نكبة غزة ومسؤولية العالم أحمد المرشد لن نضيف جديداً إذا حمّلنا “إسرائيل" مسؤولية الأهوال الإنسانية والكارثة البشرية التي يعيشها قطاع غزة في ظل الاعتداءات الغاشمة والمتوالية على الشعب الفلسطيني الأعزل الذي يعيش بلا مال أو وقود أو غذاء، فكيف يملك أسلحة وذخيرة ترهب “إسرائيل" وتجعل هذه الدولة المتعطشة دوما لدماء العرب واللبنانيين والفلسطينيين، ترتعد من صواريخ بدائية؟ ف"إسرائيل" تطبق سياسة العقاب الجماعي بزعم تأديب قادة حماس وفصائل المقاومة لهجماتهم على مستوطنة “سديروت" التي لم يتعرض فيها شخص للإصابة أو القتل في مقابل مئات الضحايا من الفلسطينيين العزل ما بين نساء وأطفال وشيوخ. لسنا بصدد توجيه اللوم لحركة حماس التي تحكم قطاع غزة، فهي عرضت الهدنة مرة بعد الأخرى على “الإسرائيليين".. ولن نكرر أيضاً مقولة إن الخلافات الفلسطينية الداخلية ما بين فتح وحماس هي الذريعة التي تستغلها “إسرائيل" لتدمير الشعب الفلسطيني وأراضيه ومنازله ومزارعه في قطاع غزة، لأن هذا التكرار يدخل في سياق الكلام الباطل. ف “إسرائيل" لا تنتظر ذرائع لقتل الفلسطينيين، وإنما تخلقها، فهي أعدت العدة لضربهم وتنتظر الفرصة لضرب الأشقاء في لبنان. فالدولة العبرية التي لا تستطيع العيش سوى على الأنقاض العربية ودماء العرب وارتكاب المذابح بحقهم يبدو أنها، تخشى من الضغوط الأمريكية في أواخر ولاية الرئيس جورج بوش، فقد تردد أن مراكز بحثية أمريكية قريبة الصلة من مؤسسة الرئاسة والبنتاجون أعدت خططاً وخرائط حدودية للدولتين الفلسطينية و"الإسرائيلية" مع إمكانية تداخل بعض النقاط الحدودية ونقاط تماس أخرى، ومن بينها القدسالشرقية، مع احتمال تأجيل النظر في قضية اللاجئين. ونشير في مقامنا هذا تحديداً الى “مؤسسة راند" البحثية قريبة الصلة بالبنتاجون وتعتمد بصورة شبه كلية على تمويلات وزارة الدفاع الأمريكية لمشروعاتها البحثية. فهذه المؤسسة مهمتها الأولى هي إعادة ترسيم الحدود في المناطق محل النزاعات الدولية والمتصلة بالحدود بصورة رئيسية. ولما كان بوش وعد في اجتماع أنابولس بإعلان الدولة الفلسطينية عام ،2008 فقد كثفت هذه المراكز أنشطتها وتعكف حالياً على وضع خطط ترسيم الحدود في هذه المنطقة الملتهبة. ومن هنا، انبرى قادة الكيان لعرقلة هذه الخطط والتي وإن وضعت، فستكون في مصلحة “إسرائيل" لا محالة وعلى حساب الأراضي الفلسطينية التي تحولت الى مجرد نقاط سوداء على أي خريطة بفعل سياسة الاستيطان التي تتبعها الحكومات “الإسرائيلية" المتعاقبة. غير أن “الإسرائيليين" لا يريدون أصلا إعلان دولة فلسطينية في ظل عدم تنازل زعمائها عن حق العودة للاجئين مع القبول بإعادتهم الى أراضي السلطة الوطنية في الضفة وغزة. أي الى حوالي 12-15% من ارض فلسطين الانتدابية، مع تهرب “إسرائيل" أيضاً من المشاركة في المساهمات الدولية لتعويض اللاجئين الذين لن يعودوا الى الضفة وغزة، على ان تتحمل هذه التعويضات كاملة الدول العربية الغنية وأوروبا الغربية والولايات المتحدة. “إسرائيل" وانطلاقاً من رفضها وعد بوش، تحاول أن تستبق أية جهود من خلال شن حرب لا هوادة فيها ضد الفلسطينيين، وتحاول إلقاء اللوم على الآخرين وتحميل حماس مسؤولية تدهور الحال في القطاع..ف “إسرائيل" هي التي تتحمل وزر هذه الكارثة الإنسانية لأنها هي دولة احتلال وأمعنت في غيها وشددت حصارها الخانق على القطاع المنكوب، وهي التي تنتهك اتفاقية جنيف الرابعة التي تجرم فرض حصار التجويع على الشعب الواقع تحت الاحتلال. وتستغل “إسرائيل" هذه النكبة الفلسطينية وحالة العزل التي تفرضها على فلسطينييغزة لتهدد بأنها بصدد فك الارتباط مع قطاع غزة، رغم أن الاتفاقيات التي وقعتها مع السلطة الفلسطينية وخاصة اتفاق باريس تلزمها بتوفير كافة الاحتياجات الإنسانية والخدمية والغذائية والحياتية للفلسطينيين في الضفة والقطاع. وقد استفادت “إسرائيل" بمليارات الدولارات من هذا الاتفاق الذي كبل أيدي الفلسطينيين وربط مستقبلهم الاقتصادي وعملتهم بها حتى إن جميع أو معظم الواردات الفلسطينية تأتي من “إسرائيل" أو تمر عبر موانئها وكذلك حال الصادرات القليلة، وهنا تدفع السلطة الفلسطينية مصاريف مضاعفة على هذه الواردات أو الصادرات. كما إن هذه الاتفاقية الظالمة هي التي منحت “إسرائيل" الحق في ربط أسعار المواد المتجهة الى أراضي السلطة الوطنية بأسعار “إسرائيل" رغم الفارق الكبير في الأجور ومستوى المعيشة وحجم النمو والدخل الاقتصادي العام. إن ما يحدث في قطاع غزة ما هو إلا عمليات قتل جماعي وتدمير لممتلكات المدنيين، إذ ترقى هذه الجرائم إلى حدود الإبادة البشرية، ويتضح ذلك من خلال الاستهتار الواضح بأرواح المدنيين الفلسطينيين، وقيام قوات الاحتلال بأعمال انتقامية وعقاب جماعي، تستخدم خلالها الطائرات الحربية والمدفعية الثقيلة فضلاً عن الآلة العسكرية الجبارة ، ما جعل مساحات كبيرة من قطاع غزة تتحول إلى أهداف يطالها هذا الهجوم، دونما مراعاة قوات دولة الاحتلال لأبسط القواعد الدولية. وعلى الأخص مبدأ التميز بين المقاتلين وغير المقاتلين، ومبدأ التناسب، ومبدأ حماية الأعيان المدنية والتمييز بينها وبين الأهداف العسكرية. إن صدمتنا كانت في موقف المجتمع الدولي المستمر في صمته تجاه ما يحدث في الأراضي الفلسطينية من دون أن يتحمل مسؤوليته القانونية والأخلاقية لجهة حماية المدنيين رغم أن هذا العدوان “الإسرائيلي" الصارخ على قطاع غزة يتنافى وكافة الشرائع الدولية لحقوق الإنسان، ويعتبر انتهاكاً واضحاً لقواعد اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والبرتوكول الإضافي الأول الملحق بالاتفاقيات الأربع لعام 1977. لن نلوم هذه الدولة المتعطشة الى الدماء، ولكننا نطالب الدول الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة لعام ،1949 استخدام الوسائل القانونية لوقف الانتهاكات “الإسرائيلية" في قطاع غزة، واتخاذ التدابير اللازمة لفرض العقوبات الجزائية اللازمة لضمان انصياع “إسرائيل" لالتزاماتها بموجب الاتفاقية، والتدخل الجاد من اجل ملاحقة المسؤولين “الإسرائيليين" عن جرائم الحرب التي يقترفونها ضد الشعب الفلسطيني. كل هذا يجري أمام أعين العالم وتحت مرأى ومسمع منه، ثم يقول “الإسرائيليون" إن صبرهم قد نفد.. ومن له خبرة بهذا الدولة الجرثومة الوحشية يكاد يجزم بأنها لن تعود عن غيها. عن صحيفة الخليج الاماراتية 8/3/2008