قضية رأي عام منتصر الزيات مع الاعتذار لصديقي العزيز السيناريست المعروف محسن الجلاد، حكمت محكمة مصرية جزئية علي الكاتب الصحفي إبراهيم عيسي بالحبس ستة أشهر في القضية التي عرفت ب صحة الرئيس التي حركها أحد الزملاء المحامين ببلاغ قدمه لنيابة أمن الدولة التي حققته واستمعت لأقوال عيسي الذي أبدي دفاعا معقولا وسائغا، إذ كنت أحد الحاضرين لجلسة التحقيق تلك وساد لدينا اعتقاد وقتها أن النظام سيكتفي بهذا المستوي من لفت الانتباه إلي ضرورة عدم تخطي الخط الأحمر في تناول شئون الرئاسة وشخص الرئيس، وجاءت الإحالة السريعة للمحاكمة لتقطع طريق المتفائلين بأن ثمة شوطا آخر من سياسة فرك الأذن تمتم إزاءها بعض المتفائلين وماله ما جري يحتاج إلي ضرورة تأكيد علي عدم تكرار التناول اللاذع علي هذا النحو الذي يتبعه عيسي وكتيبة الدستور. لا أكتمكم خبرا أني لم أكن ضمن المتفائلين، خصوصا مع شوطة البلاغات التي تركت فجأة ضد عدد من رؤساء التحرير وصدور أحكام ابتدائية ضدهم، شيء ما داخلي كان يؤكد لي أن الأزمة المفتعلة مع بعض رؤساء التحرير الآخرين سوف تحل في وقت ما وأن المستهدف هو إبراهيم عيسي وحده، وأن التسوية التي حتما ستجري ستقصي حتما عيسي، هكذا بدت لي الصورة التي اختزنت ملامحها داخلي دون بوح خصوصا مع ازدحام منصة الدفاع عنه بكثيرين من مختلف القوي السياسية في صدارتهم نقيب المحامين السيد سامح عاشور والدكتور سليم العوا بما لديهما من خريطة متشابكة من علاقات قد تسمح بفك الاشتباك، وجاء الحكم ليقطع كل الطرق أمام تأديب عيسي وعملا بحكمة مصرية قديمة اضرب المربوط يخاف السايب والمربوط هنا هو إبراهيم عيسي الذي ما فتئ يكرر عباراته القاسية ضد النظام ورموزه غير عابئ بما يمكن أن يسفر عنه ذلك الموقف العنيد، خاصة مع ما يردده البعض من ضرورة اعتبار عيسي بسلفه مجدي حسين الذي اتبع ذات السياسة حتي أطاح بالحزب والصحيفة التي تقدمت خطاب الجماعة الوطنية لثلاثة عقود علي الأقل قبل قرار تجميدها. لا شك أن الحكم قد أثار ردود فعل كثيرة متنوعة أراها في الأفق المنظور ستنتهي حيث تقف عند حدود الشجب والإدانة والاستنكار فعدد المنظمات التي استنكرت كثير جدا، وعدد البيانات التي سوف يستمر إصدارها في الأيام المقبلة أيضا كثير، كبيرة المنظمات الحقوقية المعاصرة الأمنيستي منظمة العفو الدولية التي تتمتع بحضور كبير واحترام لمصداقيتها أدانت الحكم ومنظمات أخري طالبت الرئيس مبارك الوفاء بوعده إلغاء عقوبة حبس الصحفيين، واعتبر حقوقيون آخرون الحكم رسالة تخويف لكل أصحاب الرأي الذين يمارسون حقهم في التعبير وانتهاكا لحرية الصحافة. المؤكد أن حالة ترقب لما سيكون عليه موقف مجلس نقابة الصحفيين من الأزمة التي مهدت لقدومه باعتبارها صنوا لأزمة السلم الشهيرة، أعتقد أيضا أن المسئولية المهنية لأي مجلس منتخب يختلف عن أي مواقف فكرية متباينة أو رؤي نقابية لأزمات سياسية حادة، فأولي المهام النقابية أن تسعي المؤسسة النقابية المهنية إلي مؤازرة زميل المهنة فيما يتهدد حريته بعيدا عن اعتناق المجلس لآراء زميلهم من عدمه، وحتي كتابة مقالي هذا عصر الخميس لم يكن قد بدر بعد عن مجلس نقابة الصحفيين أي بيان يعني بموقف ما تجاه الحكم الصادر بحق زميلهم عيسي، لكني أتصور وفق ما سلف أن النقابة ستركز مساعيها تجاه حل الأزمة وفق توازنات علاقاتها المترامية بين مصلحة الزميل ومصلحة النظام , والحقيقة أن المجلس السابق للصحفيين كان قد قرر مجموعة من القيم الحاكمة لطبيعة العلاقة بين الصحفي ومؤسسة الرئاسة في بيان سابق إن حق النقد وتقييم أداء الشخص العام في إطار الدستور والقانون وبغرض المصلحة العامة هو جوهر رسالة الصحافة وممارستها لدورها وإذا كان حق نقد رئيس الجمهورية بصفته رئيس الدولة والحكم بين السلطات وقمة السلطة التنفيذية مؤشراً جوهرياً علي مستوي الممارسة الديموقراطية ولتقدم أي مجتمع يسعي نحو الحرية ويحترم مواطنيه إلا أننا نؤكد رفضنا الإساءة إلي شخصه وموقعه ومنصبه كما نرفض أن يتجاوز النقد إليه أو إلي غيره من الشخصيات السياسية والفكرية، حدود الموضوعية والاحترام الواجب . والحقيقة أنه تبقي الصحافة هي الرئة التي يتنفس من خلالها المجتمع، والضمانة التي تسلط الضوء علي عوراته ومكامن الضعف فيه بعيدا عن كل محاولات التغييب أو طمس معالم الانحراف التي تتورط بها دوائر قريبة من السلطة، فضلا عن تكبدها مشاق كثيرة في طريق دعم الحريات والحقوق العامة كادت أن تعصف بحقوقها هي، وكانت كلفة مقاومتها انحرافات السلطة هي محاولة الأخيرة الانتقاص من حقوق الصحافة وتقديم تعديلات متوالية إلي مجلس الشعب علي قانون الصحافة تنال منها ومن دورها، لذلك لم يكن نعتها أيام السادات بالسلطة الرابعة فيه تزيد أو ممالأة بقدر ما كان تعبيرا حقيقيا عن طبيعة دورها وأهميتها، في بلاط صاحبة الجلالة عناكب يضربون الأخبار وينسجون من خيالاتهم سيناريوهات مفترضة يقدمونها علي أنها حقيقة!! وفي بلاط صاحبة الجلالة صحافة صفراء تسوق بضاعتها علي حساب الأخلاق والقيم والمروءة، فتدغدغ مشاعر العامة والشباب منهم بصور فاضحة وصياغات جنسية، وطغي علينا منها وبغي حثالة لا نعرف لهم أصلا ولا فصلا يتهجمون علي أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وسلم)!! يسبون هذا ويشتمون ذاك!! وإذا ما قدروا علي سب أفضل الناس بعد رسول الله فلا غرو أن يسبوا من المعاصرين وينشروا الأراجيف والأكاذيب، ولطالما نالني رذاذ من أشباه الصحافيين داخل دور صفراء وأكاد أهم بمقاضاتهم حتي أكتشف أنهم أقل من أعطيهم هذا الشرف، لكن المشكلة الحقيقية أن دوائر السلطة لم تكن لتستهدف أمثال هذه النوعية من المحسوبين علي صاحبة الجلالة الصحافة، وإنما توجه قذائفها ورجالها من مستويات دنيا لترهب الكتاب والصحافيين أصحاب الأقلام الجادة والمواقف ذات التماس بين السلطة وتغولها علي الحريات العامة كان ميزان العدالة هو الفيصل في تبرئة الصحفي من محاولات السلطة اتهامه وخلط الأوراق بين واجبه في النقد وبين ما يقع تحت طائلة القانون. واستمرت الأحوال علي هذا النحو طويلا استقر خلالها ما هو واجب وما هو مباح وما هو حرام في أداء الصحفي أو الكاتب لواجباته المهنية حتي تدخل بعض الترزية الذين يزينون لأهل الحكم التدخل التشريعي في قضايا النشر ودخلنا في السنوات الأخيرة في متاهات تعديلات تشريعية مختلفة تارة أثناء إمضاء بعض مواد قانون الصحافة وتارة أخري أثناء إمضاء بعض مواد قانون العقوبات وبصفة عامة شهدت السنوات الأخيرة زفة تشريعية ويعرف المجتمع باستقراره متي استقرت تشريعاته زمنا طويلا ويضطرب بكثرة تعديلاته التشريعية. لكن الذي يجب الاتفاق حوله مسائل جوهرية أهمها ضرورة توفير المناخ اللازم في بلاط صاحبة الجلالة من أجل أن يؤدي أصحابه عملهم بحرية واسعة دون رقيب يعد عليهم الكلمات أو يتدخل بالحذف وهذا ما حققناه فعلا بشكل كبير منذ فترة طويلة استقرت خلالها نعمة الحرية في بلاط صاحبة الجلالة. عن صحيفة الراية القطرية 29/3/2008