يشتبك المعرض مع الزوار من خلال عرض حكايات متنوعة مرفقة بوصف تفصيلي، لتطرح تساؤلا على الزوار عن أى صورة كانت هى الأكثر تأثيرا عليهم فى إطار الحديث عن دور الصورة وأهميتها فى توثيق الأحداث والأماكن وحفظ الذاكرة والمقاومة، وكذلك إعادة اكتشاف الذات فى سياقات متعددة، قررت مروة أبو ليلة، المؤسس والمدير التنفيذى لمؤسسة فوتوبيا وأسبوع القاهرة للصورة أن تهدى الدورة الرابعة من أسبوع القاهرة للصورة إلى صمود الشعب الفلسطيني، مشيرة إلى أن صورة محمد سالم التى التقطها قبل أن تبدأ الحرب فى غزة وتصور منزلا متهدما فى فلسطين بينما يسير طفل يبيع الحلوى الملونة أكبر دليل على الصمود الفلسطينى والأمل فى انتهاء هذه الحرب الوحشية. وأضافت أن أسبوع القاهرة للصورة صمم جدارا تذكاريا يضم أسماء 230 شهيدا من الصحفيين والمصورين ممن فقدوا حياتهم منذ بدء الحرب فى غزة، وهى القائمة التى قدمتها نقابة الصحفيين الفلسطينيين، كما تعاون أسبوع القاهرة للصورة مع سامى الرميان رئيس لجنة «التصوير من أجل الإنسانية» فى تنظيم معرضا لدعم المصورين الفلسطينيين. وكانت سينما راديو بمنطقة وسط البلد، قد شهدت إقامة معرض «غزة حكايات القطاع المكلوم بعيون أبنائه من المصورين» الذى شهد إقبالا جماهيريا كبيرا. إن الصورة كانت ولا تزال عبر تاريخ الإنسانية شاهد حى على الأحداث، إذ تتغير السياقات والأحداث وتظل الصورة لتروى وتذكرنا، وقد كانت كثير من القضايا الإنسانية محور عديد من الصور التى عرضت فى أكثر من معرض خلال أسبوع القاهرة الصورة، وأحد هذه المعارض هو «غير مستقر» الذى قامت بالتنسيق له مؤسسة الصورة الصحفية العالمية، حيث تناول المعرض موضوع النزوح والهجرة فى القرن ال21 . فخلال العشرين عاما الماضية تزايد وجود حكايات النزوح والهجرة فى الإعلام، وقد أثر ذلك على رؤية المجتمع والأفراد للمهاجرين. ويشتبك المعرض مع الزوار من خلال عرض حكايات متنوعة مرفقة بوصف تفصيلي، لتطرح تساؤلا على الزوار عن أى صورة كانت هى الأكثر تأثيرا عليهم .. فكما جاء بكلمة المعرض أن المصور يختار ما يعرضه من صور وكيف يقدم هذه الصور؛ بداية من صور روبيرت نوث عن المهاجرين فى أنغولا مرورا بالرؤية الشعرية لأليسا مارتينوفا عن أحلام المهاجرين الأفارقة فى إيطاليا، إلى الصورة المؤثرة لماسيمو سستينى للمهاجرين المكتظين فى قارب صغير. ونحن كأفراد نقوم بربط ما نراه من صور اعتماداً على خلفيتنا الثقافية. ولدينا القدرة (والمسئولية) للنظر بتمعّن؛ لإعطاء معنى للصورة. تنوعت الحكايات التى روتها الصور.. إذ تتجاوز الصور بما تقدمه معانى آلاف الكلمات من جهة، ولكنها كذلك أداة مهمة فى مقاومة النسيان وما أحوجنا - فى عالم يسير بخطى سريعة نحو تغيير كل الأشياء - أن نتذكر. وفى مقاومة النسيان بالصورة توقفت كثيرا عند تلك القصة الإنسانية التى يدور حولها مشروع الشاب مصطفى الشامى «الزهايمر والعائلة»، وهو أحد المشروعات التى تم تقديمها من خلال معرض «سرد» الذى أقيم ببيت باب اللوق فى نفس التوقيت الذى أقيم فيه معرض «القاهرة 90» لراندا شعث، فبينما أنا غارقة فى تأمل تفاصيل القاهرة فى التسعينات.. قادتنى جولتى بالمعرض لمشروع الشامي. اختبر مصطفى الشامى عبر مشروعه المصور مفاهيم النسيان والحضور على المستوى الإنساني، والعلاقة بين العائلة والماضى والحاضر، إذ اختار أن يواجه نسيان الجد المصاب الزهايمر بتوظيف الصور. يقول الشامي: « إن أحد الأسباب الرئيسية لحدوث الزهايمر تتمثل فى الصدمات العاطفية التى يتعرض لها الإنسان. ويذكر أن جده، فى السبعينيات، فقد أخاه الأصغر، ثم فى عام 2014 فقد أخاه الأكبر، وبعد ست سنوات، تعرض لجلطة أفقدته ذاكرته تمامًا. وعادةً، يعيش مريض الزهايمر بذاكرته فى فترة زمنية معينة من حياته، وغالبًا ما تكون الفترة التى كان فيها أكثر سعادة. بالنسبة لجده، كانت الفترة الذهبية هى شبابه وبداية زواجه، وهذا ما يحيا فيه الآن. ومن خلال الكلمات والصور حاول الشامى توظيف أكثر من تقنية، ليحكى من خلالها قصصًا ذات معانٍ متعددة. يحاول الحفيد العبور إلى ذاكرة جده بعد أن أعطاه صورة تجمعه بأولاده، طالبا منه أن يشطب على تلك الوجوه التى لا يتذكرها فإذا به يشطب على جميع الوجوه، حتى وجهه هو نفسه، وكأنه فقد هذه الذكريات تمامًا. لكنه فى صورة أخرى يتذكر بخط مهتز وبيد مرتعشة منزله بباب القبلة، وهكذا فإن لكل صورة بالمعرض قصة لها علاقة بذاكرة الجد وبحاضره وبالعائلة.. لتتداخل الكتابة والتطريز والتلوين مع الصور الفوتوغرافية التى تم التقاطها بالماضى أو التى توثق الحاضر. لم يدرس الشامى الفنون الجميلة، لكنه يمارس التصوير منذ أكثر من ست سنوات ويعتبر مشروعه «العائلة والزهايمر» من المشروعات الممتدة إذ عمل عليه لأكثر من سنة ونصف ليعيد رسم ملامح ذكريات جده التى هى جزء من تاريخه كحفيد لا يستطيع التواصل مع جده فى الحاضر ولكنه يحاول الدخول إلى ذاكرته. تحتاج كل حكاية لأن تروى تفصيليا وقد تمنيت لو وجدت ما يكفى من الوقت للكتابة عن كل معرض بل عن كل صورة منفردة، فقد ضم معرض «سرد» وحده - الذى أقيم هذا العام تحت شعار «استكشاف السرد من خلال التصوير الفوتوغرافى والصوت» - عشرة مشروعات من مصر ولبنان والأردن وفلسطين والمغرب والعراق، عرضت قصصا فوتوغرافية متنوعة توثق مشاهد وقضايا من مصر والمنطقة العربية، بعدسات مصورين محترفين وناشئين، وقد تم توظيف الصوت لأول مرة هذا العام كأحد العناصر المكملة للصورة؛ لخلق تجربة متعددة الأبعاد للمشاهد. وعن معرض سرد تقول مروة أبو ليلة «تستحق الكثير من الأحداث وتفاصيل الحياة حولنا توثيقها، وعدسة الكاميرا حينما تلتقط صورة فهى تنقل من خلالها تحولات الأماكن والأحداث، وما يشعر به البشر وتكشفه ملامح وجوههم؛ لهذا فالصورة وثيقة تاريخية هامة وشديدة الصدق، وهذا العام تلقينا أكثر من 150 مشاركة من مصورين من مصر والدول العربية، وتم اختيار 10 منها لتقديمها فى المعرض. ومن جانبه ذكر فارس زيتون منسق معرض «سرد» وضيف شرف الدورة الرابعة للمعرض: «يعتبر الصوت أحد العناصر الهامة فى اختيار الأعمال، ولا نعنى بالصوت الموسيقى فحسب، فأحد المشروعات استخدم أصوات طائرات الدرونز للتعبير عن الحرب فى غزة، ومشروع آخر استخدم الشعر؛ لذلك كان مناسبة الصوت للفكرة بالإضافة إلى قوتها من العناصر الأساسية فى اختيار الأعمال المشاركة فى «سرد».