ولاية ثالثة لبوش؟ سمير عواد قبل سبعة أشهر علي موعد انتخابات الرئاسة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وصلت شعبية الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش إلي أسوأ معدل في عهده. ما بين 25 و30 بالمائة فقط من المواطنين الأمريكيين يؤيدون سياساته بينما الغالبية الواضحة تتمني لو تركض الأيام ليترك بوش منصبه. لكن المؤكد أنه سوف يترك لخلفه إرثا صعبا، بغض النظر إذا كان اسم الرئيس القادم جون ماكاين أو باراك أوباما أو هيلاري كلينتون. هذا الإرث الصعب متمثل في حرب أفغانستان حيث الطالبان اليوم أقوياء كما كانوا قبل الغزو في نهاية عام 2001وكذلك غزو العراق الذي تحول إلي حرب لا نهاية لها وفيتنام جديدة، ونزاعات لم تجتهد إدارة بوش في حلها وفي مقدمتها المشكلة الفلسطينية، وعلاقات زادت صعوبة مع روسيا. وحين سئل دبليو بوش في مقابلة مع صحيفة(دي فيلت) الألمانية قبل وقت قصير من سيخلفه في منصبه لم يتردد في الإجابة بكلمتين: جون ماكاين. ليس هذا مفاجئا أبدا وليس لأن ماكاين مرشح الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه بوش لكن الأخير واثق أن ماكاين سوف يواصل العمل بسياساته وهو ما يؤكده البرنامج السياسي للجندي السابق الذي أسر في فيتنام وكما توضح تصريحاته لم يتعلم من تلك التجربة المرة. ولا تبدو فرص ماكاين صعبة أبدا رغم رغبة غالبية الأمريكيين والعالم في التغيير بعد كل الفوضي في العالم التي نشرها رئيس من الحزب الجمهوري. تتلخص فرص ماكاين في سببين: الأول أن غالبية مؤيدي الحزب الجمهوري، نحو 60 بالمائة، يؤيدون مواصلة السياسة الحالية وينظرون بشك إلي دعوة أوباما إلي التغيير. السبب الثاني أن أي من المتنافسين في الحزب الديمقراطي، أوباما وكلينتون، لا يشككان في تصريحاتهما بالسياسة الإمبريالية الجديدة التي تقوم بها واشنطن للسيطرة علي كامل الشرق الاوسط ووسط آسيا بالقوة العسكرية لو اضطر الأمر كما حصل في أفغانستان والعراق. صحيح أن أوباما وكلينتون يدعوان إلي وضع خطة زمنية لانسحاب القوات الأمريكية من العراق لكنهما يدعوان في نفس الوقت إلي نقل هؤلاء الجنود إلي جبهة قتال أخري في أفغانستان والاستعداد لمغامرة عسكرية جديدة في المنطقة ستهدف هذه المرة إيران. لذلك يقف أوباما وكلينتون في نفس الصف مع ماكاين وبوش ويؤيدون جميعا زيادة حجم الميزانية العسكرية الأمريكية وأيضا عدد أفراد القوات المسلحة. بهذا فإن أوباما وكلينتون يركزان في سياستهما الخارجية علي الدبلوماسية وأيضا علي القوة العسكرية. ويثق غالبية الناخبين الأمريكان بماكاين كقائد للقوات الأمريكية نسبة لخبرته كجندي سابق مقابل منافسيه حيث لا يملك أي منهما خبرة عسكرية. صحيح أن الديمقراطيين استفادوا من المزاج العام للأمريكيين تجاه حرب العراق الأمر الذي عبرت عنه نتائج انتخابات مجلس الشيوخ في نوفمبر عام 2006 عندما حصل الديمقراطيون علي الأكثرية. رد بوش علي الفور بقرار زيادة عدد الجنود الأمريكيين في العراق بنحو ثلاثة آلاف جندي وسعي اللوبي الإعلامي المؤيد له في الترويج بعد أشهر قليلة أن الوضع الأمني في العراق تحسن كثيرا عن السابق. قال ماكاين أن بوش عمل بنصيحته ففي تصريحات صحفية قال ماكاين أن الولاياتالمتحدة كان يجب أن تدخل العراق بنصف مليون جندي. تري كم جندي تحتاج أمريكا تحت قيادة ماكاين لغزو إيران؟. يعتقد كثير من الأمريكيين أن إستراتيجية بوش الجديدة في العراق حققت نتائج جيدة لذا فهم ينظرون بشك أيضا باستراتيجية جديدة للديمقراطيين في العراق. يعتمد بوش في الدعاية بأن عدد القتلي بين الجنود الأمريكيين تراجع إضافة إلي أن إعلان جيش المهدي التزامه بقرار وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه في نهاية أغسطس عام 2007 لا يقول أحد في الولاياتالمتحدة أن إعلان المهدي جاء نتيجة ضغط من إيران التي يصفها بوش انها دولة مارقة ونفوذها في العراق لا يقل عن نفوذ واشنطن. ويتبني ماكاين استراتيجية بوش وكذلك معارضته الانسحاب من بلاد الرافدين بحجة عدم ترك العراق يتخبط في حرب أهلية رغم أن هذه الحرب تجري منذ وقت بعيد. استفاد ماكاين من تصعيد أعمال العنف التي شهدها العراق مؤخرا عندما فشل الجيش العراقي المدعوم من الأمريكيين في كسر شوكة جيش المهدي. فهذا دليل جديد علي عجز العراقيين عن تحمل المسؤولية وإشارة جديدة للرأي العام الأمريكي أنه ينبغي بقاء القوات الأمريكية في العراق.كما يستفيد ماكاين من حقيقة أن أخبار حرب العراق غطت علي المشكلات الحقيقية التي يواجهها الاقتصاد الأمريكي. لم يدع ماكاين مجالا للشك منذ أن بدأ حملته الانتخابية قبل أكثر من عام أن برنامجه السياسي يتطابق تماما مع سياسات بوش. ويعلم ماكاين أنه يحتاج إلي أصوات أكثر من 60 بالمائة من مؤيدي الحزب الجمهوري للفوز بانتخابات الرئاسة يوم الرابع من نوفمبر القادم. لذلك يحاول لفت انتباه الناخبين الذين لم يختاروا مرشحهم بعد. من القضايا الملحة التي تعرض الأمريكيين للانتقاد في الخارج استمرار وجود معتقل غوانتانامو. قال ماكاين في تصريحات نشرت هنا أنه يدعو إلي إغلاق المعتقل ومعاملة المعتقلين فيه وفقا للقوانين الدولية. لكن هذا ليس جديدا فالسناتور القادم من ولاية أريزونا يعرف حق المعرفة مدي معاناة المعتقلين في غوانتانامو لأنه مر بتجربة مماثلة عندما أسر في فيتنام ونادي في السابق بتحريم التعذيب. غير أنه تجنب هنا الدخول في نزاع مع بوش الذي يصر علي مواصلة استخدام أساليب التعذيب في غوانتانامو. غير أن ماكاين لا يملك أقوي الفرص ليكون رئيس الولاياتالمتحدة رقم 44 لأن المرشح الأقوي هو أوباما شرط أن يتخلص أولا من كلينتون. ونتيجة للمنافسة المحتدمة بين أوباما وكلينتون قد يعود ذلك بالنفع علي ماكاين، وعندها يفوز ويفوز معه بوش الذي سيضمن ولاية ثالثة لحكمه وسيكون هذا واقع كارثة علي العالم العربي بالذات. عن صحيفة الراية القطرية 13/4/2008