تركيا وحلم الانضمام للاتحاد الأوروبي خالد السرجاني يبدو أن حلم انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي سيظل حلما مراوغا، حيث ترتكب النخبة التركية أخطاء بصورة دورية تعطي ذرائع للقوى الأوروبية الرافضة لانضمام تركيا إلى الاتحاد لكي تقوى حججها في الرفض، وآخر هذه الأخطاء هو الدعوى المنظورة أمام المحكمة الدستورية التركية لحظر حزب العدالة والتنمية الحاكم بسبب خطره على العلمانية، وهو الأمر الذي يعطي انطباعات بأن الديمقراطية التركية غير مستقرة.
وهي واحدة من الحجج الرئيسية التي يبرر بها الرافضون لانضمام تركيا موقفهم. ووفقا لما هو حادث منذ أن أعلن الاتحاد الأوروبي عن بدء محادثات مع تركيا من أجل انضمامها إليه، كلما يقترب الحلم الأوروبي من التحقيق تظهر خطوات أو مؤشرات معاكسة تؤكد صعوبة هذا الأمر، بما يجعل من الحلم مراوغا للمخيلة التركية أكثر من أن يكون حلما قابلا للتحقيق.
ويمكن القول انه إن كانت هناك رغبة تركية عارمة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحسم خيار الهوية نهائيا لصالح الهوية الغربية، فان هناك قوى أخرى في الداخل ترفض هذا الانضمام ولها أهداف أخرى سواء سياسية اقتصادية أم ثقافية تتعلق بالهوية التركية.
وهو ما يعني أن الجدل داخل المجتمع التركي لم يحسم حول الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بما يعني أن هذا الخيار سوف يتأخر تنفيذه لفترة من الوقت على الرغم من أن المباحثات حول الانضمام قد بدأت بالفعل بين تركيا والاتحاد الأوروبي حول تطبيق معايير كوبنهاجن التي على الدول الراغبة في العضوية أن تلتزم بها قبل الانضمام إلى الاتحاد.
ويمكن القول إن القوى السياسية التركية تؤكد أنها تسعى إلى أن تكون تركيا عضوا في الاتحاد الأوروبي، ولا يجاهر بمعارضة هذا الخيار سوى الأحزاب القومية التي ترى أن خيار الهوية لابد وان يحسم لصالح الهوية التركية، بحيث تتوحد الدول والقوميات التي تتحدث التركية في منطقة آسيا الوسطي وبعض دول البلقان، وتعتبر هذه الأحزاب أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي سيكون على حساب الهوية التركية، بالتالي فهي تعارض هذا الأمر.
ويمكن القول إن الجيش التركي قد تكون قياداته هي الأخرى تعارض هذا الأمر لأن شروطه تتطلب أن يكف الجيش عن التدخل في العملية السياسية، وهو ما يعني أن تتقلص قبضة الجيش على الدولة في تركيا، بما ينهي الأيديولوجية الكمالية التي تعتبر هي الأيديولوجية الرسمية للدولة هناك.
وبالطبع فإن هناك قطاعات اقتصادية سوف تضار نظير انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي منها قطاعات ريفية وزراعية وأخرى صناعية تقليدية، وهو ما يعني أن هناك قاعدة اجتماعية وسياسية للاتجاهات الرافضة لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
على الجانب الآخر فإن حزب العدالة والتنمية وإن كان من المفروض أن يدعم الهوية الإسلامية لتركيا، إلا انه يرى أن من مصلحته الاندماج في أوروبا، لأن هذا الأمر يقلل ضغوط الداخل عليه، وبالفعل فإن عملية انضمام تركيا شهدت تطورات ايجابية ونوعية خلال حكم حزب العدالة والتنمية.
فضلا عن ذلك فإن أحزاب اليمين الليبرالي وبعض أحزاب اليسار التركية تسعى إلى تحقيق هدف انضمام بلدها إلى الاتحاد الأوروبي ونفس الأمر يسري على النخبة الاقتصادية المعولمة وبعض قطاعات الرأسمالية الصناعية التركية، وهذا الأمر يعني أنه ليس هناك إجماع داخل تركيا على مسألة الانضمام وان كان الداعمون له هم الأعلى صوتا والأكثر عددا.
وإذا كانت الدوائر الأوروبية الرافضة لانضمام تركيا ومعظمها ينتمي إلى اليمين المتطرف في السابق ترفض ذلك، لأنها كانت ترى أن هذا الانضمام يمكن أن يكون وسيلة لأسلمة أوروبا، وتدعم رفضها بإحصاءات ديموغرافية، تنطلق من معدلات الزيادة السكانية بها مقارنة بباقي الدول الأوروبية، وكان وصول حزب ذي أيديولوجية إسلامية إلى الحكم دليلا على صحة مخاوفها.
فقد جاءت الدعوى القضائية التي تنظرها المحكمة الدستورية لتقدم مخاوف للقوى الليبرالية الأوروبية التي أصبحت تخشى من انضمام دولة مازالت تجربتها الديمقراطية لم تستقر حتى الآن، وهذا الأمر يعني أن مسألة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي يمكن أن تتعرض لمصاعب جديدة، تضاف إلى المصاعب الأخرى التي تتعرض لها والتي دفعت الاتحاد الأوروبي إلى تأخير هذا الأمر بل والى طرح صيغ بديلة له تعطي لتركيا بعض مزايا الانضمام من دون أن تصبح عضوا كاملا بالاتحاد.
ومن يتابع مواقف الدول المختلفة سيجد أن الدول الجديدة في عضوية الاتحاد هي التي توافق من دون تحفظ عليه في الوقت الذي تتسم فيه مواقف الدول المؤسسة بالغموض والترقب، وبعضها يعطي تصريحات مراوغة لا نعرف إن كانت مع الانضمام أم ضده، وهو ما يعني أن أي هزة خفيفة في التوازنات التركية التي جعلتها دولة مرشحة للانضمام يمكن أن تقلب الموقف الأوروبي تماماً، وما يحدث تجاه حزب العدالة والتنمية قد يكون هو هذه الهزة، التي تطيح بالحلم التركي تماماً.
وإذا كان الاتحاد الأوروبي أعلن في السابق أن المفاوضات مع تركيا قد تستغرق 10 سنوات، فإن ما يحدث الآن قد يجعلها تستغرق الحد الأقصى لها، بما يحرم تركيا من مزايا اقتصادية متعددة نظرا لهذا الأمر، بالتالي نستطيع أن نرى أن طريق انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي ليس مفروشاً بالورود ويواجه بصعوبات متعددة، الأمر الذي يؤكد أنه مازال حلما مراوغا بالنسبة لتركيا.
وتقف دونه عقبات كبرى ومتعددة، على الرغم من أن مؤشرات عديدة تفيد عكس ذلك تجعل المراقبين يرون أن انضمام تركيا أصبح أمرا في متناول يدها. والحاصل انه كلما اقتربت تركيا من تحقيق حلمها ارتكبت عناصر نخبتها أخطاء صعبت على بلدها تحقيق الحلم في سهولة ويسر. عن صحيفة البيان الاماراتية 22/4/2008