لا فرق ...! زهير ماجد رب قائل يردد انه لو كان في لبنان زعماء سياسيين لما حدث الذي حدث .. ولعل هذه الفكرة تعني ايضا العديد من دول العالم .. ولكن اللبنانيين جربوا الزعماء فإذا بها حرب أهلية أكلت الأخضر واليابس وظلت مفرداتها إلى اليوم بعد غيابهم جميعا. فلم يستطع الطاقم الزعيمي الذي حكم لبنان ان يدرأ الاخطار الداخلية ، وبعضهم أدخل نفسه عنوة في القضايا الاقليمية مثل الرئيس الأسبق كميل شمعون الذي قرر دخوله في الخمسينات من القرن الماضي في "حلف بغداد " وفي شتى الأحلاف التي كانت تديرها الولاياتالمتحدة وكان ذلك في عز صعود جمال عبد الناصر مما دفع لبنان إلى حرب اهلية في العام 1958 طلب على إثرها تدخل الولاياتالمتحدة التي انزلت جيشها على الشواطئ اللبنانية. وظل هذا النوع من السياسيين يرمون انفسهم في قلب احداث المنطقة مما ادى دائما إلى عدم استقرار لبنان على مر عمره السياسي. لكن البعض يقول ان هؤلاء السياسيين لم يستطيعوا الافلات من قبضة ازمات المنطقة التي اتخذت من لبنان مسرحا لها باعتباره الحلقة الاضعف فما كان عليهم سوى الانخراط بها أو إدارتها في احسن الظروف. ترك هؤلاء لبنان لأبنائهم او لسياسيين من جبلتهم فانتقلت تلك الازمات إلى ايديهم وعاثوا فسادا في العمل السياسي حتى نحر لبنان واللبنانيين. لا فرق اذن بين سياسيي الامس واليوم .. الكل مطواع امام هبوب الريح التي تهب على المنطقة بين الفينة والأخرى فتتخذ من البلد الصغير مسرحا لها . وفي كل مرة يضيع هذا البلد كأنه ذاهب إلى التقسيم والتفتت لكنه سرعان ما يعود إلى الحياة حاملا خمائر حرب اخرى اكثر دموية وشراسة مما حصل ، لكنها متجاوزة لبعض عناوين الماضي حاملة لعناوين جديدة هي مقدمة لأخرى قد تحصل في المستقبل الابعد. الحروب الجديدة التي تأسست على انقاض الماضي حملت هذه المرة مرارة اكبر. حاول كثيرون إعطاءها نكهة مذهبية ، لكن الحسم العسكري السريع الذي حصل في بيروت والجبل منع الوصول إلى هذه الغاية دون ان يعني ان الاحتقان توقف وان تباشير الأمل بتجاوزه قد حصل ، وبان الذين كانت امانيهم بوقوع هذا المحظور ما زالوا يأملون عودة الاقتتال كي يدار حسب نظرياتهم .. ولولا سرعة التدخل العربي الذي اتخذ من قطر محطة له لكانت الأمور أدهى وأشد .. فما فعله التحرك العربي السريع الذي جاء إلى بيروت والنفوس ما زالت في اشد حالاتها تمذهبا ، ان تمكنت من سحب الفتيل المدوي من التداول ونقلت المشهد من مسرحه العنيف إلى موقع آمن يضج بالبحث عن حل .. وحتى لو لم يحصل ذلك الحل فإن الاعصاب لابد هدأت ، وان فرقة الملوثين للمناخ اللبناني لم يعد بيدها أي أمر سوى الانصات لما يجري في الدوحة ومواكبتها قدر الامكان ولعلها مرغمة على اتخاذ هذا الامر الآن. السياسيون الجدد الذين يقودون الازمة اللبنانية انغمسوا حتى اخمص اقدامهم في لعبة الاهتراء التي حصلت في العاصمة والجبل وفي بعض المناطق . ان بعضهم من هواة القتل وله باع طويل فيه ، وبعضهم يتمرن على الامر من باب تشجيع الذات على اكتشاف عناصر الاثارة الدموية ، ومن المؤسف ان هؤلاء جميعا وهم اهل الحرب ، يسعون لاجل السلام في لبنان . لكن المؤسف أكثر ، ان هؤلاء لا يعلمون ماذا يفعلون للمستقبل سوى تجهيز المسرح مجددا امام بواعث ازمات ، فهم لن يتمكنوا من حل ناجز شامل وتام يغير من الواقع السياسي اللبناني ، وأقله تغيير المعادلات الطائفية والمذهبية!. مهما تكن نتائج التحاور في الدوحة فإن النقاشات التي تدور حول تفاصيل داخلية ما زالت قاصرة على التغيير الشامل لان العقل الذي يتمسك بها ما زال امتدادا لما مضى! عن صحيفة الوطن العمانية 21/5/2008