حملة أوباما.. دروس في المشاركة المدنية عزت إبراهيم لا يمكن اختصار الصعود المفاجيء لمرشح الحزب الديمقراطي باراك أوباما في وصفه بأنه اول مرشح أسود في تاريخ السباق الرئاسي الأمريكي, أو أن الشاب الأسود قد كسر كل القواعد التقليدية في السياسة الأمريكية, لأن الجوانب غير المعلومة أو غير المطروقة من الحملة التاريخية لم تقدم في وسائل الإعلام بالشكل الذي يليق بها, حيث فشل الإعلام في تياره الرئيسي في تقديم الوجه الأكثر إلهاما في مسيرة أوباما وهو إحداث ثورة في المشاركة المدنية من خلال جيل جديد من الشباب الأمريكي. لم يكن أوباما غافلا منذ بداية صعوده في الحياة السياسية الأمريكية عن شريحة واسعة من المجتمع الأمريكي اصيبت باليأس من فرص إحداث تغيير في واشنطن, فكانت نقطة التركيز في حملته الانتخابية هي عدم انتظار إقبال الشباب علي رسالته الانتخابية, أو اقناعهم بالمشاركة عبر الوسائط الإعلامية. خطوة أوباما وكانت هي التواصل المباشر بالشباب في الجامعات من خلال سلسلة كبيرة من المكاتب المختصة, بمخاطبة تلك الشريحة العازفة عن المشاركة في الحياة العامة, من منطلق أن الديمقراطية تتعافي ويشتد عودها عندما يحدث التقارب ما بين مؤسسات العمل السياسي والغالبية العظمي من الناخبين الذين يرغبون ببساطة في توصيل مطالبهم إلي المرشحين عنهم في المستويات المختلفة من مستوي البلديات في التجمعات المتناهية الصغر إلي مستوي اختيار رئيس البلاد.. ودشنت مكاتب حملة أوباما في الجامعات الأمريكية مرحلة جديدة من بناء الثقة أثمرت في تصاعد التأييد للمرشح الديمقراطي بين قطاعات الشباب والمتعلمين والمثقفين علي نحو غير مسبوق في تاريخ الانتخابات التمهيدية لحملة الرئاسة الأمريكية.. المرشح الشاب لم يهمل مبدأ ردم الفجوة بين الأقوال والأفعال.. فكانت خطته التركيز علي المتبرعين الصغار لتمويل حملته الانتخابية وقد تدفق الشباب من صغار المتبرعين علي الانترنت لتمويل حملة أوباما علي نحو يعزز من فرص تغيير شامل لشكل السياسة في واشنطن ويهدد نفوذ القوي التقليدية, بما في ذلك المعسكر الجمهوري نفسه, حيث لم يعد ممكنا اختصار الناخب في مجرد مشوار واحد إلي صندوق الانتخاب, بل لابد من منحه فرصة للدخول في علاقة تفاعلية من مرشحيه وحصوله علي ضمانات عن استمرار حالة التواصل تلك فيما بين الانتخابات, وهو ما سوف يخلق نموذجا جديدا غير مسبوق للعمل السياسي لو أحسنت قراءته وربما ينشر موجات من تغيير نمط الممارسة السياسية خارج الولاياتالمتحدة ذاتها. وفي اتساق واضح مع الرغبة في بناء نموذج جديد لممارسة السياسية, أعطي أوباما توجيهات للجنة الوطنية الديمقراطية لحظر تلقي أموال من جماعات الضغط بغرض اتساق السياسات التي يدعو لها مع السياسات الحزبية وتحرير حملته من نفوذ القوي التقليدية في واشنطن. ان قوة الدفع التي بدأت في ولاية أيوا( الفوز الأول لأوباما في الانتخابات التمهيدية في يناير الماضي) كانت مؤشر ميلاد حركة جديدة من أجل التغيير وبالون الاختبار الحقيقي لنجاح استراتيجية استغلال المجمعات الانتخابية, الفريدة في عملها, لتعميق مشاركة الشباب لتنطلق الحملة الانتخابية بعدها بجرأة غير عادية في جمع التبرعات, والانتشار غير المحدود علي الشبكات الاجتماعية الالكترونية خاصة موقعي ماي سبيس وفيس بوك ثم سعي الصغار لتغيير قناعات عائلاتهم عن المرشحين التقليديين لمصلحة المرشح الحديث العهد بالسياسة بروح تبشيرية تثير الدهشة. وجاءت نتيجة الحملة التي تحولت إلي حركة اجتماعية أرقاما غير معهودة في السياسة الأمريكية حيث صوت ستة ملايين شاب في الانتخابات التمهيدية وهو ضعف العدد في2004, صوت الشباب لمصلحة الديمقراطيين بشكل عام بنسبة2:1 مقابل الجمهوريين حيث وضعت منظمات حزبية وغير حزبية هدف تمكين مليون أمريكي من تسجيل أنفسهم في سجلات الناخبين أولوية قصوي, خاصة في أوساط الفئات المجتمعية الأكثر إهمالا في الانفاق العام وتوفير الخدمات والتي طالما أهملتها الحملات الانتخابية في الماضي. يكمن سر ديناميكية حملة أوباما في تلاقي أفكار جيل جديد كاد يفقد الأمل في بناء ليبرالية جديدة مع كاريزمية شاب قادم من أقلية لونية وليست عرقية يبني اليوم صرحا من التجديد السياسي ربما آن اوانه في واشنطن. عن صحيفة الاهرام المصرية 24/6/2008