لم يسع العماد ميشال سليمان يوما الي الرئاسة اللبنانية لكنها طاردته بكرة من نار ليجلس اليوم علي مقعد رئيس الجمهورية ورغم أن المسافة بين مكتب سليمان في قيادة الجيش اللبناني وقصر بعبدا الرئاسي لا تزيد علي خمس دقائق بالسيارة علي طريق الشام السريع إلا أن انتقاله بينهما استلزم18 شهرا من المعارك السياسية والعسكرية بين الفرقاء اللبنانيين وتدخلات دولية واقليمية وعربية ليبدأ عهده بمحاولة ادارة واحدة من أعنف الأزمات التي مر بها لبنان. وعندما سألته ونحن في مكتبه بقيادة الجيش قبيل أسابيع من مغادرة الرئيس السابق اميل لحود لمنصبه عن امكانية ترشحه للرئاسة رغم التعقيدات الدستورية التي تحيط بهذا الأمرقال لي أن تفكيره الأساسي الآن ينصب علي الاستمرار في الحفاظ علي وحدة الجيش بعيدا عن الخلافات السياسيةويتمني أن يفكر الفرقاء بنفس منهجه فيحاولون الحفاظ علي وحدة لبنان. والآن يلعب العماد سليمان الدور نفسه الذي لعبه قائد الجيش الاسبق فؤاد شهاب في عام1958 عندما كانت البلاد في حالة احتراب داخلي وانقسام سياسي حاد فتبرع شهاب للانتقال من وزارة الدفاع الي القصر الرئاسي وبدأ ببناء المؤسسات مدعوما من الجيش اللبناني ومن تأييد اقليمي ودولي. والعماد ميشال سليمان هو الرئيس الثاني عشر للبنان منذ الاستقلال في الاربعينيات حتي اليوم لكنه اكثر الرؤساء اللبنانيين الذين عاشوا قبيل انتخابهم تجارب قاسية. صحيح ان المعارضة والأغلبية نادت به رئيسا لكن الطرفين كانا يخوضان تحت هذا الانتخاب حربا سياسية طالت الأمن والسلاح فكانت تلك اللحظات هي الاصعب في حياة العماد سليمان الذي يبقي بمنأي عن الانحياز لأي طرف لكي لا تسقط عنه حياديته, وكان مطلوبا منه ان يزن تصريحاته بميزان الذهب لكي لاياخذ عليه احد أي مأخذ. ولد العماد ميشال سليمان لعائلة ثرية في بلدة عمشيت بمنطقة جبيل في21 نوفمبر1948 وتخرج في المدرسة الحربية في عام1970 برتبة ملازم أول وهو حاصل أيضا علي إجازة في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اللبنانية. أحد من زاملوا سليمان في المدرسة الحربية وصفه بأنه خجول لا يقيم علاقات إجتماعية كثيرة بل يفضل البقاء في المنزل وأضاف كان شابا طبيعيا وتقليديا وغير فاسد. ورغم علاقات سليمان الوثيقة مع الوجود السوري في لبنان لكنه اتخذ موقف الحياد خلال الإحتجاجات التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في14 فبراير2005 ومنع الجيش من التصدي لأي من الطرفين المناهض للوجود السوري في لبنان والموالي لهم ورفض دعوة الرئيس السابق لحود إلي تجاهل أوامر حكومة السنيورة وطلب من الجيش أن يواجه فقط من يوجه سلاحه ضد اللبنانيين. وبحسب أحد الضباط الذين عملوا معه فان ميشال سليمان يقرأ الوضع القائم بتمعن ويخطط بشكل صحيح مع القوي الموجودة فهو قائد ذكي يعرف كيف يحقق أهدافه وهو علي نقيض العماد ميشال عون ليس من النوع الذي يحدث تغييرا جذريا بل سيحاول ان يستمر في ادائه الوسطيفعندما خرج السوريون من لبنان حاول سليمان جاهدا أن يحافظ علي موقعه الوسطي وحاول أن يبقي الجيش علي الحياد من دون أن يقسمه وهوبعد أن اصبح رئيسا لن يواجه حزب الله أو السوريين أو الفلسطينيين أو أي جهة أخري بل سيبقي علي الحياد فهو اليوم الرجل الأنسب للتعامل مع الوضع الراهن. ولكن بالامكان التنبوء كيف سيكون رد فعله لأنه يلعب وفقا لقواعد اللعبة. هذه الصفات هي التي جعلت العماد سليمان مرشحا توافقيا يتوقع منه فريق الأغلبية والمعارضة علي السواء ألا يكون مفرطا في معاداته لهم أو متحالفا مع أخصامهم. وهناك محطات اساسية وكبري عديدة طبعت السنوات التسع ونصف السنة التي تولي فيها سليمان قيادة الجيش وتشير طريقة التعامل معها الي اسلوبه في معالجة الامور وتوضح رؤيته لبعض المفاهيم والقضايا. من أهم هذه المحطات معركة نهر البارد الحدث الذي صنع نجم العماد وفرضه الشخصية الوطنية الاقوي في البلد. فبين20 مايو و2 سبتمبر2007 خاض الجيش المعركة الاصعب في تاريخه وتم القضاء علي تنظيم' فتح الاسلام' الاصولي ونتيجة عملية الغدر التي اودت بحياة27 ضابطا وعسكريا علي يد هؤلاء وجد العماد سليمان نفسه امام واقع لا خيار له فيه سوي ضرب هذا التنظيم والقضاء عليه فكان ان اتخذ القرار الحاسم والحازم بالتنسيق مع كبار ضباط القيادة وابلغه الي مجلس الوزراء مما اضطر اعضاء الحكومة والسياسيين للمرة الاولي في تاريخ الجيش الي اللحاق به وتغطيته رغم اعتراض حزب الله وبعد15 اسبوعا قضي علي بنية هذا التنظيم داخل المخيم وخارجه واشار العماد سليمان الي ان العبرة المستقاة من هذه التجربة تكمن اولا واخيرا في اهمية الحفاظ علي الوحدة الوطنية التي استطاع الوطن من خلالها ان ينتصر علي العدو الاسرائيلي في حرب تموز وكذلك علي الارهاب في نهر البارد وبها نستطيع في المستقبل ان نحقق اعظم الانتصارات بل نصنع المعجزات. وعند الانسحاب الاسرائيلي في25 مايو2000 أوضح سليمان موقفه في شأن العلاقة باسرائيل ورسم عناوينها الكبري مؤكدا انه لا ترتيبات امنية مع العدو في أي شكل خارج اطار السلام الشامل والعادل الذي يتضمن انسحاب اسرائيل من الجنوب والبقاع الغربي بما فيها مزارع شبعا والجولان والحل العادل للاجئين الفلسطينيين. وبعد الخروج السوري من لبنان أكد سليمان أن مفهومه للعلاقة بين لبنان وسوريا يقوم علي الندية والايمان بتكامل العلاقات بين البلدين مع محافظة كل دولة علي استقلالها وسيادتها والعمل علي بناء علاقة تقوم علي الثقة لان الثقة والاحترام المتبادلين يؤسسان لعلاقات طبيعية ومميزة لا مناص منها لهذين البلدين الشقيقين. وبالنسبة لتطبيق القرارات الدولية وسلاح حزب الله يعتبر العماد سليمان ان سلاح المقاومة هو سلاح حق موجود بارادة الشعب فهو اذن سلاح يحميه الجيش ويدعمه. ونحن نطالب بتطبيق قرارات الشرعية الدولية وحل الموضوع اللبناني يبدأ من القضية الاساسية التي من اجلها نشأت المقاومة. وسلاح الجيش الذي لم يشهر بوجه المتظاهرين في الشوارع لن يشهر علي المقاومة اللبنانية وهذا الكلام نلتزمه. وفي الأزمة بين الحكومة وحزب الله وهي المحطة العسكرية الاخيرة قبل توليه مهماته الرئاسية اثبت حكمته في ادارة الامور. وفي رسالة شخصية وجهها للمرة الاولي في تاريخ الجيش الي الضباط اكد سليمان ان ما جري في الشارع اللبناني هو حرب اهلية حقيقية لا يمكن لأي جيش وطني في العالم مواجهتها وقمعها وان اكبر الدول عانت حروبا كهذه ولم تستطع جيوشها ان تحسم القتال بل انقسمت بين فريقي نزاع او اكثر ويجب الا ندع الحرب الاهلية تقع واذا وقعت فالحل يكون بالسياسة ولطالما نبهنا المسئولين الي وجوب ايجاد الحلول اللازمة. وبعد حل الأزمة ووصول سليمان الي كرسي الرئاسة كان متسقا مع منهج تفكيره بتأكيده أنه وحده لا يستطيع إنقاذ البلد هذه مهمة الجميع ومهمة المواطنين قبل السياسيين وأنه يرغب في أن يقتنع السياسيون بتوافر إرادة سياسية جامعة لتحقيق شراكة وطنية حقيقية أو عقد سياسي جماعي لبناء وطن ودولة للجميع فلا طرف وحده يمكنه بناء الوطن بل الإرادة السياسية الجماعية تبني الوطن وكذلك توافر النية الصادقة للعمل من أجل إنقاذ البلد. فهو رئيس توافقي لبلد تحترف قياداته الخلاف علي كل شئ.