بين حياد شهاب و «حياد» ميشال سليمان الياس حرفوش هناك اغراء تصعب مقاومته لمقارنة الدور الذي يلعبه العماد ميشال سليمان في المواجهة الحالية بين حكومة الرئيس فؤاد السنيورة والمعارضة بقيادة «حزب الله»، بالدور الذي لعبه اللواء فؤاد شهاب خلال الازمة الدستورية التي انتهت باستقالة الرئيس بشارة الخوري سنة 1952 ثم خلال المواجهة المسلحة بين الرئيس كميل شمعون ومعارضيه بعد ذلك التاريخ بثماني سنوات. يدفع الى هذه المقارنة الدور «المحايد» الذي يريد العماد سليمان للجيش أن يلعبه في الازمة الحالية، وهو يشبه الدور الذي لعبه الجيش تحت قيادة فؤاد شهاب، أولاً من خلال بقائه على الحياد سياسياً بعد تكليفه تشكيل حكومة انتقالية مهدت لانتقال السلطة الى الرئيس كميل شمعون سنة 1952، ثم عند نهاية عهد شمعون من خلال تحييده الجيش عن الصراع الداخلي خلال ما عرف ب «ثورة 1958». ومثل الانتقادات التي وجهها شمعون آنذاك لقائد الجيش لأنه لم يتدخل مباشرة لفرض الامن وقمع تحركات معارضيه، فإن دور ميشال سليمان لم يسلَم هو ايضاً من الانتقادات، العلنية والضمنية، من قبل قادة الاكثرية الحالية. هذه الانتقادات لم تشر صراحة الى تحفظاتها على دفع قائد الجيش لرئيس الحكومة الى التراجع عن قراريه المتعلقين ب «حزب الله»، وهما اللذان كان سليمان قد اعترض على اتخاذهما من الاصل، مشيراً الى عجزه عن «حمايتهما»، كما نقلت مصادر مطلعة على ذلك. إلا أنها، أي الانتقادات، ركزت على عدم قيام الجيش بواجبه في حفظ امن المواطنين وحياتهم وممتلكاتهم، على رغم انه مكلف رسمياً بذلك من قبل الرئيس السابق اميل لحود ثم من قبل الحكومة الحالية بعد انتقال صلاحيات الرئاسة إليها. الوجه الآخر للمقارنة يتعلق بطبيعة المواجهة نفسها بين طرفين، احدهما محسوب على المعسكر الغربي: «حلف بغداد» في عهد شمعون و «المشروع الاميركي الاسرائيلي» في المرحلة الحالية، بينما الطرف الآخر عروبي قومي، كان رمزه الرئيس جمال عبدالناصر سنة 1958، اما الآن فله رموز كثيرة ليس بينها ما يمكن وصفه بالعروبة او القومية، رغم انه يستقي الشعارات نفسها من تلك المرحلة. لكنها شعارات بات يميزها طابع فئوي نقيض لما كان عليه الامر في مرحلة الخمسينات والستينات، مما يضاعف من حجم التحفظات والمخاوف العربية منها، اكثر بكثير مما كان عليه الحال حيال السياسات الناصرية. عند هذا تنتهي المقارنات. فاذا كان فؤاد شهاب قد نجح في توظيف «حياده» بين واشنطن والقوميين العرب لمصلحة انتخابه سنة 1958، مستفيداً من فشل حرب السويس في اضعاف الرئيس المصري، فإن مثل هذا الظرف غير متوافر الآن في ظل المواجهة القائمة على امتداد المنطقة مع المشروع الايراني، والذي يلعب «حزب الله» دوراً بارزاً فيه. واذا كانت مصر عبدالناصر قد شكلت الغطاء والحاضن الاساسي للمشروع القومي العربي في وجه «حلف بغداد» سنة 1958، فان الدور الذي تلعبه ايران حالياً لا يمكنه أن يوفر مثل هذا الاحتضان، مما يعني ان وظيفة «المرشح التوافقي» في الازمة الحالية في لبنان هي اكثر تعقيداً، مع غياب العناصر الاقليمية التي يمكن أن يحصل حولها التوافق. اضف الى ذلك أن النظرة المصرية، في زمن عبدالناصر واليوم، الى موقع لبنان كبلد يستحق استقلاله السياسي ولعب دوره الطبيعي في المنطقة، تختلف عن نظرة النظام السوري الذي يمثل تحالفه مع ايران الغطاء الخارجي لحركة المعارضة اللبنانية بقيادة «حزب الله». ليس سراً كما يُنقل عن العماد ميشال سليمان انه شديد الاعجاب بتجربة فؤاد شهاب، في مقابل تحفظات له على الدور الذي لعبه العماد ميشال عون والعماد اميل لحود في المجال العسكري ثم في حقل السياسة. لكن الظروف مختلفة. وما استطاع شهاب ان يحققه سياسياً من خلال تحييده الجيش ليس ضرورياً أن يستطيعه سليمان اليوم. فطبيعة الصراع الاقليمي مختلفة، فضلاً عن أن أياً من اطراف ازمة 1958 لم يكن يملك مشروعاً متكاملاً يستطيع فرضه على الآخرين، كما هي الحال اليوم مع «حزب الله». عن صحيفة الحياة 12/5/2008