في كتابه "إمبراطوريتان بالتوازي" يدرس المؤلف ماسيمو فرانكو ما يسميه "الصراع على السلطة" بين الإمبراطوريتين "الكبيرتين" الأمريكية صاحبة القوة العسكرية الأعظم في عالم اليوم و"دولة الفاتيكان" ممثلة الكنيسة الكاثوليكية ورأسها وصاحبة النفوذ "الأخلاقي" على العالم الكاثوليكي. وتتم دراسة هذا كله على ضوء المعطيات التي حصل عليها المؤلف من الأراشيف السرية للفاتيكان التي استطاع أن يحصل على استثناء الوصول إليها وأيضا من عديد من المصادر الأمريكية الخاصة. ويتم توصيف العلاقات بين "الإمبراطوريتين" منذ البداية أنها مزيج من التحالفات ومحاولات الاستغلال المتبادل وبحيث أن هذه العلاقات جسّدت إلى حد كبير التوترات الدينية والسياسية التي عرفها العالم الذي نعيش فيه. ويبحث المؤلف في العلاقات بين الطرفين منذ أن أصبح للفاتيكان ممثلية دبلوماسية في الولاياتالمتحدة في سنوات الثمانينات من القرن الثامن عشر. وما يتم تأكيده في تحليلات هذا الكتاب - وفق صحيفة " البيان" - هو أن الولاياتالمتحدةالأمريكية عرفت في القرن التاسع عشر نوعا من نزعة العداء ضد الكاثوليكية، وقد استمرت عمليا في القرن العشرين بحيث أن جون كندي هو أول رئيس كاثوليكي ينتخبه الأمريكيون. لكن ذلك لم يمنع واقع أن الولاياتالمتحدة وبابوية الفاتيكان دخلتا في تحالف وثيق من أجل مواجهة المد الشيوعي خلال فترة الحرب البادرة. ومع ذلك بقي التاريخ بين الطرفين يسوده الكثير من الغموض حتى إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية الكاملة بين الطرفين عام 1984. لكن إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية لم تمنع واقع استمرار الخلاف في وجهات النظر بعد ذلك. الأمر الذي ظهر بوضوح عبر معارضة الفاتيكان عمليا للحرب الأمريكية ضد العراق في ربيع عام 2003. ووفق المصدر نفسه ، يشير المؤلف إلى أن أول نجاح دبلوماسي للفاتيكان في أمريكا كان تعيين القس فرانسيسكو ساتولي ك"مفوّض كنسي" في الولاياتالمتحدة خلال سنوات 1893 1996. وكان ذلك القس قد دعا مستمعيه في المؤتمر الكاثوليكي الأمريكي إلى أن يتقدموا إلى الأمام وهم "يحملون الكتاب المسيحي المقدس بيد وباليد الأخرى دستور الولاياتالمتحدة". ذلك في ظل قناعة سائدة آنذاك أن الولاياتالمتحدة تحمي نفسها من التدخل البابوي بواسطة "روح الدستور وإخلاص أولئك الذين يحرسونه". وكانت الحرب العالمية الثانية فرصة لقيام "علاقات عمل" بين الطرفين، ذلك أن الرئيس روزفلت أدرك أهمية الفاتيكان ك"مركز" للاستماع إلى ما يجري في العالم. وكان رونالد ريجان قد أدرك آنذاك إمكانية المساعدات الكبيرة التي يمكن أن يقدمها البابا يوحنا بولس الثاني في المعركة مع الاتحاد السوفييتي. هكذا أصبح "وليام ويلسون" هو أول سفير للولايات المتحدة لدى الفاتيكان الذي اختار القس بيو لاغي سفيرا له في واشنطن، وبهذا المعنى أصبح الفاتيكان عنصرا هاما في السياسة الخارجية الأمريكية. لكن المؤلف يؤكد على الخلاف الكبير بين واشنطن والفاتيكان حول حرب العراق. نقرأ: "لقد انزلقت الولاياتالمتحدة نحو نزعة أحادية قطبية اعتبرتها الأممالمتحدة والفاتيكان تطورا سيئا في العلاقات الدولية وإعلانا عن تدهور العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي" ثم يضيف: "إن الولاياتالمتحدة والفاتيكان، أي الإمبراطوريتين المتوازيتين للغرب، كانتا في عالمين متباينين".