هل ميشال سليمان رئيس التوافق بعد أنابوليس؟ حسيبة عبد الرحمن المتابع لتطورات الوضع اللبناني الراهن، وحالة الشرذمة السياسية العامة على كل المستويات. يتوقف ملياً عند حالة الجيش اللبناني، وكيف بقي موحداً حتى اللحظة رغم الانقسامات العمودية الحادة في لبنان. خصوصاً أن تجربة المؤسسة العسكرية اللبنانية لم تصمد طويلاً عندما انفجرت الحرب الأهلية اللبنانية عام ,1975 وتعرضت للانقسام (تجربة سامي الخطيب، والأحدب). في حين لا تزال المؤسسة العسكرية اللبنانية موحدة وصامدة حتى الآن، مع أن الصراع السياسي والطائفي والمذهبي الطافي على السطح يعبث في التكوينات السياسية اللبنانية ويضعها على حافة التمزق. والمؤسسة العسكرية اللبنانية نتاج اللوحة الطائفية والسياسية وانعكاس لها. ومن اللافت للنظر أن كل القوى اللبنانية من كل الأطراف السياسية (8 آذار و14 آذار) ممن يتصدرون وسائل الإعلام شبه اليومي، ومعهم رجال الصحافة، قد وصفوا الأزمة الحالية بأنها أزمة نظام، وولجوا إلى التفاصيل، وأسهبوا في التحليل السياسي المنطقي وغير المنطقي، ومع ذلك لم يطرح أحدهم سؤالاً حول أسباب وحدة الجيش. قد يكون ذلك عمداً ولو أنني أستبعده عنهم. الجميع يصرخ باسم الوطن دون النظر إلى مصلحة لبنان كوطن، وليس لبنان تلك الطائفة أو ذاك المذهب. ولا أحد منهم يتوقف عن استباحة الخطوط الحمراء وغيرها. ولعل بعض السياسيين اللبنانيين لا يشغلهم موضوع الجيش باعتباره خارج اللعبة السياسة اللبنانية، وليس جزءاَ من التوازنات السياسية المطروحة. وطالما الغرب لا يريد دوراً للمؤسسة العسكرية اللبنانية كما في باقي بلدان المنطقة. في حين أن المؤسسة العسكرية لم تلعب دوراً مهماً إلا في ظروف استثنائية، ولم يكن دورها على كامل التراب اللبناني بمعزل عن طموحاتها (تجربة ميشال عون). والمراقب لمسيرة المؤسسة العسكرية اللبنانية يلحظ تعثرها وإخفاقها في مراحل عديدة من محطات الصراع السياسي السلمي، والصراع السياسي الدامي في لبنان، والفشل الذي رافق هذه المؤسسة بالدور الذي أنيط بها وبالدرجة الأولى عدم قدرتها على تغيير لوحة الصراع عام ,1958 أو وقف الحرب الأهلية اللبنانية 1975 (عندما تدخلت كان تدخلاً فئوياً) ولم تستطع أن تحافظ على وحدتها في الحرب الأهلية. ومع ذلك فقد جاء أكثر من رئيس من صفوف المؤسسة العسكرية بصفة مدنية، فؤاد شهاب (بعد انتفاضة 1958) واميل لحود. وهذا لا يعني عدم طرح السؤال الجوهري: ما الذي أبقى المؤسسة العسكرية موحدة حتى الآن؟ وهل ستبقى كذلك في حال تقدم واحتدام الصراع. للإجابة عن هذا السؤال علينا العودة إلى إعادة تشكيل الجيش اللبناني إثر اتفاق الطائف، ومن هي الجهة التي أعادت تشكيله؟ ونبدأ بدور النظام السوري الذي أسهم بشكل فعال في إعادة بناء الجيش على أساس عقيدة واضحة هي العداء لإسرائيل، أي أن الجيش اللبناني تبنى جزءا من عقيدة الجيش السوري (وبموافقة أميركا التي تثق ببناء النظام السوري للجيش المجرب لعقود طويلة في سوريا) في حين بقي تسليح الجيش اللبناني تسليحاً غربياً (أميركياً بالدرجة الأولى) رغم بعض الأسلحة الشرقية «المهداة» من الجيش السوري إبان سطوة النظام على لبنان، وهذا يعني في ما يعنيه أن إعادة تشكيل الجيش اللبناني كان بقرار أميركي سوري. ووفق مصلحة البلدين، دون أخذ الدور السعودي والمصلحة السعودية، أو الإيرانية في الحسبان (حصراً في ما يتعلق بالجيش اللبناني. وربما تمت المقايضة آنذاك بين بناء الجيش وفق الأسس السابقة أعلاه وبين إدخال رفيق الحريري كلاعب سياسي واقتصادي أساسي في لبنان مقابل إخراج النفوذ السعودي والعربي من المؤسسة العسكرية، وكذلك إخراج الجنرال عون منها وما كان يمثله) وبهذا يكون قد ضرب النفوذ الفرنسي (الحرب على عون) والعربي من المؤسسة العسكرية ليبقى محصوراً بين نفوذ سوري أميركي. ويبدو أن السوريين والأميركيين اتفقوا بعد خروج الجيش السوري من لبنان على إبقاء المؤسسة العسكرية خارج التجاذب السياسي بينهما، وحصر الاشتباك في السياسة وبين القوى السياسية، مما جعل المؤسسة العسكرية على وحدتها وبمنأى عن التجاذب السياسي، وخارج الصراع المحتدم في لبنان. بالرغم مما كان يقال ان موقف الجيش مرتبط بموقف رئيس الجمهورية اميل لحود إلى حين انتهاء ولايته (وها هي قد انتهت) سيتبدل مشهد وموقف المؤسسة العسكرية، وأنا بالطبع لا أشاطر هؤلاء التحليل والرأي على الأقل جزئياً، لأن الجيش يخضع لتوازنات داخلية معقدة وكثيرة. ثم كانت معركة البارد بين الجيش اللبناني وفتح الإسلام، وما حملت من دلالات عميقة باتجاه هذا التحليل، فالمساعدة العسكرية جاءت من سوريا وبشكل صامت طوال فترة المعارك، وأيضا من الولاياتالمتحدة الأميركية وسط صخب إعلامي واضح، إضافة إلى الذخائر والأسلحة من الدول العربية التي سمحت لها الولاياتالمتحدة بتقديم المساعدة، وكان البارز في مرحلة الصراع بين الجيش وفتح الإسلام هجوم قوى 14 آذار لأي دور سوري، واستنكارها التصريحات عن مساعدات سورية مهما كانت صغيرة أو ضخمة، رغم علمها علم اليقين أن النظام أرسل مساعدات إلى الجيش اللبناني. ومن الدلالات الواضحة أيضاً لمنحى التحليل الذي أقدمه عن الدور الأميركي السوري في بناء الجيش والاتفاق على إبقائه موحداً، هو استمرار الوزير الياس المر وزيراً للدفاع مع العلم أنه من خارج قوى 14 آذار. إضافة إلى المحاولات التي جرت لاتهام الجيش بالانحياز فترة اعتصامات وتظاهرات المعارضة العام المنصرم حيث قوبلت أميركياً ومن تحت الطاولة بعدم رضى من هجوم سياسيي الموالاة على الجيش ودوره، مما دفع قوى 14 آذار إلى الابتعاد عن انتقاد الجيش اللبناني وتحييده. وجاءت حصيلة معارك نهر البارد لصالح الجيش وقيادته رغم إمكاناته المتواضعة، عدا عن تسجيله موقفاً مضيئاً تمثل في احترامه للمدنيين (لو كان ما جرى في نهر البارد قد جرى في أي دولة عربية لدمر المخيم فوق رؤوس أصحابه). ما ذكرناه سابقاً عن المواقف الأميركية، لم تمنع بعض محاولات التشويش على الجيش وقيادته ودوره، كان الهدف منها إقناع الأميركيين بأن قيادة الجيش عاجزة عن أداء مهام ضرورية للأميركان (محاربة الإرهاب) وقد جاء اتهام سوريا كراعية ومحرضة لفتح الإسلام من جعبة سهام متعددة الأهداف والمرامي (هذا ليس لتبرئة النظام السوري مما أثير حول دوره الغامض في رعاية أو تسهيل عمل فتح الإسلام) أحد مراميه التقليل من حجم عمليات نهر البارد وإخراج العملية العسكرية عن نطاق مكافحة الإرهاب، وصبها في خانة الفوضى السورية لضرب حكومة السنيورة كما تقول قوى 14 آذار، وبالتالي صرف نظر الأميركيين عن الجيش، أو محاولة تغيير قيادته، واستبدالها بقيادة من قوى من 14 آذار تكون مؤهلة للعب دور في ضرب حزب الله، وكشف ظهره بالحد الأدنى بغض النظر عن إمكانية ذلك على الأرض. وبناء على التحليل السابق الذي قادنا ويقودنا إلى اسم مرشح رئاسة الجمهورية اللبنانية الأوفر حظاً في حال جرت الانتخابات (وأنا أعتقد أنها ستجري لاحقا) هو ميشال سليمان. بناء لرؤيتي الخاصة للمؤسسة العسكرية اللبنانية، وإمكانية الاتفاق الأميركي السوري حول رئيس جمهورية من المؤسسة العسكرية المتفق على إبقائها موحدة كما ذكرنا سابقاً. وإذا نظرنا إلى خطوة اميل لحود (المعروف بارتباطه الوثيق بالنظام السوري) قبل ساعات من انتهاء ولايته، وإعطاء الجيش الدور الريادي في حفظ الأمن دون اللجوء لأي خطوة تؤدي إلى انخراط الجيش في معمعة الصراعات الدائرة بين الموالاة والمعارضة، تسيء إلى مهام الجيش السياسية والأمنية، ودوره في المرحلة المقبلة. وهذا يدفعنا إلى قراءة ما سيكون عليه دور الجيش كحام للجمهورية. وقائد الجيش هو الرئيس المقبل للبنان. ولذلك نلاحظ ارتفاع بورصة قائد الجيش، كلما لاحت آفاق تسوية بين المعارضة والموالاة، باعتبار سليمان يقف على مسافة واحدة من الجميع، حسب التصريحات الجديدة لقوى 14 آذار. وهنا نربط استحقاق رئاسة الجمهورية بمؤتمر انابوليس، وحضور سوريا اللافت رغم معرفتها المسبقة بفشله وضرورته للإدارة الأميركية الحالية، فقد تكون إحدى جوائز الترضية للسوريين من قبل الإدارة الأميركية دفع قوى 14 آذار للقبول بقائد الجيش ميشال سليمان رئيسا توافقياً للجمهورية، وهذا ما نسمع ترديده من شخصيات فاعلة من الموالاة كما ذكرنا سابقاً، بعد أن كانت هذه القوى ترفضه سابقاً تحت حجج مختلفة (تعديل الدستور والذي رفعت راياته الأقطاب المسيحية بشكل أساسي، والبعض منها تراجع عن رأيه السابق كسمير جعجع للوقوف في وجه عون). وأعتقد أن ميشال عون لن يرفض ترشيح قائد الجيش وهذا ما أعلنه عون (أن اسم قائد الجيش كان الاسم الثاني في اللائحة التي تضمنتها مبادرته) لقناعته أن قوى داخلية وخارجية ترفض وصوله إلى قصر بعبدا، وبموجب قبول عون ترشح سليمان يحصل عون على حصة الأسد في الحكومة المقبلة التي ستشهد تعقيدات قد تكون أكبر من تعقيدات انتخاب رئيس الجمهورية بحيث سيفرض مبدأ التوافق على رئيس الوزراء القادم. عن صحيفة السفير اللبنانية 8/1/2008