المسلمون في كوسوفا غيرنا! حازم عبدالرحمن في لحظة اعلان استقلال كوسوفا, كانت فرقة الموسيقي الفيلهارمونية تعزف لحن الاستقلال. وكان اللحن قريب الشبه جدا بمقطوعة الحرية التي أبدعها الموسيقار الروسي العبقري تشايكوفسكي وجسد فيها انعتاق الانسان من ربقة وأسر الاستبداد والقهر. وكانت كل قيادات الاقليم تشهد هذا العرض, وكان الأهالي يلتفون حول المقر من الخارج وهم يلوحون بأعلامهم ومعها العلم الأمريكي, وكأني بهم يقولون نحن مسلمون نعم, ولكننا مختلفون, (1) لماذا طلب أهالي اقليم كوسوفا الاستقلال, والانفصال عن صربيا؟ لأنهم كانوا يتعرضون باستمرار ومنذ قيام دولة الاتحاد اليوجوسلافي لقهر وقمع واستبداد. حرموا من لغتهم. ومن دراسة تاريخهم. ومن أن تكون لهم سماتهم وشعائرهم القومية. وكان الاقليم, من المناطق المنسية عند وضع خطط التنمية فأصبح من افقر المناطق اليوجوسلافية. والأسوأ من هذا كله, أنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي, وبدأت الشعوب والقوميات اليوجوسلافية تسعي نحو الانفصال والاستقلال(7 جمهوريات+ مجموعة أقاليم حكم ذاتي) لجأت الدولة الصربية, بوصفها أكبر وأقوي القوميات, علي عهد سلوبودان ميلوسيفيتش إلي أساليب التطهير العرقي الصريح والقهر الفاضح لكل الراغبين في الاستقلال. وبالطبع لم يكن لمثل هذا الأسلوب أن ينجح وكان محكوما عليه بالفشل. وهكذا استقلت سلوفينيا, ومقدونيا, وكرواتيا, ثم البوسنة والهرسك بعد واحدة من أسوأ وأفظع المجازر في تاريخ أوروبا( مجزرة سربرنيتشا) التي قتل فيها الصربيون ذات صباح8 آلاف مسلم بدم بارد من الأطفال والنساء والشباب الأبرياء المسالمين تماما( كأنك تقتل بقرا أو خرافا في مجزر). وهكذا في النهاية أيضا, انتشرت رغبة الاستقلال, والانفصال, والتحرر بين مسلمي كوسوفا, ولم يكن لدي الصربيين ما يقدمونه للمطالبين بالحرية إلا القتل والتصفية, ولذلك تدخلت الولاياتالمتحدة معهم لنجدتهم. ولعلنا لا ننسي, أنه عند بداية التدخل الأمريكي, لجأت القيادة الصربية إلي محاولة ارباك واحراج واشنطن أمام العالم عندما بدأت في تنفيذ عملية تهجير وطرد جماعي لمئات الآلاف من مسلمي كوسوفا إلي خارج الحدود الدولية. وبالفعل نفذت الولاياتالمتحدة, والدول الأوروبية الغربية جسورا جوية لنقل هؤلاء لكي تأويهم في مخيمات مؤقتة ببلادها إلي حين انتهاء النزاع العسكري. وقد خدم هذا التصرف الأحمق, الموقف السياسي الأمريكي, فكان الأمريكيون يتساءلون, هل من يفعل ذلك يعتبر أن هؤلاء جزء من شعبه؟ (2) لست في حاجة إلي القول, بأن الولاياتالمتحدة والقوي الكبري الغربية لم تفعل هذا حبا في عيون مسلمي كوسوفا. ولكن هناك مصالح عليا. وهذا حق. إلا أن أحدا لا يستطيع أن ينكر أبدا, أنه لولا الموقف الأمريكي في عهد بيل كلينتون ووزيرة خارجيته مادلين أولبرايت, لكان مصير هؤلاء المساكين هو القتل والتصفية علي يد جزاري الصرب. ثم أن القوي الكبري, بما فيها روسيا والصين, وافقت علي تكوين محكمة جرائم حرب دولية تختص بيوجوسلافيا السابقة. وأن الرئيس السابق ميلوسيفيتش, تم القبض عليه وكان رهن الاعتقال علي ذمة ارتكاب جرائم في حق الانسانية حتي مات. وهناك أيضا, اثنان من اكبر القيادات العسكرية والسياسية الصربية مازالا فارين وهما مطلوبان للمثول أمام المحكمة. نحن لا نقول, إن الصرب وحدهم هم الذين ارتكبوا جرائم في حق الانسانية. ولكن الواقع, أن شخصيات من كل القوميات ارتكبت جرائم حرب. فمنهم كروات, ومسلمون, وصرب, ومقدونيون, سلوفان الخ لكن مالا جدال فيه أن أعداد المجرمين الصرب أضعاف أعداد المجرمين من كل القوميات الأخري, ثم إن الصربيين كانت تدعمهم الحكومات في حين أن الآخرين كانوا يتصرفون بشكل فردي أو علي أقصي تقدير في اطار منظمات شعبية تحت عباءة أنها نوع من المقاومة في اطار الصراع الدموي. في ظل هذا السياق, من يستطيع أن يقول إن مسلمي كوسوفا, أو أهالي صربيا لديهم أي شعور بالوحدة القومية تجاه بعضهم؟ تري هل يمكن أن أنظر إلي رفيقي في الوطن من خلال سيف الجزار, أوناشينكاه الصياد, أو فوهة المدفع؟ في الواقع إن الصربيين لم يقدموا طوال63 عاما ما يجعل أهالي كوسوفا يشعرون بالوحدة معهم, فكيف نطالبهم بالبقاء معهم؟ (3) أعجب مافي الموضوع, أننا في خطابنا السياسي, لا نكف عن تأييد حق الشعوب في تقرير المصير في كل مكان في العالم. وهذا الحق لا يعني إلا الحق في الاستقلال القومي وتكوين دولة. ولا نكف عن دعوة الناس لتأييد حق الشعب الفلسطيني في الدولة. فكيف نفعل هذا, ونطالب أهالي كوسوفا بألا ينفصلوا؟ في حين أن ما فعله, ويفعله معهم الصرب, لا يختلف قيد أنملة عما يفعله الاسرائيليون مع الشعب الفلسطيني ان لم يكن أسوأ؟ أرجوك لا تقل لي حكاوي التاريخ. فأهالي كوسوفا موجودون في هذه المنطقة منذ عام1400 م علي أقل تقدير. يقولون إن عدد سكانها قليل لا يزيد علي مليونين؟ نعم, وماذا في ذلك إن عدد سكان دوقية لوكسمبورج أو امارة ليختنشتاين أو الفاتيكان في أوروبا, لا يزيد علي المليون, ثم كم يبلغ عدد سكان بعض الامارات في دول الخليج؟ اطمئنوا إن كوسوفا ستنضم بسرعة إلي الاتحاد الأوروبي ولسوف تسبق خلال السنوات القريبة القادمة, بتقدمها الاقتصادي, والسياسي والاجتماعي, والثقافي, كل بلاد العالم الاسلامي. ساعتها أرجو ألا نسألها أن تقدم لنا يد المساعدة. عن صحيفة الاهرام المصرية 2/3/2008