الانتخابات المصرية بين نظامين د. وحيد عبدالمجيد أظهرت الانتخابات المحلية, التي أجريت أخيرا, أهمية بل ضرورة مراجعة نظم الانتخاب المعمول بها الآن, وفقا لما ورد في البرنامج الانتخابي للرئيس مبارك عام2005. وإذا كان إجراء الانتخابات المحلية بالنظام الفردي يحتاج إلي مراجعة, فكذلك الحال بالنسبة إلي الانتخابات البرلمانية. ولأن هذه الانتخابات سيحل موعدها بعد عامين ونصف العام, تصبح أولوية مراجعة النظام الفردي الذي تجري علي أساسه واجبة. وتوفر التعديلات الدستورية, التي أقرت في العام الماضي, مساحة كبيرة من الحرية لهذه المراجعة بموجب التعديل الذي حدث في المادة62. والأمر في حاجة إلي حوار وطني, بالرغم من كثرة الانتقادات التي يتعرض لها نظام الانتخاب الفردي المعمول به الآن. فلكل نظام انتخابي سلبياته وإيجابياته. والمفترض أن يكون تقويم النظام الانتخابي في ضوء الظروف المحددة المحيطة به في فترة معينة, إذ يصعب إجراء هذا التقويم بمعزل عن السياق العام. ولذلك يصح أن يكون الحوار حول مسألة الانتخابات في مجملها بهدف التوافق علي النظام الانتخابي الأفضل في تحقيق عدالة المنافسة. فقد تراكمت لدينا في مصر تجربة طويلة تتيح لنا استخلاص الدروس الواجبة سعيا إلي توافق وطني حول نظام للانتخاب نستقر عليه. ولكي يكون البحث في نظام الانتخاب الملائم مفيدا, ينبغي الاسترشاد باتجاهات عامة من واقع تجربتنا التاريخية, ومن خبرة العالم المحيط أيضا. فعلي صعيد نظم الانتخاب في هذا العالم, ينبغي ألا يغيب عنا أنه ليس هناك نظام أمثل أو أفضل من غيره بالمطلق. وبالرغم من أن وهج النظام الفردي أخذ ينطفئ نسبيا في عالم اليوم, إلا أنه مازال صالحا في الديمقراطيات الأقدم وعلي رأسها الديمقراطية البريطانية التي نشأ فيها هذا النظام في صورته الأولي شديدة النخبوية عام1265 قبل أن يعرف العالم حق الاقتراع العام بأكثر من ستة قرون. ويعمل هذا النظام بكفاءة ولكن بأشكال مختلفة في ديمقراطيات تاريخية أخري من الولاياتالمتحدة وكندا إلي فرنسا, وفي بعض أفضل النظم الديمقراطية خارج' بلاد المنشأ' مثل الهند. ولكنه يعمل, أيضا, في دول تصنف علي أنها الأكثر استعصاء علي التطور الديمقراطي مثل روسياالبيضاء. وإذا كان العالم يبدو كما لو أنه يهجر النظام الفردي إلي نظام القائمة النسبية, فقد حدث ذلك لأن ما يسمي الديمقراطيات الجديدة التي قامت علي أنقاض الاشتراكية الشمولية في شرق ووسط أوروبا اتجهت بأكملها تقريبا( ما عدا المجر) صوب هذا النظام. ومع ذلك لا يوجد يقين بعد بأن نظام القائمة ساهم في تطورها الديمقراطي بأكثر مما كان للنظام الفردي أن يفعل. فما حدث هو أن النخب الجديدة في هذه الدول هجرت النظام الفردي مثله مثل كل النظم والقواعد التي كانت مطبقة في المرحلة السابقة دون تمييز بين النظام نفسه والظروف التي يطبق فيها. وبالرغم من أن النظام المختلط الذي يجمع بين الانتخاب الفردي والانتخاب بالقائمة يبدو أكثر صعوبة بالنسبة إلي الناخبين, فهو يعمل بكفاءة في دول حديثة العهد بالديمقراطية مثل المكسيك وفنزويلا والمجر, كما في دول أقدم عهدا مثل ألمانيا وإيطاليا واليابان. والصورة الأكثر شيوعا لهذا النظام هي أن يكون للناخب الواحد صوتان أحدهما للقائمة والأخري للفردي, وأن يتم انتخاب قسم من أعضاء البرلمان عبر النظام الفردي وقسم آخر من خلال القوائم. وإذا كان لنا أن نستفيد من خبرات غيرنا بكل ما فيها من تنوع علي هذا النحو, فعلينا أن نأخذ العبرة من تجاربنا, وخصوصا فيما يتعلق بالمراجعات السابقة لنظام الانتخاب. غير أن القول بأفضلية نظام القائمة الحزبية النسبية لا يستند فقط إلي تجربتين ناجحتين بدرجة ما في1984 و1987. فهذا النظام هو الذي يمكن أن يساعد في تحرير العملية الانتخابية من سطوة العصبيات والمال والبلطجة والشعارات الدينية. وربما لو كان هذا النظام قد استمر بعد انتخابات1987, لتجنبنا تنامي هذه السطوة إلي المستوي الذي نزع من الانتخابات طابعها السياسي من حيث هي تنافس بين اتجاهات وبرامج وبدائل سياسية. ولكن وضوح أفضلية نظام القائمة لا يغني بين فتح حوار يحقق معني المراجعة الجادة المطلوبة, وعدم الاكتفاء بهجاء النظام الفردي علي نحو ما حدث عكسه تماما عام1990. فقد اقترن تقريظ النظام الفردي بهجاء نظام القائمة الذي تم العدول عنه حينئذ. وتساوي في ذلك حينئذ الحزب الوطني وأحزاب وقوي المعارضة. فبعض قادة المعارضة الذين يقولون عن النظام الفردي الآن أكثر مما قالته الأديان السماوية عن الشيطان هم الذين شنوا الحملة وراء الأخري منذ1987 وحتي1990 للعودة إلي هذا النظام وإلغاء نظام القائمة. ومن يعود إلي أول جلسة عمل عقدها مجلس الشعب المنتخب عام1990, وكانت يوم29 ديسمبر من العام نفسه, يجد حفلة إطراء للنظام الفردي شارك فيها عدد كبير من النواب. قيل, مثلا, أن هذا النظام أعاد للمواطن حقه وكيانه, وقضي علي ما أسماه البعض( ديكتاتورية الأحزاب التي لم يعد لها ولاية علي أعضائها بل عادت الولاية للشعب أولا وأخيرا). وتخطئ أحزاب المعارضة إذا ظنت أن تغيير نظام الانتخاب إلي القائمة النسبية مرة أخري يكفي وحده لاستعادة ما كان لاثنين منها( الوفد والعمل) من حضور قوي في انتخابات1984 و1987. فتغيير نظام الانتخاب ليس عصا سحرية تفعل المعجزات. والانتخاب بالقائمة لن يملأ صناديق الاقتراع ببطاقات لم يضعها ناخبون فيها. وأقصي تغيير يمكن أن يترتب علي الأخذ به, مع بقاء المعطيات الأخري علي حالها, هو أن يضمن الحزب الاستفادة من معظم الأصوات التي يحصل عليها, لأن نسبة الفاقد فيه أقل منها في النظام الفردي. ولكن الانتخاب بالقائمة لا يعوض ضعف وجود هذا الحزب أو ذاك من الشارع. ومن هنا أهمية أن نتذكر دائما أن العبرة بالأداء الحزبي أكثر مما هي بنظام الانتخاب, وأن تغيير القواعد القانونية والإجرائية لا يغني عن تحديث الهياكل الحزبية. عن صحيفة الاهرام المصرية 6/5/2008