تواصل الجدل والتخبط السياسى الأمريكى تجاه الموقف من سوريا بسبب المزاعم الصهيونية حول تسليح سوريا لحزب الله اللبنانى بصواريخ سكود الباليستية، فيما تراجع باراك وزير الحرب الصهيونى عن تأكيد وجود صواريخ سكود لدى حزب الله اللبنانى. فقد اعلن دبلوماسي امريكي الجمعة (23-4)، ان سورية تزود حزب الله اللبناني بمجموعة واسعة من الصواريخ، مشيرا الى ان احتمال تزويد سورية الحزب بصواريخ سكود لا يزال "موضع دراسة عن كثب". وقال هذا المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته "اننا قلقون حيال توسيع نطاق التعاون بين سورية وحزب الله". واضاف "ان سورية تزود الحزب الشيعي اللبناني بمجموعة واسعة من الصواريخ". وذكر هذا المسئول الكبير بان الولاياتالمتحدة تعتبر سورية من الدول "الداعمة للارهاب"، بسبب "معلومات وفيرة جمعت منذ عدة سنوات حول الدعم السوري لحزب الله". واضاف المسئول الامريكي "اما بالنسبة لمعرفة ما اذا كانت (صواريخ) سكود عبرت حدود لبنان"، فان هذا الامر لا يزال "موضع دراسة عن كثب". وابدت الولاياتالمتحدة قلقها هذا الاسبوع من احتمال تزويد سورية حزب الله بصواريخ سكود، محذرة من "ان كل الخيارات ستكون مطروحة" لو تأكد ذلك.
مساعى لتحسين العلاقات يأتى هذا فيما اكدت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون انه "في الوقت الحاضر" فان الولاياتالمتحدة تسعى الى تعميق علاقاتها مع سورية رغم المخاوف من ان تكون دمشق قد نقلت صواريخ سكود الى حزب الله اللبناني. الا ان كلينتون قالت في تصريحات على هامش اجتماع وزراء خارجية حلف الاطلسي في العاصمة الاستونية تالين الخميس (22-4): "ان سياسة الرئيس الامريكي باراك اوباما ببدء حوار مع سورية يمكن ان تتغير اذا تبين ان دمشق قامت بنقل تلك الصواريخ الى المليشيا الشيعية". وكانت الخارجية الامريكية قد استدعت دبلوماسيا سورية بارزا في واشنطن الاثنين الماضى للمطالبة بالانهاء "الفوري" لاية عمليات نقل اسلحة، خاصة صواريخ سكود، تشتبه تل أبيب بان سورية تقوم بها الى حزب الله. الا ان فيليب كراولي المتحدث باسم كلينتون قال ان واشنطن لا تستطيع التأكيد ما اذا كانت عملية نقل صواريخ سكود قد جرت فعلا. وردا على اسئلة الصحفيين حول تأثير احتمال نقل سورية صواريخ الى حزب الله على سياسة واشنطن بالحوار مع دمشق، قالت كلينتون ان واشنطن اعربت عن "اشد القلق.. بشأن هذه الانباء التي تشير الى انه حصلت عملية نقل لتكنولوجيا اسلحة الى سورية من اجل نقلها لاحقا الى حزب الله داخل لبنان". واضافت انه "في الوقت الحاضر فاننا نعتقد انه من المهم المضي في عملية اعادة السفير الامريكي الى سورية لاول مرة منذ خمس سنوات". واكدت ان هذا "ليس نوعا من المكافأة للسوريين والاعمال التي يقومون بها والتي تسبب ازعاجا كبيرا ليس فقط للولايات المتحدة واسرائيل بل كذلك الى آخرين في المنطقة وخارجها". واضافت "ولكن.. هذه اداة يمكن ان تمنحنا ميزة اضافية ونظرة عميقة وتزودنا بالتحليل والمعلومات فيما يتعلق بتحركات ونوايا سورية". وتابعت "نريد ان تكون لنا علاقة اكثر اتزانا وايجابية مع سورية، نود ان نرى سورية تلعب دورا اكثر ايجابية وتشترك في جهود حل النزاع القائم مع اسرائيل".
لا قيمة لتهديدات امريكا وتأتي التحذيرات الامريكية لسورية المتهمة بتزويد حزب الله بصواريخ سكود في الوقت الذي تأمل فيه دمشق بعودة الدفء الى علاقتها مع واشنطن. واعتمدت واشنطن على نحو مفاجئ لهجة قاسية نحو دمشق على لسان جيفري فلتمان مساعد وزيرة الخارجية الامريكية لشئون الشرق الاوسط. وقال فلتمان خلال جلسة استماع في الكونجرس مساء الاربعاء الماضى "اذا صحت تلك الانباء، فسيتعين علينا دراسة كل الادوات المتوافرة لنا من اجل جعل سورية تصحح هذا العمل". وقال محلل سياسي، طلب عدم الكشف عن اسمه، في تصريح لوكالة "فرانس برس": "ان التهديدات ليس لها اي قيمة، ليس هناك ما يعزز ان هذا يعكس الموقف الرسمي لادارة اوباما". واضاف فلتمان "لقد اظهرت الولاياتالمتحدة في السابق انها قادرة على التحرك.. اعتقد ان كل الخيارات مطروحة في هذا الشأن". ولكن المحلل السوري اعتبر انه "ليس صحيحا ان الولاياتالمتحدة تملك كل الخيارات في المنطقة.. الولاياتالمتحدة ليست طليقة اليدين في الشرق الاوسط، وسورية والعرب يدركون ذلك". وكان الرئيس الصهيوني شيمون بيريز قد اتهم في الاونة الاخيرة سورية بانها زودت حزب الله الشيعي اللبناني بصواريخ من طراز سكود. وجدد رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو الخميس الماضى اتهام دمشق بنقل اسلحة الى حزب الله. وقال نتانياهو للقناة الثانية في التلفزيون الصهيوني ردا على سؤال حول الوضع على الحدود الشمالية، "لا نريد الحرب. لكن هناك اسلحة تنقل الى حزب الله عبر الحدود بين سورية ولبنان، وهذا امر غير مقبول". ونهجت الولاياتالمتحدة نهج تلأبيب وطالبت دمشق بتوضيحات.
أسف سورى واصدرت الخارجية الامريكية بيانا مساء الاثنين الماضى جاء فيه "لقد تم استدعاء اعلى دبلوماسي سوري موجود في واشنطن هو مساعد رئيس البعثة زهير جبور الى وزارة الخارجية للاستفسار عن اعمال استفزاز من قبل سورية تتعلق باحتمال نقل اسلحة الى حزب الله". بالمقابل ردت سورية باتهام الادارة الامريكية بتبني مزاعم الدولة الصهيونية، واعربت على لسان وزير خارجيتها وليد المعلم عن اسفها لتورط الخارجية الامريكية بتبني المزاعم الصهيونية. وقال المعلم بحسب ما نقلت عنه وكالة الانباء الرسمية (سانا) انه "تم تحذير المسئولين الامريكيين من تجاهل الدوافع الاسرائيلية في اطلاقها لهذه المزاعم والضجيج الذي تثيره بهدف خلط الاوراق وحرف النظر عن الجرائم التي ترتكبها اسرائيل في الاراضي الفلسطينية المحتلة". وفي معرض تعليقها على الموضوع اتهمت الصحافة السورية واشنطن بتبني الموقف الصهيوني. وتساءلت صحيفة "تشرين" الحكومية "هل تصدق الادارة الامريكية فعلا ما تزعمه اسرائيل وتدعيه من ارسال صواريخ سكود الى حزب الله ام انها تزعم انها تصدق ذلك في سبيل ارضاء مزاعم اسرائيل وتوفير الفرصة لها لشن عدوان جديد في المنطقة؟". واكدت الصحيفة ان "اسرائيل تكذب وتفتري. ان سورية بالتأكيد لم تمنح احدا صواريخ سكود. ولا تزال السياسة الامريكية تجاه العرب اسرائيلية الهوى والمزاج، ولا تزال لغة امريكا السياسية تتبنى مصطلحات العدو الصهيوني ومفردات خطابه". واضافت "على الولاياتالمتحدة ان تشرح لنا لماذا يحق لاسرائيل وحدها امتلاك سلاح تدميري شامل فيما لا يحق للعرب والمسلمين الدفاع عن انفسهم".
استمرار تحسن العلاقات وتأتي الازمة في حين تواصل العلاقات بين دمشقوواشنطن تحسنها بعد عدة سنوات من التوتر. كما تأتي بينما يدرس مجلس الشيوخ قرار الرئيس الامريكي تعيين سفير جديد للولايات المتحدة في سورية هو روبرت فورد. واذا تمت الموافقة عليه فان فورد سيصبح اول سفير امريكي في دمشق منذ 2005. واعطت سورية مؤخرا موافقتها لاعادة فتح المدرسة الامريكية في دمشق والتي اغلقت منذ شهور عدة. ويعتقد خبراء كثر ان اختلافات كبيرة ما زالت عالقة بين دمشقوواشنطن. فسورية، كما يؤكد هؤلاء، تدعم عددا كبيرا من اعداء الادارة الامريكية من ايران الى حزب الله مرورا بحركة المقاومة الاسلامية (حماس) ومسؤولين سابقين في حزب البعث العراقي. وفيماسيطرت قضية الاتهامات الصهيونية لسورية بتزويد حزب الله اللبناني بصواريخ من نوع سكود على أجواء العلاقة بين دمشقوواشنطن مع تكهنات بفرملة تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين أكدت مصادر دبلوماسية غربية معنية بأن عملية السير في تعيين السفير الأمريكي الجديد روبرت فورد جارية بشكلها الطبيعي دون تأثيرات سياسية مستجدة على خلفية تلك الاتهامات التي تبنتها الإدارة الأمريكية إلى حد ما.
ممكن ولكنه صعب وفي ظل الاتهامات التي تواجهها سورية بنقل صواريخ سكود الى حزب الله يؤكد خبراء ان تعقب ورصد هذه الاسلحة ليس بالامر السهل، وهو الدرس الذي تعلمته القوات الامريكية والبريطانية خلال حرب الخليج الاولى. وقال مسئول في وزارة الحرب الامريكية لوكالة "فرانس برس" طالبا عدم الكشف عن هويته ان تهريب صواريخ سكود وقاذفاتها المتحركة الى لبنان من دون علم اجهزة الاستخبارات الامريكية او الصهيونية هو امر "ممكن ولكنه صعب". الا ان خبراء يؤكدون انه يمكن تفكيك الصواريخ والمنصات المتحركة لتجنب رصدها. وقال انتوني كوردزمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره واشنطن "كل ما عليكم فعله هو فصل الذيل عن الصاروخ، وهو امر يمكن القيام به بسهولة، وبعدها نقله الى عربة اخرى". وخلال حرب الخليج الاولى 1990 1991، جهدت طائرات الحلفاء في الجو وعملاء اجهزة الاستخبارات الامريكية والبريطانية في البر لكشف اماكن المنصات المتحركة لصواريخ سكود والتي عمد الجيش العراقي في حينه الى اخفائها في مجاري الانهار وقنوات المياه فكانت تطلق الصواريخ وتعود بسرعة لتختفي في مخابئها.
إخفاق استخباراتى وقال بروس رايدل الضابط السابق في وكالة الاستخبارات الامريكية (سي آي ايه) والخبير في معهد بروكينجز "لقد نفذنا آلاف المهمات الجوية في محاولاتنا لتدمير صواريخ سكود التي كان يملكها صدام حسين ويطلقها على اسرائيل والسعودية، وبعد الحرب اكتشفنا اننا اخفقنا في كل تلك المهمات". ولكن مذاك تطورت اجهزة الرصد والاستشعار كثيرا فضلا عن ان مساحة لبنان اصغر بكثير من مساحة العراق مما يجعل مهمة المراقبة والرصد اسهل. اضافة الى هذا فان تل أبيب تمتلك "استخبارات جيدة جدا هناك (في لبنان)" كما يؤكد رايدل، مضيفا "بالتالي فانهم قد يبلون بلاء افضل على الارجح". وما ان تصل هذه الصواريخ والمنصات المفككة الى لبنان حتى يمكن لحزب الله ان يجمعها ويخفيها الى حين يقرر استخدامها، بحسب رايدل الذي يؤكد ان "هشاشة الصواريخ تكون في اعلى مستوى لها عندما تكون في طور التجهيز للاطلاق. ولكن مع هذا فانه من الصعوبة بمكان تدمير كل منصة لاطلاق الصواريخ قبل الاطلاق". وصورايخ سكود التي صممها وانتجها اولا الاتحاد السوفياتي يبلغ طولها 11 مترا ومداها الاقصى 300 كلم، علما ان بعض طرازات هذه الصواريخ قد يتجاوز مداه 500 كلم. ويرى محللون ان من شأن حيازة حزب الله لهذه الصواريخ ان يعزز مكانته رغم ان التفوق العسكري الصهيونى لا يزال قائما. واضاف كوردزمان ان هذه الصواريخ "لا تغير المعادلة جذريا ولكنها تعني ان بامكان حزب الله استهداف اي مكان في اسرائيل". ولكن الخبراء يؤكدون ان الخوف الاكبر لدى تل أبيب هو ان تكون هذه الصواريخ مزودة برؤوس كيميائية، علما ان ما من طرف حتى الساعة تحدث عن هذه الامكانية. ولكن بغض النظر عما اذا كانت هذه الصواريخ قد سلمت الى حزب الله ام لا، فان ادارة اوباما مقتنعة بان سورية تزيد من دعمها العسكري لحزب الله، كما يؤكد مسئولون امريكيون.
سوريا وذهنية المنتصر وقال مسئول امريكي للصحفيين، طالبا عدم الكشف عن هويته، ان "هناك مسألة محددة تتعلق بصورايخ سكود ولكن هناك قلقا اكبر يتعلق بالاسلحة المتطورة". واضاف ان "التعاون بين سورية وحزب الله يتزايد ونعتقد انه من الممكن ان يزعزع الاستقرار ويزيد الاخطار في منطقة لديها اصلا ما يكفي من الاخطار". ولفت المحللون الى انه لا يزال غير معروف بعد لماذا عمد الرئيس الصهيوني شمعون بيريز شخصيا الى اتهام سورية بتزويد حزب الله بصواريخ سكود ولم يترك هذا الامر للمسئولين في الجيش او الاستخبارات لتقديم ادلة على هذا الاتهام. وقال كوردزمان انه "امر غريب على بيريز ان يدلي بهكذا تصريح". واستند عدد من اعضاء الكونجرس الى اتهامات بيريز لانتقاد ادارة اوباما على انفتاحها الدبلوماسي على سورية. وعين الرئيس باراك اوباما في فبراير الماضى روبرت فورد سفيرا للولايات المتحدة في دمشق، ولكن هذا التعيين لا يزال ينتظر موافقة مجلس الشيوخ عليه. واذا حصلت هذه الموافقة فان فورد سيصبح اول سفير امريكي في سورية منذ خمس سنوات. وكتب ستيفن هايدمان من المعهد الامريكي للسلام ان خيار سورية تزويد حزب الله بأسلحة اكثر قوة ينسجم مع وضع تبدو فيه سورية وقد اعتمدت "ذهنية المنتصر". واضاف المحلل السياسي على الموقع الالكتروني لمجلة "فورين بوليسي"، السياسة الخارجية "ان الجهود الدبلوماسية الامريكية والاوروبية فشلت حتى الآن في اقناع سورية بالابتعاد عن ايران والاقتراب من الغرب". وتابع "بدلا عن هذا فقد جنى قادة سورية المكاسب ورفعوا الرهان وعززوا ترسانة حزب الله وعمقوا علاقاتهم الاستراتيجية مع ايران".
وتخبط صهيونى من جهته، كسر وزير الحرب الصهيوني إيهود باراك صمت حكومته المتعلق بالخلاف بشأن ما إن كان حزب الله اللبناني يمتلك صواريخ سكود، لكنه تجنب في نفس الوقت إعطاء جواب قاطع في المسألة قائلا "إن إسرائيل تفترض أن حزب الله سعى للحصول على هذه الصواريخ". وأجاب باراك، في مقابلة بثتها القناة الأولى بالتلفزيون الصهيونى،عند سؤاله عن ما إن كان بمقدوره أن يؤكد أن سوريا سلمت صواريخ سكود إلى حزب الله؟ "نحن نفترض أن هناك نشاطا متصلا بتسليم أسلحة متطورة سكود وأشياء أخرى ونرى ذلك خطيرا". وزعم الوزير الصهيوني عدم وجود نوايا صهيونية لشن حرب في الشمال، "لكن لا بد وأن يفهم أن دخول أسلحة إلى لبنان تعطل التوازن (في الردع) وأمر يهدد الاستقرار"، لكن باراك لم يقل ما إن كان حزب الله يمتلك بالفعل صواريخ سكود. وظهرت مزاعم أن سوريا سلمت صواريخ سكود إلى حزب الله في تقرير لصحيفة كويتية في العاشر من أبريل الجاري، وأكد عليها الرئيس الصهيوني شمعون بيريز، تبع ذلك انزعاج أمريكي من هذه الأنباء. واستدعى ذلك ردا بالنفي من دمشق وبيروت ووصفت هذه المعلومات بالمغلوطة تهدف لتوفير ذريعة للصهاينة لشن عدوان عليهما. وعاد مسئولون أمريكيون الخميس ليقولوا إنه ليست لديهم دلائل على نقل أي صواريخ سكود للبنان، وأشاروا إلى أن الولاياتالمتحدة تشتبه في أن عملية تسليم من نوع ما ربما تمت في سوريا. وأطلق حزب الله آلاف الصواريخ معظمها قصير المدى تجاه الكيان الصهيونى إبان العدوان الصهيونى على لبنان فى يوليو فى صيف 2006، وقد أعربت الدولة الصهيونية عن قلقها من أن يكون حزب الله أعاد تزويد ترسانته لشن هجمات في حال تعرض المواقع النووية الإيرانية لهجوم.