جاء الكشف عن خطة إسرائيلية جديدة لرفع مسئولية إسرائيل عن قطاع غزة، وتخليها عن كافة مسئولياتها تجاه القطاع ومواطنيه، باعتبارها دولة الاحتلال المسئولة قانونا عن توفير كافة الخدمات وسبل العيش للفلسطينيين الخاضعين لسيطرتها، ليثير العديد من التساؤلات حول أسباب هذا التحرك، وما يترتب عليه من مسئوليات. محاولات سابقة.. ومخطط مسبق: ومرد هذه التساؤلات أن صاحب هذه الفكرة هو أفيجدور ليبرمان، وزير الخارجية، المثير للجدل في تصريحاته ومواقفه التي تحمل في معظمها جانب المفاجأة. وربما تأتي محاولة ليبرمان لنفض يد إسرائيل عن قطاع غزة، لتسترجع معها محاولات وتلميحات سابقة عبر تصريحات سياسية متعددة، حتى جاءت أولى المحاولات الفعلية مع انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، التي اعتبر حينها انسحابا أحادي الجانب، وبالتالي لم ينه مسئولية إسرائيل القانونية عن قطاع غزة، لأن إسرائيل خرجت من داخل القطاع بينما ظلت مسيطرة ومتمركزة على كل النقاط الإستراتجية حول القطاع، وهو ما يعد دوليا شكلا من أشكال الاحتلال. التزامات دولية أما الاتفاقيات والالتزامات الدولية التي تسعى إسرائيل للتملص منها، فأهمها قوانين الاحتلال الموثّقة في ميثاق هاج لعام 1970، وميثاق جنيف الرابع لعام 1949، وكلاهما يفرض على إسرائيل، باعتبارها دولة احتلال، مسئولية شاملة عن أمن ورفاهية المواطنين الذين يعيشون داخل المنطقة المحتلة. ووفقا لميثاق جنيف الرابع، فإن إسرائيل ملزمة بتوفير الحماية للجرحى والمرضى، والأولاد دون سن 15 وللنساء الحوامل، والسماح بالنقل الحر لإرسال الأدوية والمواد الغذائية الحيوية، والسماح للطواقم الطبية بتقديم المساعدة والامتناع عن فرض العقوبات الجماعية، وهو ما تخالفه وتنتهكه إسرائيل بشكل كامل. المحاولة الإسرائيلية الجديدة تسعى لإثبات وضع جديد مفاده أن إسرائيل لم تعد دولة احتلال تسيطر على قطاع غزة، بالتالي لا تتحمل أيا من المسئوليات السابقة التي يلزمها بها القانون الدولي، وهو ما قد تسعى إسرائيل إلى إثباته في ظل قرار سابق لمحكمة العدل الدولية يؤكد فيه أن استمرارية وجود الاحتلال غير متعلق باستعداد الدولة المسيطرة لتفعيل نظام لإدارة حياة السكان، بل يقتصر الأمر على مدى سيطرتها العسكرية على المنطقة. أكثر من ذلك، لكي تعتبر منطقة معينة منطقة محتلة ليس هناك حاجة حتى لتواجد عسكري ثابت على جميع أجزائها، لأن السيطرة الفعالة يمكن أن تتواجد حتى وإن كان الجيش يسيطر على نقاط رئيسية في منطقة معينة بشكل يعكس سلطته في المنطقة بأسرها ويحول دون تبلور حكم مركزي بديل يعمل على بسط سيطرته وسلطته. حماس.. ومسئوليات دولة لم تكتمل إن الحجم الواسع للسيطرة الإسرائيلية في قطاع غزة، والموجودة على الأرض، بالرغم من الغياب المحسوس لجنود الجيش الإسرائيلي في المنطقة، يخلق أساسا معقولا للافتراض بأن هذه السيطرة تصل إلى حد "السيطرة الفعالة"، وبناء على ذلك، فإن أحكام الاحتلال تسري على إسرائيل. بوادر مخطط إسرائيل للتملص من دورها كدولة احتلال لقطاع غزة، ظهرت مع الطلب المحتمل لوزير الخارجية الإسرائيلي إلى المسئولين الأوروبيين أن يطرحوا على حكومة حماس إقامة محطة لتوليد الطاقة الكهربائية ومنشأة لإزالة ملوحة مياه البحر ومنشأة لتنقية مياه الصرف الصحي، وكلها كانت مسئولة إسرائيل منذ أن احتلت القطاع عام 1967. لكن إذا نجحت إسرائيل قانونيا في إعلان انتهاء احتلال قطاع غزة واعتباره كيانا مستقلا، مَن سيكون مسئولا عن القطاع وعن تقديم الخدمات الأساسية وتوفير الحماية لسكانه. وفقا للوضع الحالي سيكون مطلوبا، ولو من الناحية النظرية، من السلطة الفلسطينية أن تؤدي هذا الدور في ظل نزاع فلسطيني- فلسطيني وأراض فلسطينية متباعدة، حيث لن يتم ربط الضفة الغربيةبغزة إلا عبر المرور من الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل. وحتى لو افترض البعض إرسال أموال من الحكومة في رام الله إلى غزة، فإن هذا أيضا يعد أمرا ليس يسيرا في ظل شقاق مخضب بالدماء بين فتح وحماس. مصر.. ودور مفروض هنا يأتي دور الطرف الأقرب من قطاع غزة، وهى مصر التي تعتبر غزة عمقا استراتيجيا لها، وهى نفسها التي طالما حذرت من محاولات إسرائيل لنفض يدها عن القطاع لأنها قد تكون، بحكم القرب والرغبة في الحفاظ على قوة عمقها الاستراتيجي، الأكثر تحملا لمشكلات القطاع الخدمية والاقتصادية من محطات مياه إلى إمداد القطاع بالكهرباء والغاز، بالإضافة إلى محاولة تحسين الأوضاع الاقتصادية للقطاع، وأهمها نسب البطالة المرتفعة للغاية.