حزب الله: بداية النهاية جهاد فاضل يستيقظ حزب الله من حرب الأيام الستة التي خاضها ضد السنة في بيروت والدروز في الجبل، فإذا الدنيا غير الدنيا. ففي الداخل تغيّرت نظرة الناس إليه وفقد كل رصيد له عندهم، وبات الجميع علي اقتناع بأنه لا مستقبل لميليشيا مذهبية مدججة بالسلاح في بلد متعدد الطوائف والمذاهب نظامه ديمقراطي برلماني مرتبط بالعصر لا بالقرون الوسطي. أما في الخارج فإن نُذُر تغيّر الدنيا واضحة حتي لمن لا يملك بصر زرقاء اليمامة. فمفاوضات اسطنبول بين السوريين والاسرائيليين تحمل لحزب الله كل يوم اخباراً جديرة بأن يستخلص نتائجها. ففي غد قريب سيتم الصلح بين سوريا واسرائيل وسيكون لسوريا سفارة في القدس ولإسرائيل سفارة في دمشق. وأولمرت يقول بكل وضوح ان السوريين يعرفون جيداً ماذا نريده منهم. وما يريده الاسرائيليون من السوريين لا حاجة لكد الذهن بخصوصه فكل المنظمات والميليشيات المسماة إرهابية ستكون خروف العيد المتوقع بين الدولتين. بل ان هذه المنظمات والميليشيات نفسها ستكون خروف عيد مرة اخري إذا ما قيض للمفاوضات السرية الدائرة الآن بين الولاياتالمتحدةوايران ان تنتهي وان تضع بالتالي حداً للنزاع بين الدولتين. عندها لن تعود إيران بحاجة الي حزب الله، وعندها يكون حزب الله قد أدي الغرض الذي أنشأته ايران من أجله. وكل هذا يؤكد ان هذا الحزب لم يكن مجرد نبات طبيعي نشأ في الأرض اللبنانية، وإنما كان نباتاً غريباً عنها. علي أن هناك ظروفاً كثيرة تضع مستقبل هذا الحزب علي المحك، غير ظروف المفاوضات بين سوريا واسرائيل وبين ايرانوالولاياتالمتحدة. ففي داخل الطائفة الشيعية اللبنانية باتت الأصوات المعارضة لنهج حزب الله أكثر تجرؤا من السابق. والواقع ان هذه الأصوات لم تعد تقتصر علي مثقف من هنا وآخر من هناك، بل تحولت الي حركة منددة بالاستئثار بقرار الطائفة، وخطفها، وعزلها عن بقية الطوائف، وهو ما لم يواجهه شيعة لبنان في السابق. ويتساءل هؤلاء المعارضون عن الفائدة التي تجنيها الطائفة جراء علاقتها الذيلية بإيران وإذعانها المطلق لولاية فقيهها او لولاية قائد حرسها الثوري. وبلسان هؤلاء يقول السيد علي الأمين مفتي صور وجبل عامل أن ولاية الفقيه موضع خلاف شديد عند الشيعة قديماً وحديثاً، وانه بين ولاية الفقيه و ولاية الدولة علي كل مواطنيها، لا يختار شيعة لبنان سوي الولاية الأخيرة دون سواها. علي أن الضرر الذي أحدثه حزب الله في لبنان لا يقتصر علي خطف الطائفة الشيعية والاستئثار بقرارها، بل يتجاوز ذلك الي إسهامه الكبير في نشر المذهبية علي أوسع نطاق سواء في داخل لبنان أو في خارجه. المعروف أن لبنان بلد يضم ثماني عشرة نحلة دينية، فهو بالتالي بلد ذو خصوصية معينة لا ينفع فيه سوي الحكم المدني الذي يحض علي التسامح والاخوة والمواطنية ويرفض كل مظهر مذهبي فاقع. ولا شك ان من شأن وجود حزب سياسي مسلح تسليحاً حديثاً ومسلح أيضاً بمذهبية حادة، أن يثير الريبة والفزع والقلق عند الآخرين. خاصة وأن هذا الحزب منطو علي نفسه، لا يسمح لأحد من خارج الشيعة بأن يدخل صفوفه أو صفوف مقاومته. ولكن لعل مذهبيته هي أخطر ما فيه. وفي بلد كلبنان تشكل المذهبية مرضاً سريع العدوي أي قابلا للانتقال الي الآخرين وفي لبنان، ثمة طائفة، أو فئة من هذه الطائفة، تستدعي من التاريخ وباستمرار علي مدار الليل والنهار، مشهداً كربلائياً شديد التوتر. هذا المشهد كما يوتر النفس، يوتر الجار، ويوتر الحياة العامة ايضاً ومن شأنه أن يتسبب بإشعال الفتنة في أي وقت. أما البديل من هذا المشهد فهو الإسلام السمح الذي يحض علي وحدة المسلمين ويدعو الي التقريب بين مذاهبهم، ويعتبر أن ما جري في عصور الإسلام الأولي بصدد التنازع علي الخلافة إنما كان مجرد أحداث سياسية لا يجوز أن تؤثر علي جوهر العلاقة بين ابناء الدين الواحد. لقد كانت مجرد أحداث سياسية لا علاقة لها بالعقيدة من قريب أو بعيد. فالعقيدة واحدة والرسول واحد، والقرآن واحد والبقية تفاصيل لا يجوز التوقف عندها أو البناء عليها. طبعاً حصل تخريب واسع علي صعيد نشر المذهبية في لبنان، ولكن الأمر لم يقتصر علي المذهبية، بل تجاوزها الي تعطيل البلد ومنع سريان الحياة فيه. احتلوا وسط بيروت قبل سنة وستة أشهر، ثم احتلوا ما تبقي منها بعد ذلك.. وكانوا قبلاً قد عطلوا الحياة النيابية، وشلّوا المرافق العامة. وبالعين المجردة يمكن وصف كل ما جري بأنه اعتداء علي مجتمع راقٍ متحضر حديث، بل علي بلد لا نظير له في الرقي والحضارة والحداثة. ولأن لديهم أموالاً لا تُحصي ولا تُعد، فقد تمكنوا من شراء ذمم كثيرين من طوائف أخري. وقد أدت هذه الذمم وظيفتها علي أفضل وجه، إذ أمنت التغطية السياسية الداخلية المطلوبة، والواقع انه لولا هؤلاء المؤلفة قلوبهم الجدد، لما أمكن السطو علي إرادة الوطن وقراره في السنوات الماضية. ثمة دروس وعبر كثيرة ينبغي أن يستخلصها الجميع من كل هذا الذي حصل، منها ان لبنان يستحق من كل أبنائه ولاء لا يجوز ان يعلو عليه أي ولاء آخر. لقد أثبتت الأحداث أن أكثر هؤلاء الذين تحركوا علي الساحة اللبنانية إنما كانوا دُمي في يد الخارج. ولو بحثنا عن سر تحول الإنسان الي دمية، لما وجدناه إلا في اتباعه لغريزة بدائية، أو في انصياعه الأعمي لطاعة ولي غير جدير بالطاعة. لقد آن الأوان للبناني، الي أية طائفة انتمي، أن يجد في لبنان وطنه النهائي الوحيد، وأن يتمرد علي غريزته الطائفية والمذهبية، وأن يعمل لصياغة وطنية لبنانية صعبة ذات توجه مدني ومستقبلي. وقد أثبتت الأحداث ان الذي يعمل أداة للخارج تنتفي الحاجة إليه عندما يؤدي غرضه، ولكنه يفقد عندها الكثير. كما أثبتت الأحداث ان المذهبية شرّ مطلق، وأن السماحة الدينية والوطنية سر تقدم الأمة وازدهارها. عن صحيفة الراية القطرية 26/5/2008