موسكو وديمقراطية التصويت الالكتروني حسن البطل النتائج المتوقعة للانتخابات الرئاسية الروسية لا تغني عن طرح أسئلة. تبدأ مما يبدو أبسطها، وهو : من سيكون النظير الأميركي في القمم الثنائية اللاحقة؟. هذا سؤال ليس شكلانياً كما يبدو، ففي حال فوز المرشح الديمقراطي باراك أوباما، سيحكم الاتحاد الروسي والولاياتالمتحدة، وللمرة الأولى معاً. رئيسان شابان، بل سيكون الرئيس الروسي أفتى من نظيره الديمقراطي الأميركي الدراماتيكي.. إن كان أول ملون أو كان أو امرأة.. هذا في حال اخفاق المحارب جون ماك - كين الجمهوري في الفوز، ليغدو أكبر رؤساء الولاياتالمتحدة سناً لدى انتخابه!. انتهى، إذاً، عصر الرؤساء العجائز في موسكو، ولو أن العجوز الأميركي الضاحك، رونالد ريغان، قال، بطرفة لاذعة مطلع عقد الثمانينيات من القرن المنصرم عن سبب غياب قمم ثنائية مع الرؤساء السوفيات: ماذا أفعل؟ إنهم يموتون بأسرع مما تطلبه ترتيبات البروتوكول لعقد قمة؟. للإنصاف، وعلى هامش السؤال، فإن الرؤساء الصينيين الجدد يبدون، بدورهم، الأفتى منذ نصف قرن. فتوة الرؤساء في ثلاث دول من بين الأقوى عسكرياً واقتصادياً وتعداداً سكانياً، يرافقها ان هؤلاء، في أميركا وروسيا والصين، يقودون مرحلة تغيير عميقة في بلادهم على غير صعيد، وخصوصاً الصعيد الاقتصادي، والتجديد الأيديولوجي. الصين وروسيا تغذان السير نحو اقتصاد السوق، وبنجاح كبير، على خطين متوازيين، بينما اقتصاد السوق والعسكرة في الولاياتالمتحدة يدخل بدايات أزمة عميقة، كان قد حذر من مخاطرها قبل 60 عاماً، الرئيس الأميركي الجمهوري الجنرال دوايت ايزنهاور.. حتى قبل تفاقم خطر (العولمة) مع خطر ايديولوجيا المحافظين الجدد في أميركا. ببساطة، يمكن تصديق الدعاوة الانتخابية للمرشح الأميركي أوباما بتغيير العالم بدءاً من تغيير الولاياتالمتحدة، لأنه إذا تغيرت أميركا تغير العالم. أيضاً، فالصين تتغير وتغيّر اسيا وتسهم في تغيير العالم، منذ أن وضعت طبعتها الخاصة للمزج بين تحول نحو اقتصاد السوق واستمرار حكم الحزب الواحد، واضعة درس بيريسترويكا ميخائيل غورباتشيوف القاسي بعين الاعتبار. وفي النتيجة الاقتصادية (إنه الاقتصاد يا غبي!) صارت الصين تملك أكبر احتياطي نقدي عالمي متخطية اليابان، ومع نسبة نمو سنوي تتراوح بين 9 - 11% حسب المعطيات الدولية أو الصينية. روسياالجديدة، الممتدة على )11( حزمة ساعية، بدأت، مع لاعب الكاراتيه، وضابط kjb السابق، نهضتها من سقطتها العميقة، وهي تركض بسرعة في مضمارين متوازيين: التحول نحو اقتصاد السوق (مع ملامح اقتصاد دولة)، وكذا نحو انتخابات تعددية وتنافسية، ونسبة نمو بلغت العام الماضي 8%، بينما انخفضت نسبة نمو الاقتصاد الأميركي الى 2،1% وعجز غير مسبوق في اختلال ميزان المدفوعات، في حين سددت روسيا الاتحادية معظم ديونها الخارجية، بفضل كونها بئر الغاز الأولى والأغزر عالمياً مع ارتفاع مذهل في أسعار الطاقة. واضح أن تعدد الأقطاب الاقتصادية سيملي عودة ما الى تعدد الأقطاب السياسية، وبما يفوق ما كان عليه الحال في حقبة الحرب الباردة، حيث كان الاتحاد الاوروبي إما جنيناً أو قزماً، هذا يعني تالياً، تعدد الديمقراطيات الكبرى. إن ديمقراطية روسية بدأت دائخة مع يلتسين الدائخ، صحت الى نفسها مع (خليفته) المعين ثم المنتخب بوتين، وصارت، أخيراً، تنافسية وتعددية.. وأيضاً، مبهرجة قدر الإمكان على الطريقة الأميركية. الغربيون سخروا من عيوب شابت انتخاب بوتين للمرة الثانية سنة 2004، فرد رداً قارصاً على الأميركيين بالذات، ناصحاً اياهم بإغلاق ثغرات في نظامهم الانتخابي المعقد والمتمركز حول: إما مرشح جمهوري أو ديمقراطي لا يختلفان كثيراً في النظرة لأميركا والعالم، بينما تختلف نظرة المتنافسين الأربعة على رئاسة روسيا بين روسيا الليبرالية (ميدفيديف) أو الشيوعية (زيوغانوف)، أو القومية (جيروفسكي)، أو روسيا عضو الاتحاد الأوروبي (بوغدانوف). في المعايير الروسية، أو في مرآة الرأي العام الروسي، قد تكون انتخابات الرئاسة الروسية هي الأفضل في تاريخ روسيا القيصرية والسوفياتية معاً.. لكنها في المعايير الغربية تبقى (محبوكة) إلى درجة ما، بغض النظر عن تقارير قلة من المراقبين الدوليين حول الخروقات، أو شكوى المرشح الشيوعي منها. جريدة الأوبزيرفر البريطانية سخرت حتى من مشية الشاب ميدفيديف وملابسه المشابهة لمشية بوتين وملابسه ولغة جسده. اما الرئيس بوش فلا يعتقد أن الرئيس الجديد سيكون تماماً (دمية) رئيس وزرائه السيد بوتين. هذا رئيس اداري واقتصادي شاب لروسياالجديدة، وهو ما يلزمها لتقف على قدمين قويتين اقتصادية وادارية، معززاً بخبرة بوتين في قيادة التحول الروسي. الانتخابات الديمقراطية لعبة، وقد تكون الانتخابات الروسية لعبة محكمة، ولكنها افضل لروسيا وللعالم من روسيا الضعيفة الحائرة والفوضوية، وقد حافظت على التقليد الروسي في الانتقال السلطوي (المرتب) مع هامش انتخابات ديمقراطية احترمت نص الدستور بفترتين انتخابيتين مجموعهما ثماني سنوات كالولاياتالمتحدة. السؤال هو: هل ستكون علاقة الرئيس برئيس وزرائه في مثل علاقة موسكو بجمهوريات الاتحاد الروسي، أو تغدو مثل علاقة الاتحاد الروسي بأسرة الدول المستقلة؟. ليس بسهولة سيتخلى الناخب الروسي عن فاكهة الديمقراطية بعد أن تذوقها. انتهت ديمقراطية رفع الأيدي، وبدأت ديمقراطية التصويت الالكتروني!. عن صحيفة الايام الفلسطينية 4/3/2008