حرب «حزب الله» المفتوحة حسان حيدر أيا تكن الجهة التي اغتالت عماد مغنية، والشبهة هنا تشير أساساً الى اسرائيل واستخباراتها بانتظار ان تؤكد ذلك بالقرائن نتائج التحقيق السوري الموعود، فقد منحت هذه الجهة «حزب الله» الفرصة لإعلان ان حرب تموز 2006 لم تتوقف بعد بل هي «مستمرة ومفتوحة». وقد يؤخذ هذا الكلام على محمل رد الفعل الغاضب والمذهول أمام الضربة القاسية التي استهدفت أحد قياديي الحزب الأساسيين، بعدما تكشف للمرة الاولى انه كان يرأس «المجلس الجهادي» (العسكري) فيه، لكن الوقائع تشي بغير ذلك. فالاعلان يعني ان الحزب، الذي سحب قبل فترة اعترافه بالقرار الدولي 1701 وأنكر موافقته على نقاطه السبع، على رغم التوثيق بالصوت والصورة بحسب تعبير المفاوض الرئيسي عليه الرئيس فؤاد السنيورة، قرر انه حان الوقت لتجاوز المفاعيل الميدانية للقرار المذكور والمتمثلة في اغلاق جبهة جنوب لبنان بعد انتشار القوات الدولية فيه الى جانب الجيش اللبناني. وإذا كان البعض فسّر كلام نصرالله بأن الحزب سيلجأ ربما الى «ساحات» اخرى طالما ان جبهة المواجهة الجنوبية مقفلة حاليا، وطالما ان اسرائيل ارتكبت ما اعتبره خرقاً جغرافياً لإطار الصراع معه، فالأرجح ان الرد على اغتيال مغنية سيأتي من لبنان وعبر حدوده ليس إلا، في عملية تتجاوز العوائق الدولية والمحلية، أياً تكن النتائج، لإثبات ان لبنان لا يزال ساحة الحزب المفتوحة للصراع مع اسرائيل، ولإعادة العمل باستراتيجية سورية وايران اللتين اعتبرتا إغلاق الجنوب عقاباً قاسياً لحليفهما اضطرته الى الموافقة عليه ظروف موقتة زالت الآن. أما لماذا لن يلجأ الحزب الى الضرب خارج «ساحته» المفضلة، فلأنه حرص طوال ربع قرن على عدم الاعتراف بانتماء مغنية اليه او انه كان يقاتل ويتحرك باسمه، اولاً لأن هذا الاخير كان مربوطا مباشرة بالقيادة المركزية في طهران بما يتخطى التراتبية الحزبية، وثانياً لأن الحزب كان راغباً في ان ينفي عن نفسه اي شبهة ارهابية في نظر دول العالم. وخصوصاً الاوروبية، التي لا تزال تختلف في تصنيفه، والتي حاول بعضها مراراً ايجاد الذرائع لاستمرار تعامله معه، او على الاقل عدم اتخاذ موقف جذري منه مماثل للموقف الاميركي. ولم يكشف الحزب بالتالي عن الحجم والدور الكبيرين اللذين كانا لمغنية سوى بعد مقتله. والارجح ان الاغتيال الذي اضطر الحزب الى الاعتراف بمغنية لن يدفعه الى التخلي عن حرصه على ابقاء الجسور، ولو الواهنة، قائمة مع قسم من الغرب. أما السبب الثاني الرئيسي، فهو ان اغلاق الجنوب أضعف الحلف السوري الايراني وتوابعه، لأنه عزل التطورات في لبنان عن تلك التي في قطاع غزة، حيث تعاني حركة «حماس»، الحليف الآخر، ايضاً من عزلة دولية وعربية زادها خرقها للحدود المصرية. وتواجه قراراً اسرائيلياً بالرد العسكري العنيف والمتواصل يحشرها في زاوية صعبة كونها غير قادرة عمليا على اي رد نوعي مقابل يخفف من تأفف جمهورها المحاصر، ولا هي قادرة على انهاء القطيعة مع شرعية سلطة محمود عباس الوطنية لأن ذلك سيشكل اعترافا منها بفشل انقلابها ويضطرها الى التراجع عن نتائجه. يبقى ان اعادة فتح «ساحة» لبنان تتطلب «تحييد» العامل الداخلي الوحيد المتبقي الذي يمكن ان يقف في وجه اعادة زج البلاد في حسابات المحاور الاقليمية، اي الجيش اللبناني، بعد تعطيل مجلسي الوزراء والنواب وشل الوسط التجاري للعاصمة، وفرض الفراغ الرئاسي وتمديده. وهو مسار بدأ في نهر البارد واستكمل في مار مخايل ويستمر مع محاولات اشغال الجيش وإنهاكه في حروب الزواريب والاطارات المشتعلة. عن صحيفة الحياة 21/2/2008