أمريكا والجيش اللبناني وعقدة المنشار "الإسرائيلية" سعد محيو ماذا فعل أريك ايدلمان، مساعد وزير الدفاع الأمريكي، في لبنان؟
اجتمع بالرئيس الجديد ميشال سليمان ورئيس الوزراء ووزير الدفاع، اضافة الى النائب سعد الحريري، وبحث معهم جميعاً في "كيفية تعزيز العلاقات الدفاعية الثنائية بين لبنان والولاياتالمتحدة".
هذا وفق الرواية الامريكية. اما المعارضة اللبنانية فلديها قصة أخرى مغايرة، فهي ترى في زيارة ايدلمان محاولة جديدة من البنتاجون لزرع اسفين بين الجيش اللبناني و"حزب الله"، خاصة بعد الاحداث الأمنية الأخيرة في بيروت والتي ادت الى ضعضعة مواقع تيار 14 آذار/ مارس الموالي لواشنطن.
هل شكوك المعارضة في لبنان؟ أجل على الأرجح.
فقبل ذلك بكثير، وبالتحديد في 17 أكتوبر/تشرين الأول ،2007 كان إيدلمان نفسه يبلغ محطة تلفزة لبنانية بأنه يتطلع الى "شراكة استراتيجية" مع الجيش اللبناني "بهدف تعزيز قوته لنزع ذريعة حزب الله في حمل السلاح". وبعدها بيومين، كانت تسري أنباء، نفتها الحكومة اللبنانية، بأن الولاياتالمتحدة عرضت على لبنان معاهدة عسكرية لجعله شريكاً استراتيجياً لها في مواجهة النفوذ الروسي المتزايد في سوريا.
ايدلمان هذه المرة لم يدع علناً لا الى شراكة ولا الى معاهدة استراتيجية، بل حمل معه وعوداً بزيادة وتائر تسليح الجيش ومضاعفة دورات التدريب لضباطه. لكن تخصيصه زعيم تيار الموالاة سعد الحريري بمباحثات منفردة، ومجيئه الى بيروت بعد أسبوعين من الأحداث فيها، أثارا التساؤلات مجدداً: ماذا تعني عودة واشنطن الى التركيز على دور الجيش اللبناني؟
قبل الاجابة تذكير بأن الجيش اللبناني كان يقيم منذ تأسيسه العام 1943 علاقات وثيقة مع الدول الغربية، بدءاً من فرنسا ابان انتدابها للبنان وانتهاء بأمريكا بعد أن ورثت هذه النفوذ الفرنسي- البريطاني في الشرق الاوسط اثر حرب السويس العام 1956. الجيش، بهذا المعنى، كان "الحصة" الامريكية الأبرز في الكعكة اللبنانية. وهذه الحقيقة بقيت على حالها حتى حين باتت القوات المسلحة اللبنانية في عهدة القوات المسلحة السورية في الفترة بين 1989 و2005.
بعد مغادرة الجيش السوري لبنان، برزت الحاجة الى دور كبير للجيش في كل من الجنوب الحدودي والمناطق الداخلية، فعمدت واشنطن الى تخصيص اكثر من 250 مليون دولار مساعدات عسكرية له. بيد أن معظم هذه المساعدات كانت "بدائية" (خوذات، ثياباً، أسلحة خفيفة ومتوسطة) ولم تتضمن معدات جوية وبرية حديثة. لماذا؟ لأن "اسرائيل" كانت، ولا تزال، عقدة المنشار لأي خطة تسليحية غربية وغير غربية للجيش اللبناني. ولم يتغير هذا الوضع حتى خلال معارك هذا الأخير الصعبة في مخيم نهر البارد، حين اكتفت واشنطن بتزويده ب 366 طناً من الذخيرة، و200 عربة جيب من نوع "هامفي"، وبعض أجهزة الاتصالات غير المتطورة. وهذا ما دفع قائد الجيش آنذاك ميشال سليمان الى الاعراب عن شكواه المريرة من الموقف الأمريكي.
واشنطن تريد الآن من الجيش أن يثبت قدرته ليس فقط على حفظ الأمن الداخلي، بل ايضاً على الدفاع عن حدود لبنان الشرقية مع سوريا والجنوبية مع "اسرائيل"، تمهيداً لنزع مبررات وجود سلاح حزب الله، لكنه ليتمكن من ذلك، يجب ان يسلّح بالطائرات والدفاع الجوي والمعدات الحديثة.
مركز جافي "الاسرائيلي" للدراسات الاستراتيجية لحظ مؤخراً ان الفيتو "الاسرائيلي" يجعل الجيش اللبناني ضعيفاً وغير فعال، ما يضعف بدوره قوات "اليونفيل" الدولية والقرار ،1701 ويكرّس دور حزب الله في الجنوب ك "حامٍ للبنان"، ودعا الحكومة "الاسرائيلية" الى تغيير موقفها.
بيد أن ذلك لن يحدث في الغالب. وان حدث، فبشروط "اسرائيلية" قاسية تطال كل قطعة سلاح سيحصل عليها الجيش، ولذا، لا يبقى سوى أن تضغط واشنطن على هذا الأخير للتدخل في الصراعات الداخلية اللبنانية، حتى من دون أن يحوز شرعية الدفاع عن لبنان ضد التهديدات الخارجية، ومن دون أن يمتلك القدرة على مواجهة حزب الله، فواشنطن، ومعها تل أبيب، لا تهتمان اذا ما قتل الراعي فيما هما تتمتعان بالتهام الغنم اللبناني. أريك ايدلمان في بيروت؟ فلنبدأ بحصر الخسائر! عن صحيفة الخليج الاماراتية 5/6/2008