عند عودته لممارسة نشاطه السياسي خاض حزب الوفد أول انتخابات عام 1984 وحصل خلالها علي 57 مقعدا، ثم 1987 وحصل خلالها علي 34 مقعدا، ثم قاطع انتخابات 1990، وعاد عام 1995 ليحصل علي ستة مقاعد، وأصبح هذا العدد من المقاعد هو المتوسط الذي يحصل عليه الوفد في كل انتخابات نيابية تالية. وجاءت مقاطعة انتخابات 1990 في إطار قرار من أحزاب المعارضة الرئيسية احتجاجا علي إلغاء نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية النسبية عامي 1984 و1987 والعودة إلي نظام الانتخاب الفردي الذي كان معمولا به قبلها، صحيح أن التجربة أثبتت بعد ذلك حسبما أري أن القوائم أفضل لتنشيط الحياة الحزبية في مصر، لكن المقاطعة الحزبية لانتخابات 1990 أعادت حصة أحزاب المعارضة مجتمعة من نحو مائة مقعد إلي أقل من عشرين مقعدا وهو ما يعد ضربة قاصمة لتلك الأحزاب وللديمقراطية في مصر. ما حدث عام 1990 كان خطيئة كبري وقعت فيها الأحزاب السياسية، أدركتها فيما بعد، لذلك قررت عدم مقاطعة أية انتخابات برلمانية أو محلية، معتبرة أن المشاركة هي فرصة للوصول إلي البرلمان، والوصول من خلال فترات الدعاية الانتخابية إلي المواطن في كل القري والنجوع، وهو أمر قد تعجز عنه الأحزاب في غير الانتخابات لأسباب مختلفة. لذلك لا أستغرب رفض أحزاب الوفد والتجمع والناصري دعوات مقاطعة الانتخابات العامة، بينما يتمسك بها حزب جديد محدود العضوية والتأثير مثل الجبهة، أو جماعات احتجاجية مثل كفاية والوطنية للتغيير وغيرها من الجماعات التي تتعامل مع السياسة من منطلق أكاديمي نظري لم يختبر الحياة السياسية علي أرض الواقع ولا يجيد حسابات المكاسب والخسائر. وحين أستمع لعبارات مثل أن المشاركة في الانتخابات تمنح الحزب الحاكم شرعية، بينما المقاطعة تكشفه أمام الناس، أشعر وكأننا نعود 20 عاما إلي الوراء، فقد قيلت نفس هذه الشعارات، واحتفل المقاطعون بمقاطعتهم، ثم بعد ذلك راحت السكرة وجاءت الفكرة، واكتشف المقاطعون أن الحزب الحاكم لم يخسر كثيرا من مقاطعتهم، وإنما استفاد في زيادة عدد مقاعده، في نفس الوقت الذي زحف فيه المستقلون علي قواعد تلك الأحزاب. في انتخابات 1984 و1987 علي سبيل المثال كانت العديد من عائلات الوجهين البحري والقبلي قد صوتت لحزب الوفد، وصعد رموز تلك العائلات المنتمية تاريخيا للوفد إلي البرلمان، لكن حين قاطع الوفد الانتخابات انضم ممثلو تلك العائلات للحزب الوطني، وحين عاد الوفد في انتخابات 1995 كان قد خسر الكثير من قواعده، وأصبح من الصعب جدا إقناع تلك العائلات بالعودة للوفد مرة أخري.. هذه هي خطيئة 1990 التي علمت الأحزاب السياسية درسا مهما لا أعتقد أنها ستقع فيه مجددا.