كسحابة الدخان البركانى، تلبدت سماء «الفاتيكان» بغيوم الفضائح الجنسية الخادشة، فأمطرت علامات استفهام عديدة حول موقف الكنيسة الكاثوليكية، ودورها فى مكافحة هذه الجرائم وقطع دابر المسيئين فى حق الكاثوليكية وحق المسيحيين أنفسهم فى جميع أنحاء العالم، حتى تساءل الجميع: «ماذا يفعل الشيطان فى الفاتيكان؟». أجاب الأب جابرييلى أمورث عن التساؤل قائلا «إن الشيطان يقيم فى مقر الزعامة الكاثوليكية.. يستطيع البقاء متخفيا.. ويظهر بصور لطيفة». وأضاف أن الشيطان تظهر شروره «فى حاملى أعلى المراتب داخل الكهنوت الكاثوليكى، ومع الكاردينالات والأساقفة الذين لا يؤمنون بالمسيح»، كما رأى أن الاعتداء على أولاد الكنائس دليل على أن مناهضى المسيح يمارسون حربا ضد الحضرة البابوية المقدسة. جاءت إجابة الأب جابرييلى فى كتابه الذى أصدره مطلع العام الجارى وحمل العنوان نفسه، بعد 25 عاما من عمله كرئيس للمعوذين، الذين يرقون الحضرة البابوية من الأرواح الشريرة، بالتعاويذ والبخور والتراتيل. ويروى التاريخ أنه على مدى قرنين عرف الفاتيكان كل الفضائح الأخلاقية، واجتاز معظمها، لكنها بقيت علامات سوداء فى تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، تطل برؤوسها بين الحين والآخر، كلما انشقت إحدى القيادات الدينية، فيعيد سرد وفضح تلك الممارسات عبر كتاب أو تقرير أو مذكرات، حتى وصف أحد الكتب الفاتيكان بأنه «باغية بابليون». ولم تقتصر الفضائح التى تطارد الفاتيكان على نوعية واحدة، فمنها المتعلق بالشذوذ الجنسى أو الميل نحو الأطفال، كما تطرقت على مدى ال 2000 عام من تاريخ الكنيسة الكاثوليكية إلى كل صنوف الفضائح التى تمس الأخلاق والحياة القويمة، مثل غسل الأموال، وصفقات اغتيال وجرائم قتل، كتلك التى انتهت بشنق مسؤول بنكى إيطالى بارز تحت أحد الكبارى الشهيرة على نهر «تايمز» فى العاصمة البريطانية لندن. ومن هذه الفضائح أيضا تلك المرتبطة بإفلاس بنك إيطالى كبير، كان على علاقة وطيدة بالأعمال البنكية للفاتيكان، فضلا عن أعمال مع المافيا، وعصابات الجريمة المنظمة، التى تباشر نشاطاتها بين إيطاليا والولايات المتحدة وأوروبا. مؤخرا ثارت زوابع فى إيطاليا بسبب الفضائح الجنسية الشاذة التى هزت الفاتيكان بعنف، لأن بعضها مس البابا الحالى «بنديكت السادس عشر»، عندما كان اسمه ريتزنجز، ويتبوأ مركزا مهما وركنا من أركان الفاتيكان، ويقال إنه علم بتلك الفضائح الجنسية الشاذة عندما حدثت فى ألمانيا، وتستر على مرتكبيها، وهو وشقيق له كانا مسؤولين مسؤولية مباشرة عن الكنيسة الألمانية، التى حدثت فيها الفضائح. لهذا تصاعدت أصوات قوية من المهتمين بسمعة الكنيسة الكاثوليكية ومصداقيتها للمطالبة باستقالة البابا، تكفيرا عن تستره على منكر علم به، وسكت عنه. ولهذا أيضا تتصاعد أصوات مضادة من داخل الفاتيكان للدفاع عن البابا، وإنقاذ السمعة الأخلاقية والدينية لقادة فى الكنائس الكاثوليكية، تدنت مصداقيتهم إلى أسوأ درجاتها فى المرحلة الحالية. والفاتيكان عالم ملىء بالأسرار ومغلق على نفسه بأبواب موصدة، فإذا ما خرجت إحدى فضائحه أحدثت دويا هائلا يسمع أصداءه العالم أجمع، كتلك الأسرار التى ضمتها مجموعة ميللنارى ولويجى مارينيللى فى كتاب «كفن الأسرار»، وهم يمثلون عددا من الكهان داخل الفاتيكان، لم يفصح عن اسم أى منهم، سوى اسم لويجى مارينيللى، الذى خضع للتحقيقات بمجرد صدور الكتاب، بعد أن قدم كشف حساب من الداخل عن المكائد والجنس والفساد الدائر وراء أبواب الكنيسة الكاثوليكية. واعتبر ذلك الكتاب بمثابة أول كتاب احتجاجى يصدر من داخل الفاتيكان، منذ عام 1517، عندما علق مارتين لوثر ملاحظاته ال 95 على باب الكنيسة فى «ويتينبورج» بألمانيا. ومن أبرز الأصوات العالية التى اتهمت الفاتيكان بالتستر على فضائح الاعتداءات الجنسية كان لين بريميتر، وهى أم لطفل من ضحايا تلك الاعتداءات، إذ وجهت الاتهام إلى قادة الفاتيكان الرسميين، بمن فيهم البابا الحالى بالتستر على المعتدين، ورفضهم معاقبتهم، وخصت بالذكر أولئك الذين اعتدوا على أكثر من 200 طفل، على مدى 3 عقود زمنية، رغم صدور نداءات من أسقفين أمريكيين. وقالت الأم لين إن البابا يكذب من خلال اعتذاره. وصدرت وثيقة من محامين، ونشرتها صحف أمريكية، تشير إلى اعتداء الأب لورانس مورفى على عشرات الأولاد، عندما كان يعمل فى مدرسة سان جون، لخمسة وعشرين عاما (من 1950 حتى 1975). وتضمنت الوثيقة أيضا خطابات اتهام خلال التسعينيات من أسقفين إلى الكاردينال جوزيف ريتزينجر – قبل أن يتولى منصب البابا – للإذن بتقديم مورفى للمحاكمة داخل الكنيسة. وعلى الرغم من صدور الإذن بالمحاكمة إلا أنها ألغيت، بعد أن طلب المعتدى من ريتزينجر العفو عنه. وتقول تقارير صحفية إن فضائح الاعتداءات الجنسية استمرت داخل الكنيسة الكاثوليكية بعد ذلك لعقد زمنى على الأقل. وتطالب شبكة المدافعين عن الأطفال الضحايا بمعرفة لماذا رفض البابا أى شىء عن اعتداءات القس مورفى، الذى انتشرت فضائحه فى ألمانيا وأيرلندا، ولماذا لم يسمح للشرطة بالتدخل، ولم يقرر إدانته، أو ينزع عنه حمايته.