لم أكن أريد الكتابة في هذا الموضوع في خضم الأفراح بالنصر الذي حققه الفريق القومي لكرة القدم في كأس الأمم الأفريقية وللمرة الثالثة علي التوالي وكذلك مظاهر الاحتفال في جميع مراحل المباريات من أجل المونديال أو من أجل البطولة الأفريقية..
ولكنني أقول رأيي في كل ما حدث ويحدث حتي الآن.. وهو رأي يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ أيضاً الذي يتلخص في الآتي:
1 جموع الشعب المصري الطيب يستحق أن يفرح من آن لآخر وسط المتاعب والمعاناة التي يعيشها من خلال مباريات كرة القدم لأنها أصبحت المتنفس الوحيد التي تثبت أيضاً أن النجاح والفوز هو النتيجة للإخلاص والتفاني والمثابرة وإنكار الذات وحسن الاختيار بعيداً عن الوساطة والأغراض الشخصية!!..
وهذا يعتبر درساً للجميع وألف مبروك لكرة القدم في مصر.
2 السؤال المطروح هنا.. هل مطلوب أن يلعب الشعب كله الرياضة لتحقيق الصالح العام للمواطنين وللوطن أم أن يلعب الرياضة قلة قليلة جداً يركز عليها الاهتمام وإنفاق الملايين عليهم ويجلس باقي الشعب في مقاعد المتفرجين؟!.. كم عدد من يلعب كرة القدم في مصر كلها؟..
كم عدد من يمارس الرياضة عموماً في مصر من بين 80 مليون مواطن؟.. وما الفائدة التي تعود علي مصر وشعبها من قلة قليلة تمارس الرياضة وينفق عليها الملايين بلا حساب وأغلبية خارج الملعب لا تجد الملاليم!!
3 هذا الشعب يستحق كل الخير.. ولكن حماسه الذي يبديه لمباريات كرة القدم يجب ألا يصرفه عن المطالبة بدستور لا يفرق بين المواطنين ولا يفصل علي مقاس أشخاص معينين قلائل لم يثبت نجاحهم في أي مجال!! دستور يكفل له حياة سياسية لا تحدد مستقبلاً من الذي سيفوز في الانتخابات!!
هذا الشعب يستحق أحزاباً حقيقية تتنافس تنافساً شريفاً بعيداً عن التزوير لإسعاد هذا الشعب وليس حزباً واحداً يسيطر إلي الأبد وأحزاباً أخري محدداً إقامتها في مقراتها وممنوعة من مزاولة نشاطها في الشارع المصري!!
4 هذا الشعب يستحق محاربة الفساد الذي استشري والنفاق الذي وصل إلي درجة مفزعة والأموال التي تقع في يد قلة قليلة ويبقي أغلبية الشعب يعاني من الفقر والبطالة والغلاء الفاحش والحرمان من مياه نظيفة وغذاء غير ملوث وعلاج كريم والحصول علي رغيف خبز صحي بالإضافة إلي إنقاذه من السكن غير الآدمي في العشوائيات والمقابر!!
هذا الشعب يستحق أن يعيش في بيئة نظيفة وأمر غريب أيضاً أن حكومة الأغلبية كما يقولون لم تتمكن حتي الآن من القضاء علي مشكلة القمامة والسحابة السوداء.. إلخ.
5 هذا الشعب يستحق أن يلتف حول مشروعات وطنية كبري مثل تطهير الألغام في الصحراء الغربية وزيادة مساحة الأراضي الزراعية وتعمير سيناء الذي أصبح كالأسطوانة المشروخة من كثرة الكلام والكتابة عنها بدون جدوي!!.. لماذا لا يساهم الأغنياء ورجال الأعمال في ذلك بدلاً من الاستيلاء علي آلاف الأفدنة من أرض مصر بأسعار هزيلة ثم بيعها بعد ذلك بالمتر بأسعار فلكية!!..
ولماذا لا يتبني الحزب الواحد للأغلبية كما يقولون تنفيذ هذه المشروعات الحيوية؟..
وبالمناسبة ما هي مساهمات الأغنياء ورجال الأعمال العظام جداً في نجدة إخوانهم ضحايا السيول؟
6 هذا الشعب لا يستحق هذا الإعلام الفاشل الذي أثبت فشله في الإيقاع بين الاشقاء وإعلان الحرب والإيقاع بين أشرف شريكين في الكفاح مصر والجزائر بسبب مباراة في كرة القدم!!..
الذي أدهشني هو تصريح لمسئول مصري في جريدة الأهرام في 2009/10/16 قبل مباراة مصر والجزائر في القاهرة بحوالي شهر يقول فيه: " إن مباراة الجزائر تحولت إلي هدف استراتيجي وقومي يستحق الالتفاف حولها وحول الهدف من ورائها وهو ما ينعكس علي اهتمام الدولة ممثلة في القيادة السياسية" !.
ولست أدري لماذا أقحم سيادته القيادة السياسية في موضوع ثانوي وهو المسئول عنه كلياً لأن القيادة السياسية لديها مشاغل مهمة داخلياً وخارجياً أكبر من مباراة في كرة القدم!!..
هل هذا التصريح كان بداية لقيام الإعلام الفاشل بشن حرب عالمية ثالثة بين مصر والجزائر بسبب مباراة في كرة القدم لا هي حدث قومي ولا هي هدف استراتيجي كما قال المسئول!!.. وبالرغم من اتجاه مصر لتخفيف لغة الحوار مع الجزائر بعد هذه الأزمة الطفولية تخرج بعض صحفنا وتقول " سحقنا الجزائر4 / صفر" وذلك بعد تغلبنا عليها في أنجولا!!.. وماذا كان سيحدث لو كنا أكثر تهذيباً وعقلانية وتهدئة لو قلنا" تغلبنا علي الجزائر4 / صفر".. وما هي ضرورة كلمة " سحقنا" ؟.. إعلام فاشل وطفولي بكل المقاييس!!
7 لماذا يظهر الانتماء الوطني فقط في مباريات كرة القدم؟.. وهل الانتماء الوطني الحقيقي مستقر في القلوب والأفئدة والعقول أم أنه مستقر فقط في الأقدام؟.. أم أن هذه سياسة مخططة لإلهاء الشعب عن مشاكله؟.. لقد حزنت وغضبت جداً عندما سمعت أحدهم يهتف قائلاً: "عاشت جمهورية مصر الكروية " !!.. ولست أدري إن كان يقولها جاداً أم ساخراً؟
8 ليس ما أقوله هو ضرب كرسي في الكُولب أثناء الابتهاج والفرح والحماس المبالغ فيه جداً الذي لا يتناسب مع حدث ليس له أي تأثير علي حاضر ومستقبل هذا الشعب!!..
هذه محاولة متواضعة لإزالة الغشاوة من علي العيون والعقول التي غطت وطفت علي مشاكل مصر العديدة!!..
وأعتقد أن كلامي هذا لن يعجب البعض الذين يريدون تسليط الأضواء عليهم فقط علي حساب الصالح العام للشعب!!.. وقد يوافق علي آرائي هذه البعض الذين اندهشوا من المبالغة غير الطبيعية التي اخترقت سقف الخيال بسبب الفوز في مباراة رياضية وأصبحت هذه المبالغة مثاراً للإشفاق والسخرية!!
ماذا كنا سنفعل لو فزنا بكأس العالم ؟!
*خبير في الشئون الإستراتيجية جريدة الوفد 15/2/2010