«رد الاعتبار لشباب مصر» مرحباً أيها الحزن، أم وداعاً أيها الحزن؟ أنا أفضل أن أقول وداعاً أيها الحزن، فقد منّ الله سبحانه وتعالى على الإنسان بنعمة النسيان، هى منحة إلهية فلولاها لما تحملنا الحياة ولانتحرنا عند موت أو خسارة أى عزيز لدينا، كما فعل لاعب منتخب ألمانيا عندما فقد ابنته. وقد يسأل أى مصرى نفسه: إيه الحكاية، هل كُتب على المصريين الحزن منذ خلق مصر؟ الفراعنة بنوا المقابر ومشوا فى الجنازات لأن الحزن كان يسيطر عليهم، نحن ورثناه منهم، نحن شعب ضاحك ولكن كل منا يختم الضحكة بجملة «اللهم اجعله خير»، وهو شىء غريب.. يعنى فى عز انبساطنا نتذكر ونخشى من القادم وهو أمر لا تفعله مثلنا الشعوب الأخرى. أفاق المصريون من حلم جميل، المعنى الظاهر هو كرة القدم والوصول للنهائيات، والمعنى الباطن هو أنهم فى عرض جرعة من السعادة، إلى شمة أوكسجين لم يجدوها فى هواء مصر الملوث، قرر المصريون النسيان أو الاستعباط أو عدم التفكير فى ارتفاع الأسعار وفى ازدياد البطالة وفى انتشار العشوائيات وفى الأمراض التى تحاصرهم. قرروا مصالحة الحكومة وتركها فى حالها هذه الفترة الكروية، وقرروا أو تصوروا أنهم فى شهر عسل أقاموه فى خيالهم وبطريقتهم وبمزاجهم، تصور كل واحد أنه العريس وكرة القدم هى العروسة التى يجب أن يذهب بها إلى جنوب أفريقيا، نسوا أن عليهم الذهاب إلى الخرطوم أولاً قبل جنوب أفريقيا، نسوا أن هناك منافساً يقف بالمرصاد ليخطف العروسة ويذهب هو بها إلى جنوب أفريقيا، نسوا أنها كالمرأة اللعوب التى تعطيك حيناً وتتمنع كثيراً، نسوا أنها عروسة بُرم قطّعت السمكة وديلها ودوبت الكثيرين، فهى تلف وتدور وتغازل وتغمز، تعطيك ابتسامة وقد تعطى غيرك ابتسامة أكبر، بل قد تعطيه نفسها فى النهاية وتنام فى أحضانه كما فعلت مع الجزائر. حضرات القراء.. كيف ونحن أحفاد الفراعنة أن يستعصى علينا تحويل الحلم إلى حقيقة؟ وضعنا فى بطننا بطيخة صيفى وقلنا إنها حمراء بلون الدم ولم نتصور أنها يمكن أن تصبح بطيخة «قرعة» وبيضاء ولا طعم فيها ولا رائحة، تصورناها عروسة فى ملابسها البيضاء ولم نتصور أنها يمكن أن تكون عجوزاً شمطاء مثل أمنا «الغولة». حضرات القراء.. نعم خسرنا مباراة فى كرة القدم ولم نصل لكأس العالم، ومع ذلك اكتسبنا توحدنا ووحدتنا، وقد يمكننى القول، والقياس مع الفارق، إن هناك شبهاً بين مواقف المصريين فى حرب أكتوبر من الحب لمصر ومن الدفاع عن الكرامة المصرية، ويمكننى أن أشبّه ثانى يوم خروجنا من النهائيات كأنه اليوم التالى لنكسة 67. إذن الحزن الذى يعيش فى ضلوعنا وفى أرواحنا وفى جينات المصريين هو الذى يسود هذه الأيام، كأنه مكتوب علينا ألا نفرح مع أننا نستحق الفرح، فنحن فى تاريخنا لم نر أياماً كثيرة فيها سعادة، فكم من احتلال واستعمار كبس على أنفاسنا ولكنه مع ذلك لم يستطع أن يحطم وحدتنا ولا حبنا لوطننا. عزيزى القارئ.. إننى أعتبر ما حدث فى الفترة السابقة هو رد الاعتبار للشباب المصرى الذى اتهمناه بأفظع الاتهامات بأنه ليس لديه انتماء للوطن، كأننا خلعنا عنه رداء جنسيته ووطنيته، والذى لا يعلمه البعض أن هناك ما أسميه غريزة حب الوطن فى كل واحد منهم. الوطنية لا تأتى بحقنة فى العضل أو حتى فى الوريد، أشعر كأننا عدنا إلى ما نسميه الآن العصر الجميل، عدنا إلى أفلام الأبيض والأسود التى عشقناها، عدنا نرفع العلم الذى افتقدناه وافتقدنا معه طابور العلم فى الصباح، العلم الذى كنا نسيناه عاد قوياً ومرفرفاً ليس فقط على المصالح الحكومية، ولكن على المنازل وعلى المحال التجارية، عاد مرة أخرى أقوى وأعلى، تعرف الشباب على ألوان العلم الحمراء والبيضاء والسوداء وعلى شعار النسر. الشباب الذى طالما اتهمناه بالكسل أصبح كتلة نشاط وحركة، وأصبح صوتاً وصورة، تحولت حركته من السلوموشن إلى العَدْو السريع، فهو هنا وهناك، بل وفى كل مكان. حضرات القراء.. أحببت الزعيم مصطفى كامل لوطنيته، وأحببته أكثر عندما قال: «لو لم أكن مصرياً.. لوددت أن أكون مصرياً». شباب مصر ترجم هذه المقولة إلى أفعال وإلى إحساس وطنى صادر من القلب وهو ربما لم يسمع عنها. ويتبقى السؤال.. هل يمكن أن نقول إن عام 2009 هو عام فارق فى حياة المصريين أم أنه سحابة صيف وزوبعة فى فنجان؟ إن هذا الحلم الجميل هو حلم التوحد وليس حلم الوصول للنهائيات. أم هل سنعود إلى المصريين اللى دهنوا الهوا دوكو والمصريين السلبيين وغير المكترثين والذين يضربون «طناش» عند رؤية الخطأ؟ بصراحة كان حلماً جميلاً.. وآدينى لسه عايش فيه.. مشاعر ■ صفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى.. يعجبنى جانب البناء والتعيمر فى شخصيته، وفى أدائه، هو الذى بنى مدينة الإنتاج الإعلامى، وهو الذى أقام الأقمار الصناعية «نايل سات 1» و«نايل سات 2» وأخيراً هو الذى أعاد مبنى مجلس الشورى إلى قيمته التاريخية. ■ عصام الحضرى، حارس مرمى مصر.. بكى بحرقة بعد المباراة، وأشعر أن دموعه حقيقية.. ولكن هل سببها الوحيد الخروج من النهائيات أم أن عمره لن يكون مناسباً لتصفيات 2014، أم بسبب عدم استطاعته صد هدف الجزائر الوحيد أم بسبب ملايين الجنيهات التى طارت فى الهواء؟ ■ الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى.. أنا غاضب لغضبه بسبب عدم حصوله على جائزة فى مهرجان الإعلام العربى عن إبداعه فى السيرة الذاتية الرائعة.. بصراحة هذا المهرجان يجب أن يتوقف أو يغير جلده. ■ الدكتور أحمد مجاهد، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة.. أحترمه لحماسه واندفاعه للعمل، ولكن لم يعجبنى تعليقه على شائعة ترشيحه وزيراً للثقافة عندما قال إن هذا الترشيح ضد مصلحتى مع الوزير فاروق حسنى، وإن الفكرة غير ظريفة وعبيطة ومحبطة.. ما المانع أن يحلم أن يكون وزيراً للثقافة؟ ■ المواقع الإلكترونية الرياضية.. ثبت أنها الفاعل الأقوى فى الرياضة المصرية، تأثيرها أصبح أشد من القنوات الحكومية والخاصة.. هى فقط التى تصدت للأكاذيب الجزائرية.. برافو. ■ الدكتور أحمد نظيف، رئيس الوزراء.. كنت محافظاً للإسماعيلية لمدة إثنى عشر عاماً، وكان أسوأ ما فيها اجتماعات مجلس المحافظين، فقد كنا نعتبرها مضيعة للوقت ومكلمة، كان الوزراء يتحدثون ويعرضون إنجازاتهم الوهمية، بينما الاهتمام قليل بمشاكل المحافظات، المحافظ الذى ينتقد أحد الوزراء كان يتعرض لقطع المياه والنور عن محافظته. ■ مدحت شلبى، نجم قناة مودرن سبورت.. حزنت عندما وجه نداء للشيخ صالح كامل، يستعطفه فيه للسماح للقنوات الفضائية الرياضية الخاصة «الحياة ومودرن ودريم» بإذاعة مباراة مصر والجزائر. يبدو أن مدحت مازال يؤمن بنظرية «علشان خاطرنا»، ونسى أن المشكلة اقتصادية أكثر منها خواطر. ■ الوزير أنس الفقى.. هل هذا معقول، ثانى يوم خروجنا من النهائيات اختفت الأغانى الوطنية، خصوصاً «يا حبيبتى يا مصر».. كان المفروض أن تستمر يومين على الأقل. بدون مشاعر مرت مباراة الجزائر، ولابد من وقفة، هنا لا أتحدث عن المباراة فنياً ولا تكتيكياً. ولا حتى المعركة الإعلامية بيننا وبينهم. فبصراحة أنا مفروس وسأموت من الغيظ، ومرة أخرى أقول ليس بسبب عدم وصولنا لكأس العالم، وإنما بسبب أحداث ما بعد المباراة. وأتحداك لو استطعت أن تقول لى اسم المسؤول الأول عن ترتيبات سفر ووصول المصريين إلى السودان، الإدارة الرياضية الحكومية كانت بالسودان واتحاد الكرة كذلك. لست أدرى من أحّمل مسؤولية ما حدث للمواطنين المصريين؟ ومن السبب فى هذه المهزلة التى تمت، تصوروا حضراتكم أن أبناء مصر جروا من أمام الجزائريين واختفوا بالمنازل وبالمقاهى والمطار الذى رفض مسؤولوه السماح لهم بالدخول كنا نعلم أن هناك مباراة فاصلة بالسودان، وكان يجب أن نعلم أن السودان ليست دولة أوروبية، أو هى واحة للأمن والأمان، ولكنها دولة فرض عليها أن تستقبل المباراة وكان من الواضح أنهم لم يتصوروا أن هناك مباراة ستقام ببلدهم. أيمن يونس كان يقول بكل ثقة وكبرياء وغرور إنه هو الذى اختار السودان، ولست أدرى كيف عرف أن هذا هو الاختيار المناسب، هل لديه خلفية سياسية تسمح له بهذا الاختيار، أم أن أغنية «مصر والسودان إخوان متحابان» هى التى أعتمد عليها فى الاختيار، كان يجب أن يعلم أن هذه الأغنية عمرها أكثر من خمسين عاماً. وإذا كان هو ومجلس إدارة اتحاد الكرة الموقر قد اختاروها.. فماذا فعلوا لضمان مرور المباراة إلى بر الأمان، كلهم سافروا إلى الخرطوم بحجة معايشة اللاعبين وإعطاء دفعة معنوية مع أنها مهمة الجهاز الفنى فقط، اختيار السودان اختيار فاشل فقد حملوا السودان أكثر مما يحتمل وهو مثقل بأعباء داخلية تنوء بها الجبال، ولست أدرى حتى الآن لماذا لم يختاروا دولة أوروبية كما حدث فى مباراتنا مع زيمبابوى فى فرنسا، أو لماذا لم يختاروا غانا، كينيا، غينيا، تشاد، ماذا أقول لك، أقول إنها طقت فى نافوخ أيمن يونس وقال وجدتها وكما يتصور لم يقف السودانيون مع مصر فهم إما محايدين أو ممتنعين أو مشجعين للجزائر. حضرات القراء طيب فلنعقد مقارنة بين ما فعلته الجزائر وما فعلناه، منتهى التنظيم، سافروا مباشرة بعد مباراة القاهرة للسودان لإعداد المسرح، رتبوا كل أمورهم بالسودان.. أماكن الإقامة والإعاشة حتى إنهم نصبوا خياماً لجمهورهم فى أماكن اختاروها بعناية ودقة، جهزوا لوصول الطائرات الجزائرية واستقبال الجماهير وتيسير نقلهم إلى أماكن الإعاشة، وزعوا أنفسهم فى فرق للمرور على أحياء الخرطوم وأم درمان لتوزيع الأعلام على المحال التجارية والمنازل، تحدثوا واستمالوا السودانيين ليقفوا مع فريقهم ونجحوا فى ذلك. كانوا يتنقلون جماعات وليسوا فرادى، هذا بجانب الخطة المحكمة لاستفزاز المصريين من أول اللاعبين إلى جميع الجماهير المصرية، ملأوا الاستاد مبكراً بينما المصريون حتى ساعة متأخرة قبل المباراة كانوا يملأون نصفه فقط. وفى المقابل فى مصر، محاولات فردية، الفريق شفيق تطوع بإقامة جسر جوى، حقيقى وصلت الطائرات متأخرة ولم تكن وزارة الطيران هى السبب ولكن لعدم وجود عقل مدبر ومفكر ومنظم للعملية كلها. وبالمناسبة إيه حكاية سفر طائرة للفنانين وطائرة للأدباء وطائرة للشعراء وطائرة للإعلاميين، كل هؤلاء تصوروا أنها فسحة ونزهة كأنما هم ذاهبون إلى أوروبا وأعتقد أنهم من هول ما رأوه قالوا توبة من بعد دى النوبة. كل ذلك كوم والفرق فى نوعية المشجعين المصريين والجزائريين شاسع، يخيل إلىَّ أنهم أحضروا قوات مكافحة الإرهاب وأبطال رفع الأثقال والملاكمة والمصارعة، وأحضروا قوات الأمن المركزى والقوات الخاصة، ورجال الاستخبارات ومباحث أمن الدولة، والمصريون سافروا دون حماية، وهذا شىء غريب، أذكر وأنا محافظ للإسماعيلية كنت أرسل مع جماهير الإسماعيلية رجال المباحث الجنائية فى مبارايات الأهلى والزمالك حماية لهم ولمنع التصرفات غير المسؤولة. عزيزى القارئ.. الجزائر فازت فى المعركة الأولى وهى مباراة كرة القدم وفازت فى المباراة الثانية وهى المعركة الإعلامية وفازت وبالثلاثة فى المباراة الثالثة أقصد مباراة الجماهير والمشجعين. ونحن لا خطة ولا يحزنون، تركنا أبناءنا فى بحر الظلمات، على أى الأحوال دى مش جديدة فالمواطن المصرى دائماً حاله ذلك فى كل مكان. وحسبى الله ونعم الوكيل عن المسؤول عن هذه الخيبة. روح منك لله.