نكبة لبنان علي غرار نكبة فلسطين جهاد فاضل كلما لاح في الأفق ما يفيد أن حزب الله لابد أن يتخلي عن سلاحه للدولة اللبنانية، وأن يتحول بالتالي إلي مجرد حركة سياسية، سارع الحزب إلي تطمين الجميع بأنه مستمر كمقاومة وأنه بالتالي لن يلقي سلاحه. فقبل أيام وعندما ورد في الأخبار أن هناك سعياً جدياً تشارك فيه مصر لوضع مزارع شبعا تحت وصاية الأممالمتحدة، أعلن أكثر من ناطق باسم حزب الله أن هذا الأمر لا يقدم أو يؤخر في عمل المقاومة. فالمقاومة باقية علي جهوزيتها كحركة مسلحة ينتظرها الكثير من المهام في المستقبل. وقد ظن كثيرون عقب انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان قبل سنوات إلي حدودها الدولية أن حزب الله سيقول وداعاً للسلاح. فمقاومته نشأت أصلاً كحركة تحرير للجنوب. وها هو الجنوب قد تحرر، فما هي حجة حزب الله للاستمرار في حمل السلاح؟. والواقع أن حزب الله صمت يومها عن أي جواب بانتظار تقديم خطاب يُقنع الناس. فما كان منه بعد أسابيع قليلة إلا أن أعلن أنه مستمر في المقاومة المسلحة. ولكن علي أي أساس؟ قال إن هناك القري السبع التي تحتلها إسرائيل في منطقة الجليل، وهي قري لبنانية ينبغي أن تعود إلي حضن الوطن الأم لبنان. ثم اكتشف بعد ذلك أن لشبعا مزارع محتلة، وإن لكفر شوبا أيضاً تلالاً لم تُعدها إسرائيل إلي لبنان يوم رُسم الخط الأزرق، وهو خط أقرت الدولة اللبنانية لهيئة الأممالمتحدة، بأنه يشكل حدودها مع إسرائيل، أو مع فلسطين التاريخية، وأن إسرائيل بالتالي قد انسحبت من كل الأراضي اللبنانية. وكان واضحاً يومها أن أية مطالبات لبنانية أخري- بما فيها مزارع شبعا- خاضعة للتفاوض مع إسرائيل بواسطة هيئة الأممالمتحدة. ولكن حزب الله بعد أن اكتشف مزارع شبعا أعلن بلسان قادته أن مزارع شبعا حتي لو تحررت، فإنه لن يلقي سلاحه أبداً. قال نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم إن الحزب تنتظره مهام كبيرة في المستقبل. مثل ماذا؟ مثل تحرير بقية الأراضي العربية والفلسطينيةالمحتلة كالجولان وصولاً إلي القدس. عندها تأكد للناس أن حزب الله ليس مجرد حركة مقاومة لبنانية، وإنما هو جزء من الحرس الثوري الإيراني ينفذ مهام منوطة به، وأنه بالتالي جزء من الاستراتيجية الإيرانية. وعندما أعلن السيد حسن نصر الله قبل أسابيع أنه يشرفه أن يكون فرداً في حزب ولاية الفقيه، كان كثيرون يراجعون تاريخ حزب الله علي هذا الأساس. فالعقيدة ذات طابع مذهبي بحت، واتباع الحزب في لبنان مجرد رعية تابعة للولي الفقيه المقيم في طهران.. والتنظيم المسلح الذي أنشأته إيران في لبنان، ودربته وسلحته ومولته حتي استوي علي ما هو عليه، ليس سوي أداة في خدمة المشروع القومي الإيراني المسمي- بحسب الظاهر لا غير- المشروع الإسلامي الإيراني. حزب الله- وكما يُجمع كل من درس ظاهرته ورصد تاريخه- لا يملك قراراً ذاتياً لا في الشؤون السياسية ولا في الشؤون العسكرية. ومسألة تبعيته لولاية الفقيه لا تُستخلص من خطاب سياسي ألقاه أمينه العام بل من مجمل سيرته وبخاصة من دستوره الحزبي الذي نص بصراحة علي أنه تنظيم تابع لولاية الفقيه. ومن الطبيعي لمثل هذا التنظيم أن يستمر في عمله الموكل إليه ريثما تتوصل إيران إلي تسوية ما مع أمريكا. فإذا ما حصلت هذه التسوية، تكفلت إيران بنزع سلاحه وتدجينه، كما تكفلت بالأمر نفسه مع منظمة حماس، ومع أية منظمة عسكرية أخري تابعة لها. فهذه كلها منظمات عسكرية تربطها روابط استراتيجية عضوية مع المركز الإيراني، ومصيرها يتقرر علي ضوء التسوية التي قد تحصل وقد لا تحصل بين إيران وأمريكا. ولكن ماذا لو اكفهرت الأجواء بين الإيرانيين والأمريكيين، وأمطرت السماء حمماً لا تبقي ولا تذر؟ لا يحتاج المرء إلي عيني زرقاء اليمامة، ولا حتي إلي تحليل المحللين. ففي الوقت الذي ستنشب فيه الحرب في الخليج، تكون هذه الحرب قد نشبت في اللحظة ذاتها بين إسرائيل وحزب الله. ولكنها ستكون هذه المرة مختلفة عن حرب تموز قبل سنتين. لن يُفاجأ أحد إذا ضربت إسرائيل عدوها ضرباً موجعاً ثأراً لإخفاقات الحرب الماضية. ولن يُفاجأ أحد إذا ضربت إسرائيل أيضاً ضرباً موجعاً البيئة الشيعية اللبنانية الحاضنة لحزب الله. فمهما قيل إن حزب الله يؤلف في جوهره نوعاً من حركة انشقاقية داخل الطائفة الشيعية تماماً كما تؤلف حركة الاخوان المسلمين في مصر حركة انشقاقية داخل الإسلام المصري، فإن هذا الحزب لم يكن لينمو ويكبر ويزدهر لو لم يجد بيئة شيعية تحضنه. فالطائفة الشيعية اللبنانية بمدنها وقراها وشتي مناطقها من الطبيعي أن يستهدفها عدو شرس واعٍ سياسياً وعسكرياً، وذلك بقصد تأديبها تأديباً يجعلها تفكر ملياً في المستقبل بمساعدة من يفكر أو يحلم بما فكر حزب الله أو حلم به. ولكن إسرائيل لن تكتفي بمعاقبة الشيعة وحدهم. إن التركيبة اللبنانية نفسها ستكون معرضة أيضاً للتأديب والعقاب. ان حزب الله بنظر إسرائيل لم ينْمُ أو يتطور، كما نما وتطور، لو لم يكن هناك في التركيبة اللبنانية عوامل موضوعية ساعدت حزب الله علي النمو والتطور. فلبنان كله إذن، وليس إحدي طوائفه فقط، سيتعرض لكارثة لم يتعرض لها في السابق. ولكن من شأن حلول هذه الكارثة بنظر الإسرائيليين ردع الحركة الشيعية المعاصرة، وردع لبنان كله أيضاً. إن إسرائيل لا تريد القضاء علي حزب الله وحده بل علي تلك التربة اللبنانية الخصبة التي أنتجت في يوم من الأيام فتح واخواتها، وانتجت فيما بعد حزب الله وجعلت من ترسانته الأيديولوجية والعسكرية أمراً ممكناً. تري إسرائيل أن أعظم حركتين مسلحتين ازعجتاها ازعاجاً شديداً علي مدي تاريخها المعاصر، وهما حركة المقاومة الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية، انطلقتا في واقع الأمر من لبنان واتخذتاه لها مقرا وملاذاً، وأنه لم يكن لهاتين الحركتين أن تصلا إلي ما وصلتا إليه لولا وجود شيء ما في لبنان حضنهما وأمن لهما الولادة والنمو. علي هذا الشيء، أي علي تلك العوامل الموضوعية، سينصب غضب الآلة العسكرية الإسرائيلية إن لم تجر تلك التسوية التي تظهر وتختفي بين الإيرانيين والأمريكيين. إذا أمكن للمشروع القومي الإيراني أن يتوصل إلي تلك التسوية، فإن حزب الله سيكون بنداً في بنودها. سينزع حزب الله سلاحه لا محالة، وسينجو كما سينجو لبنان، من ضربة إسرائيلية موجعة. ولكن التحليلات كلها تُجمع علي أن إسرائيل لا تدفع باتجاه هذه التسوية، بل باتجاه الضربة. وهذا يعني أن لبنان تنتظره نكبة شبيهة بنكبة فلسطين عام 1948 عقاباً له علي فلتانه وتشريع أبوابه للرياح. وهذه الضربة بنظر الإسرائيليين، ومن يقف وراءهم، من شأنها وضع حد نهائي لظاهرة حزب الله أو للأصل والفرع معاً! عن صحيفة الراية القطرية 30/6/2008