حفلت الأسابيع الماضية في منطقة الشرق الأوسط بمجموعة من التفاعلات التي غلب عليها طابع التوتر, حيث بدأت حالة التصعيد بإطلاق إسرائيل اتهاماتها لسوريا بتزويد حزب الله بصواريخ سكود وهي الاتهامات التي تبنتها واشنطن ووجدت فيها تهديدا للاستقرار الهش في المنطقة في حالة ثبوتها, وتبع ذلك جملة من التفاعلات كان من أبرزها زيارة الرئيس الروسي مدفيدف لدمشق حاملا معه تطمينات من إسرائيل بعدم نيتها شن حرب في المنطقة, غير أن الأمور لم تهدأ حيث قامت إسرائيل بإجراء اكبر مناورات في تاريخها, وأعقب ذلك حملة التهديدات التي أطلقها حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله بتهديد إسرائيل بحريا وإرساء معادلة جديدة لمواجهة أي حرب مقبلة مع إسرائيل, الأمر الذي أعاد إلي الأذهان طبيعة العلاقة والتحالف القائم بين سوريا وحزب الله, باعتبار أن طرفي هذا التحالف كانا في قلب حالة التصعيد الأخيرة وعلاقة ذلك بتطورات أزمة الملف النووي الايراني, مما أثار جملة من التساؤلات حول حزب الله وطبيعة ومحددات تحالفه مع سوريا وارتباط ذلك بالعلاقة مع إيران. كان الميلاد الفعلي لحزب الله بلبنان عام1982 بمثابة المحطة الأهم في تاريخ التحالف السوري الإيراني. فالحزب الذي نشأ كرد فعل للاحتلال الإسرائيلي للبنان, جاء أيضا ليعبر عن مصالح فئة متزايدة من الشيعة اللبنانيين الذين تلقوا علومهم الدينية في قم والنجف. وليسد أيضا حاجة سكان الجنوب اللبناني للأمن والدفاع في مواجهة الخسائر البشرية المتلاحقة التي أحدثها الاحتلال لعدة سنوات. ورغم تخوف سوريا التاريخي من أن يزاحمها أحد في لعبة بسط النفوذ في لبنان, فقد اضطرت للقبول بالدعم العسكري الإيراني كي تتلافي العجز في ميزان القوي بينها وبين إسرائيل..وهكذا نما حزب الله وتمدد في كنف التحالف السوري الإيراني وفي مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. غير أن التحالف السوري الإيراني عبر حزب الله لم يمر دون عقبات, حيث شكل الحزب تحديا للهيمنة السورية علي لبنان في بعض المراحل, لاسيما في المرحلة التي أعقبت انسحاب القوات الإسرائيلية إلي الشريط الحدودي عام1985 حيث عارض حزب الله بقوة السياسة السورية القاضية بحصار المخيمات الفلسطينية في لبنان فيما عرف بحرب المخيمات عامي1984-1985. وبينما تولت حركة أمل الشيعية تنفيذ السياسة السورية في الحصار, تحدي حزب الله هذه السياسة واستمر في تقديم المساعدات الغذائية والمياه إلي المخيمات. وقد تطور الوضع عدة مرات إلي صدام مسلح بين أمل وحزب الله, بل إن صداما مسلحا قد وقع بين القوات السورية وحزب الله عام1987 في الضاحية الجنوبية. وإزاء سيطرة القوات السورية علي المشهد أذعنت إيران لواقع هيمنة سوريا علي لبنان وقررت التنسيق معها لممارسة نفوذها المتمدد آنذاك. بعد اتفاق الطائف أجري حزب الله تحولا جذريا في بنيته الفكرية إزاء الدولة اللبنانية وتزامن ذلك مع تبدل القيادة العليا للحزب لتحل قيادة أكثر اعتدالا وبراجماتية بدلا من تلك المتشددة التي أشرفت علي ميلاد الحزب. وهكذا اعترف الحزب بنهائية الكيان اللبناني واحترام الدستور بل ونشط سياسيا واستثمر شعبيته الكبيرة في صفوف الشيعة وحقق نتائج جيدة في الانتخابات البرلمانية المتوالية منذ عام1992 ورغم عدم تخلي الحزب عن مبدأ مقاومة الاحتلال الإسرائيلي, إلا أنه صار أكثر مرونة واستجابة للاشتراطات السورية في هذا الشأن. فكان يستجيب لمتطلبات التهدئة والتصعيد التي استنتها سوريا في تفاوضها مع إسرائيل خلال التسعينيات وحتي عام2000 حتي أن الحزب قد بدا مستعدا للنظر في إمكانية التزامه باتفاق سلام سوري إسرائيلي كان حينها علي وشك التوقيع. غير أنه منذ انهيار مفاوضات السلام السورية الإسرائيلية في ابريل2000 وتولي بشار الأسد في يوليو من العام نفسه تطورت صيغة التحالف بين سوريا وحزب الله. فقد أدي انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني عدا مزارع شبعا في مايو2000 إلي أن يحصد حزب الله وحده مكاسب هذا الانسحاب دون التقيد باتفاق سلام كان سيخضعه للشروط السورية. كما أن إبرام الحزب لعدة صفقات لتبادل الأسري مع إسرائيل قد أظهره بصورة الكيان المستقل الذي يفاوض وإن بشكل غير مباشر ويحسن استخدام أوراق الضغط والمساومة. من جهة ثانية أدت طبيعة إدراك القيادة السورية الجديدة لحزب الله ودوره إلي تعزيز هذا التوجه, فإعجاب الرئيس بشار الأسد بتجربة الحزب جعلته يتجه لعلاقة شراكة وتنسيق وليس لعلاقة إجبار أو إملاء. وفي سنوات ما بعد الحرب استكمل حزب الله بناء شبكة خدمات واسعة في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية, كما وفر فرصا للتعليم العالي أسهمت في دمج الطائفة الشيعية المهمشة تاريخيا, في مختلف مجالات المجتمع اللبناني. وقد استطاع حزب الله أن يطور هذه الخدمات بمعزل عن شبكة العلاقات الاقتصادية التي تكونت حول الوجود العسكري السوري في لبنان. وبعد الانسحاب السوري بدا حزب الله متمتعا بحرية حركة أكبر ومتخففا من الوصاية السورية علي أدائه, فشرع عقب حرب2006 في حملة واسعة لإعمار ما تهدم جراء الحرب بتمويل إيراني ضخم عزز من وضعه الاقتصادي. وهكذا فإن الحزب الذي تكون بدعم إيراني ورضاء سوري بدأ يعرف تدريجيا طريقه نحو الاستقلال النسبي, حيث بدا أن التخفف من الوصاية السورية لم يصب تلقائيا في مصلحة النفوذ الإيراني, بل في مصلحة قاعدته الجماهيرية اللبنانية, ولولا الوضعية الخاصة التي تتسم بقدر من حرية الحركة النسبية للحزب ما كان أمينه العام ليحضر القمة السورية الإيرانية بدمشق في فبراير الماضي ويظهر بمظهر الشريك والحليف لكلا البلدين. ورغم اعتراف الحكومة اللبنانية في بيانها الوزاري بحق لبنان جيشا وشعبا ومقاومة في استعادة أراضيه المحتلة بكل السبل, فإن معضلة سلاح المقاومة تبقي تحديا لمتطلبات سيادة الدولة الحديثة في لبنان. وفي الوقت نفسه لا يبدو أن حزب الله بوارد الاستدراج طواعية إلي مواجهة جديدة مع إسرائيل, فالحرب السابقة رسخت مبدأ تجنب تسخين الحدود من جانب حزب الله, خاصة أنه قد خاض معركة أخري لا تقل عن المعركة مع إسرائيل وهي معركة الإعمار, الأمر الذي يصعب من احتمال مبادرة الحزب للاشتباك مع إسرائيل في الوقت الحالي. وفيما يتعلق بالتوترات الحالية, فإن هناك استحالة عملية لإدخال وإخفاء صواريخ بحجم سكود من سوريا إلي لبنان كما بين قائد قوات اليونيفل, ومن ثم فلا يمكن قراءة الادعاءات الإسرائيلية والتصعيد الذي تلا ذلك إلا من زاوية عرقلة الانفتاح الأمريكي علي الحوار مع سوريا وشد الأنظار بعيدا عن استحقاقات المفاوضات مع الفلسطينيين, بما يتيح كسب المزيد من الوقت في بناء المستوطنات ووضع شروط واقعية علي بنود اتفاق الوضع النهائي. وفي هذه الأثناء يبدو مستقبل حزب الله منفتحا علي مختلف الاحتمالات تبعا لتطور الصراع العربي الإسرائيلي. ولكن في ظل تشدد الحكومة الإسرائيلية الحالية تتضاءل فرص التسوية مما يبقي للحزب وضعه الاستثنائي في المنطقة ومعادلاتها.