه وأخرج العقد ومزقه وشد علي يد رخا قائلا في شيء من الأسف: كان أملي وعندما حاول رخا الكلام قال له السادات: خلاص يا عم رخا بطل أونطة! ا في عهد ما قبل ثورة يوليو, أيام وزارة صدقي باشا, قامت شركة أجنبية كانت تحتكر عمليا نقل الركاب بيين أحياء القاهرة بإهانة عمالها المصريين وحرمانهم من الحقوق مما دفعهم إلي الامتناع عن العمل, ولأن الأجانب من أصحاب الشركات في هذه الأيام كانت لهم سطوة ونفوذ لجأت الشركة إلي رئيس الحكومة وكان أيامها إسماعيل صدقي باشا الذي أصدر أمره بالقبض علي ما أمكن من العمال وأودعوهم السجن فصدرت مجلة المشهور وعلي غلافها كاريكاتير لرخا يصور فيه عاملا مغروزا في ظهره خنجر ورزاز من الدم يتدفق منه أمام رئيس الشركة وصدقي باشا في زي عسكري بوليس يصرخ في وجه العامل قائلا: إوعي كده وسخت بدلة الخواجة! أسرعت الحكومة بمصادر المجلة وقبضوا علي رخا وأودعوه السجن رهن التحقيق وفي آخر يوم من أيام التحقيق وعده رئيس النيابة بالإفراج عنه بعد يومين, وقبل الموعد استدعاه مأمور السجن البكباشي محمود طلعت, ودخل رخا مكتب المأمور وقد اتسعت ابتسامته ظنا منه أن استدعاء المأمور له إيذان بحلول ساعة الإفراج, وكان عندما سمع الوعد من رئيس النيابة قد جمع من زملائه المساجين الرسائل والرغبات لتوزيعها علي الأهل والأصدقاء بعد خروجه من السجن, وقال له المأمور في غضب ودهشة: إنت بتضحك ؟ ده أنت واقع في مصيبة كبيرة واخرج من درج مكتبه نسخة من مجلة المشهور وعلي غلافها رسم لرخا فيه محرر أمام رئيس التحرير يقدم له ورقة وفي يده الأخري حقيبة, ومد المأمور يده بالمجلة وسأل رخا إنت اللي رسمت الرسم ده ؟! وقال رخا: أيوه أنا فيه حاجة فأشار المأمور إلي كلمات مكتوبة بخط دقيق علي الحقيبة وسأل رخا إنت اللي كتبت الكلام ده ؟ وبصعوبة قرأ رخا المكتوب وكان فيه: يسقط الملك فؤاد السكري الحشاش, وعبثا حاول رخا الإنكار وقدموه للمحكمة التي قضت بثبوت التهمة وحكمت عليه بالسجن أربع سنوات مع الأشغال الشاقة, وعندما سألوه عن وقع الحكم في نفسه قال: أصل العدالة كانت مسافرة في المصيف! وبعد أسبوع له في السجن سألوه عن أحواله قال في سخريته المحببة: هانت ما بقاش فاضل غير أربع سنين إلا أسبوع! وعندما أفرجوا عنه في الحادي عشر من ديسمبر1936 قال: الملك فؤاد عاقبني حيا وميتا وكان العرف أيامها الإفراج عن أي سجين بعد قضاء ثلاث أرباع المدة, ولكن وفاة الملك فؤاد جاءت فأخرت الإفراج عنه, وكان أن قضي في السجن الأربع سنوات بالتمام والكمال! وعلي باب السجن كان مصطفي أمين في انتظاره وبعد الأحضان والقبلات صحبة إلي دار روز اليوسف التي كانت تعارض صدقي باشا ليجد محمد التابعي الذي كان يقدر الموهبة فاتحا ذراعيه بالأحضان وأفسح المجال لرسومه التي قفزت بالتوزيع والتي كان باعة الصحف ينادون روز اليوسف ورسوم رخا ظل رخا في روز اليوسف حتي عام1941 بعدها انضم إلي أسرة مجلة الاثنين, عندما تولي مصطفي أمين رئاسة تحريرها حتي عام1944 وعندما أسس مصطفي وعلي أخبار اليوم كانت رسوم رخا تتصدر صفحاتها إلي أن أصابه المرض فتقاعد واكتأب وهجر الرسم ثم غادر الدنيا وعلي فمه ابتسامة ساخرة. وفقدت بذهابه أستاذا عظيما أخذ بيدي وشجعني وفتح لي المجال وهداني إلي الطريق! ذات يوم من شهر فبراير1975 قرأ رخا خبر في الصحف عن مشروع تنوي وزارة الثقافة القيام به لتطوير أغاني أم كلثوم! فأمسك بالقلم وكتب للدكتور كمال أبو المجد وكان أيامها وزيرا للثقافة الخطاب الآتي: عزيزي وزير الثقافة قرأت اليوم في جريدة أخبار اليوم أن هناك اتجاها لتطوير أغاني أم كلثوم, علي أساس وضع توزيع جديد لها, وضغطها ثم إذاعتها بأسلوب متطور! وأحب أن أذكرك بأنه لا يوجد شيء اسمه تطوير وإنما هناك ما يمكن تسميته تطور والتطور يأتي نتيجة للذوق العام, والفنان الحقيقي يستطيع إضافة الجديد, والذي يقول لك أنه سوف يقوم بتطوير فن الموسيقي أو الغناء أو التخت( نصاب), فليس من حق أحد تطوير سيمفونية بيتهوفن أو موزار. وكتابي هذا لكم إنذار مني بأنه في اللحظة التي أسمع فيها من محطة الإذاعة لحنا مطورا من أغاني أم كلثوم, سوف أتجه فورا إلي منطقة الأهرام وأقوم بتطوير تمثال أبو الهول! كانت مصر بكل ما فيها في قلب الفنان رخا, وكان أتعس يوم في حياته يوم5 يونيو1967 كما كان أسعد يوم عندما عبر جنودنا قناة السويس في أكتوبر1973! رحم الله فنانا عظيما ما تركه من رسوم ينبغي ألا يضيع.