دروس الصادق المهدي احمد عمرابي بدأ الصادق المهدي حياته في المعترك السياسي السوداني في عام 1958. رغم ذلك فانه على مدى 50 عاماً حتى اليوم لم تتح له ممارسة الحكم إلا لأربع سنوات فقط: سنة واحدة في مرحلة الديمقراطية الثانية (1965 1969) والثلاث سنوات الأخرى في عهد الديمقراطية الثالثة (1986 1989). معنى ذلك أن العمل على صعيد المعارضة ضد أنظمة وحكومات متعاقبة استنفد من العمر السياسي لهذا الزعيم ما نسبته 98 في المئة.
والسؤال الذي يطرح هو: ما هي الدروس التي من المفترض أن يكون هذا الزعيم الذي بلغ الآن الثالثة والسبعين قد استخلصها من هذه المسيرة الطويلة في العمل المعارض؟ قبل الإجابة عن هذا التساؤل أرى من المناسب في هذا السياق أن أروي حكاية قصيرة، خلال عقد سبعينيات القرن الماضي كان الصادق المهدي يقيم في ليبيا متزعماً مع رفيق دربه حسين الهندي جبهة معارضة نشطة ضد نظام الرئيس نميري.
وكانت الجبهة منهمكة في إعداد حملة هجوم عسكري على الخرطوم بتمويل وإشراف من السلطة الليبية بهدف الإطاحة بنظام نميري، وبعد أن اكتمل اعداد الخطة وحددت ساعة التحرك استدعى الصادق المهدي لمقابلة العقيد القذافي (كان رفيقه الهندي آنذاك خارج ليبيا)، طلب القذافي من الزعيم المعارض السوداني أن يشرح له الأجندة السياسية التي تعتزم الجبهة تطبيقها بعد إسقاط النظام.
بإيجاز قال المهدي للزعيم الليبي إن هدفهم الأساسي هو استرداد النظام الديمقراطي التعددي ومن ثم تتنافس الأحزاب من خلال برامجها مستفيدة جميعها من إعادة الحريات العامة، وعلى الفور انتفض القذافي صائحا في وجه المهدي: وأين«الكتاب الأخضر»؟!
وحتى اليوم لا نعرف ما إذا كانت الجبهة قد وافقت على تطبيق رغبة القذافي في وضع الكتاب الأخضر على أجندتها إذا نجحت في عملية الاستيلاء على السلطة. فالحملة العسكرية منيت بفشل شامل، وشاهد القول ان المعارضة من الخارج لها ثمن سياسي باهظ، وهذا هو الدرس الذي ينبغي أن يكون الصادق المهدي قد استخلصه من تجربته الليبية، فهل فعل؟، هناك إجابتان.
فور فشل الحملة العسكرية «الليبية» في عام 1976 تجاوب الصادق المهدي ومعه رفيقه حسين الهندي مع رغبة أبداها نميري في عقد مصالحة وطنية، كان هذا تصرفا مناسباً وحكيماً لأن مبادرة نميري كانت صادرة عن موقف ضعف فقد هزته الحملة العسكرية التي جرت داخل الخرطوم رغم نهايتها الفاشلة، لكن الصادق تعجل المكاسب.
فقد وقع على وثيقة اتفاق مع نميري دون أن يستجيب الدكتاتور للشروط الأساسية للجبهة. تعجل المهدي هذا الاتفاق الخطير رغم اعتراف رفيقه الهندي ونصائحه، وكانت النتيجة أن المهدي اضطر بعد عودته للخرطوم أن يدخل في جدل بيزنطي مع نميري حول تفسير بنود الاتفاق. وانتهى الجدل بالصادق المهدي إلى السجن وفض الاتفاق.
مع ذلك فإن التجربة لم تورث المهدي حكمة. ذلك أنه للمرة الثانية راهن على خيار ممارسة المعارضة من الخارج، فقد شخص إلى العاصمة الاريترية أسمرة لينضم إلى «التجمع» المعارض.. وليدرك لاحقا أنه ارتكب خطأ إستراتيجياً فادحاً. عن صحيفة البيان الاماراتية 18/3/2008