أكراد العراق والخسران المبين احمد عمرابي وأخيراً، وتحت وطأة الهجوم التركي البري عبر الحدود تذكر قادة كردستان العراق أنهم عراقيون قبل كونهم أكراداً، وتذكروا أن للعراق سيادة وطنية يجدر بالحكومة المركزية في بغداد أن تهب للانتصار لها في وجه غزو أجنبي. ولكن هل ترك الأكراد العراقيون للأغلبية غير الكردية أي سبب للنهوض من أجل إنقاذ كردستان من «استعمار» تركي؟
وهل أدركوا الآن أن مراهنتهم على الحماية الأميركية كان محكوماً عليها سلفاً بخسارة حتمية؟
على مدى عقود زمنية متصلة وضع قادة كردستان نصب أعينهم الاستقلال عن العراق، وإقامة دولة كردية في الشمال كهدف استراتيجي بعيد المدى مراهنين على دعم أميركي، واستثمروا فرصة هزيمة عراق صدام في حرب الخليج الأولى عند مطلع التسعينات لتحقيق الهدف اعتماداً على حماية جوية أميركية، وما أن اندحر نظام صدام وانهار الحكم المركزي تحت وطأة الاحتلال الأميركي في عام 2003.
حتى أصبح قادة كردستان يتصرفون عملياً وكأنهم حكام دولة ذات سيادة كاملة، لكنهم تحت تأثير السكرة الاستقلالية نسوا أمرين: إن تفكيك العراق يغضب الأغلبية العربية بفئاتها الشيعية والسنية على حد سواء، ويستفز من ناحية أخرى تركيا بفئاتها النخبوية وطبقتها الحاكمة على حد سواء، كما أنهم لم يأخذوا في الحساب أن من المحتم أن تضحي الولاياتالمتحدة بكردستان العراق لصالح تركيا إذا ووجهت باتخاذ خيار حاسم.
هكذا خسرت قيادة كردستان على كافة الجبهات بعد وقوع الهجوم العسكري التركي الكاسح، ولتفادي حرج التحيز لأحد الحليفين ضد الآخر بذلت واشنطن أقصى ما لديها من موارد دبلوماسية لمحاولة إثناء الحكومة التركية عن شن الهجوم، ورغم أن الهدف المعلن للهجوم التركي هو إلحاق هزيمة حاسمة بقوات «حزب العمال» الذي يمثل الأقلية الكردية في الجنوب الشرقي التركي إلا أن من الواضح أن جيش تركيا يستهدف أراضي كردستان العراق بدعوى القضاء على قواعد قوات حزب العمال هناك.
هنا فوجئت قيادة كردستان العراق بأن الولاياتالمتحدة تدعم الهجوم التركي عن طريق إمداد قيادة الجيش التركي بمعلومات استخبارية عن مواقع وقواعد حزب العمال في الأراضي الكردستانية. في لحظة واحدة أسقطت واشنطن الحماية الأميركية لأكراد العراق، وكالغريق الذي يتمسك بقشة توجهت قيادة كردستان لطلب العون من الحكومة المركزية في بغداد لكي تنهض من أجل الانتصار «للسيادة الوطنية العراقية».
هكذا نسيت القيادة الكردية أولاً انه لم يعد للعراق سيادة وطنية منذ الغزو الأميركي الذي كانت الأقلية الكردية أول المرحبين به، وأشد الداعمين له عندما تحول من غزو إلى احتلال مستديم، في ظل تحالفهم مع السلطة الاحتلالية واعتمادهم عليها كقوة حامية، أخذت القيادة الكردية تنفذ مخططها لإقامة الدولة الكردية المستقلة في الشمال، وبعد أن أقامت حكومة وبرلماناً وحولت ميليشيا «البشمركة» إلى جيش نظامي عمدت إلى استبعاد كركوك الغنية بالنفط من الوجود العربي.
لقد غضبت تركيا لأنها ترفض من حيث المبدأ قيام دولة كردية مستقلة في العراق حتى لا تنتقل «عدوى» الاستقلال إلى الأقلية الكردية التركية، والآن وبعد أن ترجمت تركيا غضبها إلى عمل عسكري فان قيادة كردستان العراق تواجه خسراناً مبيناً يتمثل في سحب الحماية الأميركية وشماتة الأغلبية العربية العراقية. عن صحيفة البيان الاماراتية 2/3/2008